انتصار مقاومة كوباني بداية لانهيار أحلام أردوغان

تقرير/ سلافا أحمد –

تعتبر دولة الاحتلال التركي الداعم والممول الأساسي لمرتزقة داعش التي كانت تدعمها بشكل علني من خلال إدخالهم إلى الأراضي السورية عبر معابرها الحدودية بعد تدريبهم في معسكراتها وإمدادهم بالمال والسلاح، الحقيقة التي غضت عنها دول العالم الأنظار وما زالت. حلم أردوغان في النيل من إرادة الشعوب، وإبادة الكرد، باء بالفشل في قلعة الصمود كوباني التي أتت بأجل مرتزقتها في المناطق السورية كافة.

 لم تكن مقاومة تلك المدينة الصغيرة التي عُرِفت في العالم بعاصمة الإنسانية، كغيرها من المقاومات، بل كانت مقاومة أذهلت العالم أجمع أمام أخطر منظمة إرهابية في العالم.

مدينة صغيرة أذهلت العالم بمقاومتها

لم يتوقع أحداً في العالم إن مدينة صغيرة كمدنية كوباني التي لم يسمع الكثيرون باسمها أو أين تقع، أن تبدي مقاومة لإيقاظ الإنسانية في العالم من جديد.

ففي التاسع عشر من شهر تموز عام 2012 طرد أهالي مدينة كوباني قوات الحكومة السورية من مدينتهم، وكانت انطلاقة ثورة روج آفا منها، ومن ثم وصول الثورة إلى مناطق شمال سوريا الأخرى مثل إقليمي الجزيرة وعفرين، واتخذوا الخط الثالث فيها غير مؤيد للحكومة السورية ولا المعارضة، بل أخذوا مشروع الأمة الديمقراطية أساساً لهم، المشروع الذي طرحه القائد عبد الله أوجلان.

وفي 15 أيلول عام 2014 هاجم مرتزقة داعش بدعم من دولة الاحتلال التركي مدينة كوباني وقراها، بمعداتها وأسلحتها الثقيلة كافة، فخرج كل أطياف كوباني في مواجهة الخطر الأسود الداهم، وأبدت مقاومة تعجز الكلمات واللسان عن وصفها، بأسلحة خفيفة ومعدات بسيطة حاربت بها وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب مرتزقة داعش، التي لم تتمكن أي قوة في العالم من التصدي لها من قبل، كان الجميع يظن إن مصير مدينة كوباني سيكون كباقي المناطق الأخرى التي سيطر عليها مرتزقة داعش في العراق وسوريا. ولكن؛ صدموا بمقاومة وحدات حماية الشعب والمرأة، اللذين اتخذوا قرار الصمود والبقاء حتى آخر رمق لهم، وعدم الاستسلام لمرتزقة داعش وتسليم مدينتهم لهم، متخذين من مقولتي “المقاومة حياة والموت بشرف ولا العيش بمذلة” منطلقاً وشعاراً لهم، فكانت إرادتهم وراء النصر الذي تحقق في كوباني.

دور المرأة في مقاومة كوباني

المرأة التي عانت على مر العصور من الذهنية السلطوية والذكورية، وسُجِنت في قوقعة تقاليد المجتمع التي جردتها من حقوقها الشرعية؛ كونها امرأة بحسب تلك الثقافة الخاطئة؛ ذات العقل الناقص والتي خلقت من ضلع أدم، ليس لديها حقوق في الدنيا سوى أن تخدم زوجها وعائلتها وإنجاب الأطفال وتربيتهم فقط، لأول مرة أثبتت نفسها للعالم، وبرهنت على قدرتها بأن تكون قيادية في ساحة الحرب والسياسية، وكان ذلك في مقاومة كوباني التي خاضتها جنبا إلى جنب مع الرجل؛ من خلال إيمانها بفكر وفلسفة القائد أوجلان التي حضت على قضية تحرر المرأة من الذهنية الذكورية، إلى جانب تطبيق فلسفة الأمة الديمقراطية وتحرير الشعوب المظلومة من الاستبداد. لذا؛ نظمت المرأة الكردية نفسها بفكر القائد أوجلان، واستردت جانباً من حقوقها المسلوبة.

بداية نهاية داعش

برهنت مقاومة كوباني لمرتزقة داعش وتركيا أن إرادة الشعوب الحرة تنتصر وتتصدى لأحدث الأسلحة، وأكد مقاوموها على إنهم لن يسمحوا لأي قوة في التعدي على وطنهم، وإنهم مستعدون بفداء أغلى ما لديهم في سبيل حماية شعبهم ووطنهم.

وبعد مقاومة استمرت لمدة 134 يوماً، تمكنت وحدات حماية الشعب والمرأة وبمشاركة أبناء كردستان والعشرات من مناضلين أممين، إضافة إلى مشاركة قوات التحالف الدولي وقوات البشمركة وغرفة عمليات بركان الفرات من تحرير مدينة كوباني من مرتزقة داعش، ومن هنا بدأت نهاية مرتزقة داعش.

وبعد تحرير مدينة كوباني وقراها من رجس مرتزقة داعش، بادرت وحدات حماية الشعب والمرأة بحملة تحرير مدينة تل أبيض (كري سبي)، ومع بدء حملة تحرير تل أبيض تأسست قوات سوريا الديمقراطية التي شارك فيها جميع مكونات سوريا من كرد وعرب وسريان وتركمان والعديد من المكونات التي تقطن في سوريا.

أصبحت مقاومة كوباني التي عُرِفت بنضال أبنائها ونضال شهدائها رمزاً للمقاومة في العالم أجمع.

آثار لا تزال راسخة

 لا تزال آثار المقاومة التي رُسخت بدماء المناضلين في تاريخ الإنسانية، راسخة في أذهان العالم ومدينة كوباني التي لاقت حتفها من الدمار والتخريب بنسبة 80%. فبعد تحريرها من المرتزقة بادر أهالي كوباني  بتنظيف مدينتهم من الدمار وبقايا الحرب بمساعدة بلديات الشعب وأهالي باكور كردستان، ولكن قرر الأهالي إن يبقوا أثار المقاومة ونضال أبناءهم راسخة في مدينتهم. حي كانيا مرشدة من أكثر الأحياء التي كانت شاهدة على مقاومة ونضال مقاتلي ومقاتلات وحدات حماية الشعب والمرأة، فقرر أهالي مدينة كوباني أن يحافظوا على تلك الآثار، وإن يبقى قسماً من الحي متحفاً؛ شاهدا على المقاومة والنصر في كوباني.

عندما يأتي أحد الزوار لمدينة كوباني، فإن أول الأماكن التي يصطحبونها أهالي المدينة إليها هو حي كانيا مرشدة التي يسمونها الأهالي بمتحف كوباني الذي لا زالت بقايا وآثار ودماء المناضلين موجودة فيها، جدران مكتوبة عليها عبارات “هنا أستشهد الرفيق دارا، المقاومة حياة، لا نسمح لأي أحد بالتعدي على أرضنا، ستكون كوباني مقبرة لداعش وأعوانها”، والعديد من العبارات التي تشير إلى المقاومة والنضال.

بداية انهيار أحلام أردوغان كانت في كوباني

أثناء خوض مقاومة كوباني كانت حكومة العدالة والتنمية التركية تترقب سقوط كوباني بيد داعش، وتصرح كل يوم بأن كوباني قد سقطت. لكن؛ وحدات حماية الشعب والمرأة انتصروا في كوباني وأصبح للمقاومة صدى كبيراً في العالم بأسره وتأثر أجزاء كردستان بالمقاومة، وكان أبرز ما بين ذلك انتصار حزب الشعوب الديمقراطية بالانتخابات البرلمانية في تركيا حينها. ولكن؛ ذلك كان عكس ما تمناه أردوغان فتلاعب بالنتائج ومارس سياسة أكثر عدائية تجاه شعب باكور كردستان؛ لأنهم انتفضوا في وجه الحكومة بروح مقاومة كوباني.

لم يستطع أردوغان الوقوف متفرجا على انتهاء فصائل مرتزقته التي كانت تسعى إلى تنفيذ مخططاتها التخريبية في سورية، وحاول دائماً إنعاش داعش ودعمها في كل خطوة خطتها القوات المقاتلة في شمال سوريا بكل تسمياتها وصفاتها، بخاصة في ظلِّ الإنجازات والانتصارات في المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية. وبعد تأسيس قوات سوريا الديمقراطية التي تضم المكونات السورية كافة والبدء بحملة تحرير المناطق التي تعاني من ظلم وبطش داعش، قرر التدخل بنفسه، بينما كانت قوات سوريا الديمقراطية تحرر المناطق الخاضعة لمرتزقة داعش، بدأت دولة الاحتلال التركي ببدء احتلال مناطق جرابلس الباب وإعزاز، ولم تكن تلك سوى صفقة قذرة بينها وبين داعش، وكانت عملية لتبديل الأقنعة فقط. والأن عندما تتنفس داعش أنفاسها الأخيرة، في آخر جيب لها بهجين، تحاول دولة الاحتلال التركي مرة أخرى إمداد عمر مرتزقتها، وضرب نسيج إخوّة الشعوب وبث الفتنة بينهم، من خلال تهديداتها التي تزعم فيها البدء بعملية عسكرية في شمال وشرق سوريا. لكن؛ إرادة الشعوب التي تتخذ من الأمة الديمقراطية وإخوة الشعوب أساساً لها لن تسمح للاحتلال التركي بالتعدي على أراضيها، وسيكون مصير أي محاولة احتلال تركية هو المصير الذي لاقته ربيبته داعش في كوباني.