الموسيقى الكردية عالم خاص وملحمة إبداعية

جل آغا/ أمل محمد –

تتميز الموسيقا الكردية بطابع “الشجن” المميز الفريد، وتشتهر بتنوعها وغناها، وهي شكل فني منوع وحيوي، وتضم أنواعاً مختلفة، تتراوح بين الموسيقا الشعبية البسيطة إلى أعمال معقدة ومتقدمة، وبرز مغنون وفنانون كرد في مختلف العصور والعقود، شكلوا بصمة فريدة في مجال الموسيقا الكردية وناضلوا من أجل إغنائها ونشرها. وبالعودة إلى التاريخ الموسيقي الكردي تجد أن هناك مغنين كرداً، لمعوا في هذا المجال، وخلقوا حالة خاصة.

 ويتنوع الفن الكردي بين الغناء والمسرح والأدب، ولكن ما يميز المغنيين الكرد، أن الغالبية القصوى منهم وبالذات القدامى جمعوا بين الغناء والعزف في آن واحد على خلاف الموسيقا عند شعوب أخرى، إذ قلما تجد فناناً يستطيع الجمع بين الموهبتين، وكأن الفنان الكردي لا يستطيع الغناء دون تمكنه في العزف، كما هو معروف؛ فإن المغنيين الكرد، أثروا وتأثروا بالتقاليد الثقافية والموسيقية في المنطقة التي عاشوا بها.

رائد الأغنية الكردية

وفي هذا السياق نستعرض في هذا التقرير أبرز الفنانين والمغنيين الكرد الذين بإصرارهم وموهبتهم أضافوا بصمة للفن الكردي الذي غدا فناً عالمياً ومقصداً موسيقياً للهواة والفنانين، محمد شيخو، وهو مؤلف وملحن ومغنٍ كردي، ولد في ريف قامشلو، ويعدُّ من رواد الأغنية الكردية القومية، تميز بصوته القوي وبموسيقاه الخاصة، تتلمذ على يد فنانين كرد مثل حسن توفو وخليل إيزيدي، وقدم العديد من الأغاني الكردية القومية وتأثر بكبار الشعراء الكرد، هذا وغنى باللغة العربية أيضاً، وأثرى الفن الكردي بأغانيه الخالدة، ولعبت أعماله  دوراً جلياً وبالغ الأهمية في نضال حرية الشعب الكردي، وقد واجه في بداية رحلته في عالم الموسيقا والغناء العديد من الصعوبات والعوائق، ولكنه استطاع مواجهة ذلك بعزيمته وإصراره على متابعة طريقه، حصل على دبلوم في العزف على الآلات الموسيقية والغناء، وأصدر ألبومه الموسيقي في دمشق، والذي لاقى رواجاً بين الأوساط العامة، وتعرض للاعتقال من النظام السوري لمواقفه القومية وتعرض للتهديد والتعذيب، ولكنه لم يستسلم، وأصدر العديد من الأغاني المتنوعة وسجل 14 ألبوماً موسيقياً بين الحب والحياة واليأس وغيرها، توفى نتيجة مرض تعرض له في التاسع من آذار من عام 1989 تاركاً ذخراً فنياً من الموسيقا الكردية.

بيتو جان رسالة السياسة والحب

بيتو جان هو مغنٍ كردي يحظى بشعبية كبيرة،  لربما ما يميز هذا الفنان أنه يمتلك مهارة فائقة في تقديم الأغاني بطريقة تلامس القلوب وتحاكي المشاعر، بدأ مسيرته الفنية في سن مبكرة، هذا وإلى جانب موهبته في الغناء فإنه يمتلك قدرة على كتابة الأغاني الكردية، من خلال أغانيه كان يناصر الشعب والمجتمع، وينتقد الظلم والاستبداد وهذا ما جعله محبوباً بين الجموع؛ لأنه يمثل صوتهم من خلال أغانيه وإحساسه، يشتهر بيتو جان بأدائه المميز على المسرح، وحنكته الفنية الرفيعة، وبيتو جان الفنان الكردي الموهوب أحد أكثر المغنيين المؤثرين في الموسيقا الكردية المعاصرة توفى في عام 2023 تاركاً وراءه تاريخاً فنياً يعكس من خلال أغانيه وفنه القوة والشجاعة والحب.

الصوت الذي لمع من “الإبادة”

وفي الحديث عن الفن والغناء الكردي، فلا يسعنا سوى التوقف للحديث عن أحد أعمدة الفن الكردي وأحد عمالقة هذا الفن “آرام ديكران” وهو مؤلف ومغنٍ، وملحن كردي من أصل أرمني، غنى بالغة الكردية ولد في مدينة قامشلو لعائلة هاجرت لآمد أثناء الإبادة الجماعية للأرمن، وبعد الانتهاء من دراسته ركز على الموسيقا وهام بها، غنى باللغة الكردية والعربية والأرمنية وكذلك السريانية؛ ما جعله شخصية فنية معروفة، اشتهر بعزفه الدقيق على آلة البزق، أصدر أكثر من 230 أغنية باللغة الكردية، وما يقارب المائة أغنية باللغة العربية، ومثلها اللغات السريانية والأرمنية، خلق بصمة فريدة في أنواع الأغاني والموسيقا، التي غناها وبالأخص الفن الكردي، شارك في مهرجانات عديدة ووقف في أهم المسارح فارق الحياه بعد سكتة دماغية عام 2009 وأصبح ركيزة فنية لنضال الشعب الكردي.

العندليب الكردي أحمد كايا

بدأ المغني الكردي أحمد كايا أو “العندليب الكردي” كما لقبه الكثير من محبيه مسيرته الفنية في منتصف الثمانيات من القرن العشرين، هو ملحن ومغنٍ كردي اشتهر بآرائه وتوجيهاته السياسية، التي أثرت بشكل كبير على فنه وأغانيه؛ نتيجة تعرضه للمضايقات والملاحقة، تميز بصوته الجميل ونوعية الأغاني، التي يقدمها، هو رمز الثورة والمقاومة والأمل بالنسبة للملايين، الذين تأثروا بفنه، في بداياته تعلم العزف على آلة الساز القديمة ومن خلال التدريب والمواصلة تعلم العزف على عدة آلات موسيقية ومنها آلة البزق، غنى للثورة والحب والمقاومة توفى بعمر 43 عامًا إثر أزمة قلبية، وأصدر خلال تلك السنوات 17 ألبوماً متنوعاً، وبالرغم من هذه السنوات القليلة في مجال الموسيقا، لكنه أصبح رمزاً وأيقونة فنية بامتياز.

هذا ويعد الفنانون الكرد أحد أهم المساهمين في انتشار اللغة الكردية، والفن والثقافة الكردية، واليوم ونتيجة العزيمة، التي تحلى بها الفنانون الكرد والكثير ممن حملوا رسالتهم برزت الثقافة، والفن الكردي بشكل ملفت في مختلف الحضارات، كما وكان لوسائل التواصل الافتراضي مشاركة مهمة في ذلك من حيث الانتشار، والتعريف بالثقافة والفن الكردي أكثر.