سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

النزيف الاقتصادي في سوريا يفتح أبواب جديدة للفقر

بيريفان خليل_

في ظل الأزمة السورية القائمة منذ 2011، يستمر نزيف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية لتنخفض لأدنى المستويات في تاريخها، وتتخطى عتبة عشرة آلاف ليرة سورية مقابل الدولار الأمريكي، وبذلك انخفضت إلى 200 ضعف عن سعر الصرف في بداية الأزمة.
وكانت إطالة الحرب عاملاً أساسياً في أن تتكبد الليرة السورية خسائر فادحة، وتنخفض قيمتها تدريجياً سنة بعد سنة، فقبل الحرب تماماً كانت قيمة الليرة أمام الدولار الواحد لا يتجاوز 50 ليرة سورية، وفي نهاية 2011 وصل الدولار إلى ستين ليرة سوريا، وفي 2012 وصل إلى 75 ليرة، والعام الذي تلاه 2013 شهدت الليرة تراجعاً أكثر من ضعفها، حيث وصل الدولار إلى 165 ليرة، وفي 2014 تجاوز حاجز 200 ليرة سوريا مقابل الدولار الواحد، ولم يكن عام 2015 أرحم على السوريين من الأعوام، التي سبقته بل انخفضت قيمة الليرة السورية إلى 400 ليرة سورية أمام الدولار، ولم ينته عام 2018 حتى تجاوز حاجز 500 ليرة سوريا، وتضاعف هذا الرقم في عام 2019 فقد وصل لعتبة 1000 ليرة، وكانت نسبة انخفاض الليرة قياسياً في عام 2020 حيث وصل إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية، ووصف حال الليرة السورية في عام 2021 بـ مسيرة الانفلات نتيجة انخفاضها الجنوني مسجلة نحو 6500 مقابل الدولار الواحد، واستمر على هذا الحال بالانخفاض شيئاً فشيئاً حتى سجل مؤخراً عشرة آلاف ليرة سوريا للدولار الواحد.
وكمقارنة بين عام 2022 و2023 فقد تراجع الليرة السورية بنسبة 67 بالمائة على أساس سنوي في حين تراجعت بنسبة 13 بالمائة على أساس شهري، حسب بيانات موقع “الليرة اليوم”.
لا بدائل اقتصادية
أرجع المحللون الاقتصاديون، والسياسيون، والمعنيون بالشؤون العامة في سوريا، بأن انخفاض القيمة لليرة يعود في الأساس إلا تأزم الأزمة السورية.
ولم تنقذ الدول العربية حكومة دمشق بإعادة دمشق إلى حضن الجامعة العربية، فالحرب لازالت قائمة، والأزمات تشتد شيئاً فشيئاً كما الأزمة الاقتصادية.
وقال المحلل الاقتصادي عمار يوسف لوكالة فرانس برس: “الحرب لم تنته بعد، وأسباب تراجع قيمة الليرة لم تتغير في ظل عدم وجود بدائل اقتصادية لتحسين عمل العملة، ولا سيما مع استمرار عرقلة العقوبات لأية عمليات تصدير”.
وعدَّ: “تأثير الانفتاح العربي على دمشق لم يبدأ بعد، ولا سيما أنه لم يترافق بعد مع خطوات اقتصادية ملموسة”.
كما وتناولت وسائل إعلامية كثيرة موضوع انخفاض قيمة الليرة السورية بأدنى مستوياتها تاريخياً بعناوين مختلفة، وتحت عنوان “الأسد فشل بجلب الاستثمارات رغم التطبيع العربي” نشرت عربي 21 تقريراً سلط الضوء فيه على التدهور الاقتصادي، وعدم تمكن رئيس الحكومة من إنقاذ شعبه في ظل التدهور الاقتصادي.
وكشف فشل قدرة دمشق لإنقاذ شعبها بعد التطبيع مشدداً بأن انهيار قيمة الليرة السورية للمستوى التاريخي تزامن مع إعادة الدول العربية، تطبيع العلاقات مع رئيس حكومة دمشق. وبأن مساعي دمشق لم تكن ناجحة لإقناع أقرب حلفائه من روسيا، وإيران، والصين في جلب استثمارات حقيقية إلى سوريا لمساعدة الاقتصاد المنهار، فيما لا تزال الدول العربية المطبعة مع الأسد تعيش حالة من التردد في بدء الاستثمارات في سوريا خشية تعرضها للعقوبات الأمريكية، والغربية المفروضة على دمشق.

إرهاصات قادمة
في الوقت الذي يعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر، ويعاني أكثر من 12 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي كما أكدته الأمم المتحدة، فضلاً عن 2,7 مليون يعانون من انعدام شديد في الأمن الغذائي، يزداد العبء المادي على السوريين بانخفاض قيمة الليرة السورية، وبعد تجاوزها عتبة عشرة آلاف ليرة أمام الدولار الواحد، تنخفض القدرة الشرائية لدى السوريين؛ ما ينذر بارتفاع نسبتهم تحت خط الفقر، وبالتالي انعدام الأمن الغذائي لأكثر من نصفهم.
حيث ارتفعت أسعار الكثير من المواد في مناطق حكومة دمشق بشكل خاص، سعر البيضة الواحدة تجاوز الألف ليرة سورية، والليتر الواحد من الزيت أكثر من 21 ألفاً، وغيرها من المواد التي تضاعف سعرها، فالارتفاع جاء بمقارنة تسعيرة اليوم، والأمس على حساب الدولار، ومن جهة أخرى باستغلال التجار، وتلاعبهم بالأسعار.
الناشط الإعلامي حمزة المعروفي، يعلق على هذا الأمر في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه بناء على السياق الاقتصادي السوري خلال سنوات الحرب فإن أي تخفيض لسعر العملة السورية رسمياً ينذر بإرهاصات قادمة متعلقة بشكل مباشر بانخفاض القيمة الشرائية لليرة، أبرزها غلاء السلع الغذائية واحتكارها من قبل كبار التجار، الذين يعتمدون على أسعار التصريف في السوق السوداء”.
ويعدُّ المعروفي، استمرار انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية ينذر بازدياد معدل الفقر، وارتفاع عدد السوريين الذين يرزحون تحت خط الفقر، متسائلاً “كيف سيكفي الراتب الشهري الذي لا يتعدى عشرة دولارات عائلة مكونة بالحد الأدنى من شخصين في الوقت الذي يزيد فيه إنفاق الأسرة ذاتها 200 دولار في الشهر، وفق دراسات أجرتها منظمات معتمدة دولياً في سورية.

السوري تحت خط الفقر
“لا حياة لمن تنادي” بهذه العبارة وغيرها من العبارات يعبر السوريون عن حالهم في ظل التدهور الاقتصادي خاصة بعد المستوى التاريخي، الذي وصل إليه اليوم.
سهيل أبو علي يعلق على هذا الموضوع، “نحن كمواطنين أصبحنا مشروعاً رابحاً للتجار والمستثمرين نعمل ليل نهار بما يعادل ثمن البيض والبطاطا للعائلة، لو كنا مزرعة كانوا اهتموا بالمأكل، والطبابة والتدفئة… للأسف الإنسان أقل تكلفة من الحيوان والدواجن حتى إذا مات يجب أن يدفع، فهو مشروع رابح حتى بموته”.
أما عبد السلام حسن، الذي يوضح صورة الحرب الدائرة في سوريا وبأنها كأي بلد تدار فيها الحرب سيشهد أزمة اقتصادية، إلى أن سوريا تجاوزت كل البلدان، التي نشبت فيها الحرب “نحن في بلدنا كأي شعب تعرض للحروب، وأصبح تحت خط الفقر كالصومال، وفيتنام، والسودان سابقا وووو…. ولكن عندنا زاد الضغط عن حدو، فاستغربوا كيف يصمد ويتحمل هذا الشعب، فأردوا أن يجعلوا منه حقل تجارب قديش بيتحمل ذكرني أيام زمان وقت كانوا يروحوا عكبس التين كان في شخص من عنا بالضيعة من دون ذكر الاسم، الله يرحمه كان يكبس الخيشة حتى تساع قد خيشتين، وبالنتيجة كانت الخيشة تتمزق وما عد تصلح للتعبئة مرة أخرى ونحن هيك شعبنا رح يصير فيه هيك.
وهناك من لخص الحال بعبارة واحد، Maher Hammoudi  كتب في تعليقاته “بلادنا ترزح تحت نير المؤتمرات”.
أما التعليق الأكثر رواجاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الصفحات الشخصية والعامة فكان، “معلم بمعيتك حطلي بمليون فلافل وبمليون ونص مسبحة، وبـ 300 ألف مخلل”.
 وبصورة مأساوية يشرح زياد حسامو وضعه، ووضع أمثاله من أصحاب الدخل المحدود، “كل يسعى إلى خلاصه الفردي أما بالسعي للسفر خارج البلد، وبيع كل ما يملك أو بالاعتماد على أملاك ورثها ويقوم باستثمارها أو بالاعتماد على المعونات من هنا وهناك وبات دخل الموظف والعامل السوري أردأ الدخول في العالم قاطبة إذا وضعنا لائحة لمصروف الشخص الواحد بحد الكفاف، والذي يساوي 1.9 دولار أي ما يعادل 17000 ألف ليرة سوري ضرب 30 يوما،  يساوي 510000 ليرة بالشهر مصروف الشخص الواحد لتأمين أبسط احتياجاته أي نصف مليون مصروف الشخص الواحد بحد الكفاف دون طبابة وترويح عن النفس، فماذا يكون مصروف عائلة مكونة من ستة أشخاص كحالي أنا كمثال يكون  ثلاثة ملايين، وإذا كان أكبر راتب في القطاع العام لا يتجاوز المائتي ألف، وفي القطاع الخاص النصف مليون لمهن تحتاج الخبرة والمران
فمن أين يعيش المواطن السوري، وقد أصبح يعيش تحت خط الفقر بدرجات كبيرة، وقد حرم من أبسط متطلباته واحتياجاته اليومية… من لا يشكو الوجع فهو غير متوجع، ويعتقد أن به قدرة على مجابهة الجوع… “الجوع لا رب له…. ويطحن أكبر شوارب، وقدرات تحت قدميه، ويمرغ أكبر الناس شرفا ومروءة… وأتمناكم أيها المتخمون أن لا تجربوا ذلك الإحساس فدخول معظمنا باتت لا تلبي احتياجات شخص واحد دون ذكر مصروف اللوازم المدرسية، والدروس الخصوصية، وتأمين مؤنة الشتاء وشراء الوقود أو الحطب وتغيير البطاريات للإضاءة”.
وبين كل هذه الفوضى، والفلتان الاقتصادي الذي تشهدها سوريا عامة، يبقى المواطن السوري الأكثر معاناة.