سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المصالحة الخليجية… كيف ستنعكس على نفوذ تركيا بالعالم العربي؟

قامشلو/ صلاح إيبو-

عادت دول الخليج العربي لسابق عهدها من حيث العلاقات الكاملة وتأجيل الخلافات مع قطر، قطر تلك الدولة التي اتهمتها السعودية والإمارات المتحدة بتمويل الإرهاب، ساهمت على نحو غير مسبوق في دعم الفصائل المرتزقة الموالية لتركيا في سوريا، بل ودعمت حملات عسكرية تركية في شمال وشرق سوريا، فهل ستؤثر عودة علاقاتها مع دول الخليج على علاقاتها المتنامية مع تركيا؟
إذ أعلن وزير الخارجية السعودي عودة العلاقات الكاملة بين قطر ودول المقاطعة الأربع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وقال الأمير فيصل بن فرحان للصحفيين إن هذه الدول اتفقت على “تنحية خلافاتنا جانباً تماماً”، وذلك خلال قمة مجلس التعاون الخليجي، بعد نحو ثلاث سنوات من المقاطعة.
وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات مع قطر عام 2017، متهمة إياها بدعم الإرهاب. وفي الأشهر الأخيرة، كثف الوسطاء الكويتيون والأمريكيون جهودهم لإنهاء الأزمة.
إيران في الواجهة
ووقع قادة الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، خلال قمة الثلاثاء، اتفاقيةً قال ولي العهد السعودي أنها تؤكد “تضامننا واستقرارنا الخليجي والعربي والإسلامي”.
وأضاف أن “هناك حاجة ماسة اليوم لتوحيد جهودنا، للنهوض بمنطقتنا ومواجهة التحديات التي تحيط بنا، لا سيما التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي الإيراني والصواريخ البالستية، وخططها (إيران) للتخريب والتدمير”.
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في وقت سابق أن إدارة ترامب تريد من المملكة العربية السعودية أن تفتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية القطرية التي تدفع الدوحة حالياً ملايين الدولارات لتسييرها فوق إيران. ووافقت السعودية، مساء الاثنين، على إعادة فتح حدودها البرية والبحرية وأجوائها أمام قطر.
وتعليقاً على المصالحة الخليجية اعتبر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن اتفاق إنهاء الخلاف بين قطر وبين السعودية وحلفائها كان نتيجة “مقاومة قطر الشجاعة للضغط والابتزاز”.
وأضاف: “أقول لجيراننا العرب الآخرين: إيران ليست عدواً ولا تمثل تهديداً. كفى بحثاً عن كبش فداء، خاصة وأن داعمكم الأرعن (الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) في طريقه للخروج (من منصبه)”.
أسباب الخلاف؟
لطالما مارست قطر سياسة خارجية وصفت بالـ”طموحة”، خارج سرب بعض دول الخليج الأخرى، لكن هناك قضيتان رئيسيتان أثارتا غضب جيرانها خلال العقد الماضي.
الأولى هي دعم قطر للإسلاميين، وتقر قطر بتقديم المساعدة للجماعات الإسلامية التي تم تصنيفها على أنها منظمات “إرهابية” من قبل بعض جيرانها، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين. لكنها تنفي مساعدة الجماعات الجهادية مثل القاعدة أو داعش.
والقضية الرئيسية الأخرى هي علاقات قطر مع إيران، التي تشترك معها في أكبر حقل غاز في العالم. وتعد القوة المسلمة الشيعية (إيران) هي المنافس الإقليمي الرئيسي للمملكة العربية السعودية.
بعد الحصار أنشأت قطر طرقاً تجارية جديدة مع إيران وتركيا، لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية لسكانها البالغ عددهم 2.7 مليون نسمة لكن منهم 300 ألف قطري فقط، واستخدمت ثروتها من النفط والغاز لدعم اقتصادها.
وهنا عززت تركيا تواجدها العسكري والدبلوماسي في قطر، واستثمرت العلاقات المتنامية في تمويل حروبها خارج تركيا وبالتحديد تركز الدعم المالي القطري والكويتي في تشغيل الفصائل السورية المرتزقة بشمال سوريا لتنفيذ أجندات تركيا في سوريا وليبيا.
وظهرت وثائق عدة أثبتت تقديم قطر دعماً مالياً لتركيا في عفرين التي احتلتها في 18 آذار 2018، إضافة لتمويل كلٍّ من قطر والكويت لمئات المنظمات العاملة في شمال حلب والتي تهتم بنشر فكر تنظيم الإخوان المسلمين بين الأهالي من كرد وعرب.
إلا أن العلاقات السعودية والإمارتية مع تركيا ليست على ما يرام، وأعلنت الدولتان في وقت سابق حملة لمقاطعة المنتجات التركية، لذا بدى من المؤكد أن عودة المياه بين قطر ودول المقاطعة لمجرها يصب بالدرجة الأولى في خانة استهداف إيران اقتصادياً، لكن تبقى العلاقات القطرية التركية هي الأخرى مسار جدل وتشكل خطراً على وحدة القرار في دول الخليج.
سوريا على أجندات الخليج
من خلال مقررات القمة الخليجية بدى الاهتمام واضحاً بالملف السوري، إذ أكد المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي على مواقفه وقراراته الثابتة بشأن الأزمة السورية، والحل السياسي القائم على مبادئ (جنيف 1)، وقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي ينص على تشكيل هيئة انتقالية للحكم تتولى إدارة شؤون البلاد، وصياغة دستور جديد لسوريا، والتحضير للانتخابات لرسم مستقبل جديد لسوريا يحقق تطلعات الشعب السوري “الشقيق”.
وعبر المجلس الأعلى عن أمله بأن تسفر اجتماعات اللجنة الدستورية في سوريا عن توافق سريع، وأن يكون ذلك معيناً للجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية ويحقق للشعب السوري تطلعاته المشروعة، مجدداً دعمه لجهود الأمم المتحدة لتحقيق ذلك.
رفض التغيير الديمغرافي
وجدد المجلس الأعلى دعمه جهود الأمم المتحدة للعمل على إعادة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مدنهم وقراهم بإشراف دولي وفق المعايير الدولية، وتقديم الدعم لهم في دول اللجوء، ورفض أي محاولات لإحداث تغييرات ديمغرافية في سوريا.
كما أكد المجلس على مواقفه الثابتة تجاه الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، واحترام استقلالها وسيادتها على أراضيها، ورفض التدخلات الإقليمية في شؤونها الداخلية، وكل ما يمس الأمن القومي العربي ويهدد الأمن والسلم الدوليين.
 وأعرب مجدداً عن إدانته للتواجد الإيراني في الأراضي السورية وتدخلات إيران في الشأن السوري، وطالب بخروج كافة القوات الإيرانية وميلشيات حزب الله وكافة الميليشيات الطائفية التي جندتها إيران للعمل في سوريا.
نوع المواجهة مع تركيا؟
إضافة لهذه المخرجات، جدد المجلس التزامه بمحاربة الإرهاب في المنطقة برمتها، فهل الشروط الثلاثة عشرة التي طلبت دول المقاطعة من قطر تنفيذها ستنفذ فيما بعد! وهنا يجب على دول الخليج العربي التركيز على الدور التركي المتزايد في المنطقة العربية، والذي تهدد الأمن القومي العربي، ليبيا، اليمن، الصومال، سوريا، لبنان، ساحات صراع نفوذ حالية بين بعض دول الخليج وتركيا.
فهل ستتحول تركيا في سياستها الخارجية للتصالح مع الإمارات والسعودية مثل ما توقعته صحيفة الغارديان البريطانية، أما آن الأون لتشكيل تحالف عربي فعال لمجابهة النفوذين التركي والإيراني المتزايد في الشرق الأوسط والعالم العربي؟!