المرأة ما بين الاستبداد والتحوّل الديمقراطي

فطينة البروك (عضوة مكتب المرأة بجيش الثوار)

منذ انطلاق الثورة السوريّة إلى يومنا الحالي كانت المرأة ولا زالت الهدف المشترك لكل أعداء الثورة حيث تحملت وصبرت على فقد الزوج والأخ والولد، فإن كل طلقة أو قذيفة تقتل أو تصيب مدنياً فإنها حقاً تصيب قلب امرأة.

المرأة الضحية الأولى لهذه الحرب ورغم ذلك كله لا زالت تعيش العنف بأبشع وأقسى صورة وفي ظل عجزها عن نيل أبسط حقوقها، فالعادات والتقاليد البالية التي عفا عنها الزمن لم تتغير في غمار الثورة كما تغيرت الكثير من الأفكار التي اعتنقها الرجل فقد حافظوا على الأفكار التي تُبقي المرأة خلفهم، مما أدى لحرمانها من ممارسة جميع الحقوق بكافة مجالات الحياة.

فالمرأة التي استطاعت أن تستوعب قسوة الحرب، هي ذاتها القادرة على تعويض عائلتها كل ما تحتاجه إن أعطيت مكانتها الحقيقية، ولا يمكن للثورة أن تبنى على مفاهيم منقوصة كما لا يمكن أن تبنى على ما يروق للرجل فقط، وإذا كان الحال كذلك، فالتغيير والانقلاب يجب أن يكون شاملاً لكل المفاهيم التي قوضت تقدم المجتمع السوري ولا نريد أن نزيد حجم التشاؤم من المستقبل الذي ينتظرنا.

إن نهضة الأمم تكون بتثقيف وتعليم أبنائها الذين يمثلون أسس حضارتها القادمة، ومن يقرأ التاريخ جيداً سيدرك أن المرأة كانت ولاتزال أهم الركائز التي ساعدت في تطور الحضارات وازدهارها. وفي ظل الثورة السوريّة قدمت المرأة شهيدات وضحايا ما يقارب 13348 خلال سنوات الثورة المنصرمة، لذلك فأن المرأة ما بين الاستبداد والتحوّل الديمقراطي لها بطبيعة الحال مفارقات عشوائية في حياتنا اليومية.

ومن الجلي، إذا عقدنا مقارنة بسيطة بين واقع المرأة في ظل حكومة الجولاني والاحتلال التركي وبين واقع المرأة بمناطق الإدارة الذاتية، فذلك يقودنا بأنه مع بداية الثورة وتسيس الحراك الثوري وإعطائه الطابع التكفيري الإرهابي، كانت المرأة هي الخاسر الوحيد في المجتمع من خلال الممارسات ووضع الأغلال والقيود بأيدي المرأة، وفي ظل سيطرة مرتزقة داعش وبقايا جبهة النصرة على المنطقة عانت المرأة ما عانته من ظلم واستغلال واستخدامها كأداة للنسل والمتعة فقط.

ومورس على المرأة الضغوطات من أجل إيقاف نضالها ومنعها من نيل أبسط حقوقها في حياة حرة كريمة، ومن الأمثلة على ذلك حال المرأة في إدلب والشمال السوري التي تعيشه بين رحى الظلم والاستعباد لوضع اقتصادي متردٍ، وهي أيضاً محرومة من حقها بإبداء رأيها بأي أمر كان مهما عظم أو صغر إضافة إلى الاعتقالات التي تطالها وحرمانها من الخروج لقضاء حاجياتها لأي سبب وغالباً إن حدث هذا فيجب وجود رجل معها أو طفل صغير.

هذه الذهنية المتجذرة من أمد بعيد مازالت تُتوارث في تلك المنطقة وإقصاء حق المرأة وتغييب الحرية والإنسانية والتعامل بالاحترام وممارسة الحقوق المشروعة بينما بالطرف المقابل وبمنطقة جغرافية واحدة، وأعني بذلك منطقة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا فالمرأة تمارس جميع حقوقها الإنسانية والحياتية بتشاركية مع الرجل وديمقراطية محضة في جميع الحقوق من العمل والإنتاج والفكر والحرية الإنسانية والنضال والدفاع عن وطنها.

باتت المرأة وسط المناخ الملائم الشريك الذي لابد منه في عملية التطور والنجاح على كافة الأصعدة العسكرية والسياسية والقيادية والإدارية بنظام الرئاسة المشتركة الذي حقق للمرأة مكتسبات كانت قد فقدتها منذ زمن طويل لتكون راسخة في المجتمع وبناءة له وتثبت قدرتها على إدارة نفسها والمجتمع وإدارة المؤسسات النسوية التي عادت بالمرأة إلى حقيقتها، وما من شك أن التاريخ خلّد شهيدات كثيرات لكن من المؤكد أنه سيخلد شهيدات الإدارة الذاتية من خلال النضال الذي قدمنه في ظل الثورة السورية.