روناهي/ الشدادي ـ
تعيش المرأة في الجزيرة السورية منذ سالف العصور، حالة استثنائية تجعلها متفردة تختلف عن بقية النساء في المجتمع السوري، فهي كانت شريكة الرجل في الأعمال كلها، بالإضافة إلى عملها ربة أسرة، واهتمامها بشؤون أسرتها؛ ما يلقي عليها مسؤولية مضاعفة.
ومع تقدم الزمن ومرور السنين، أصبحت المرأة في الجزيرة السورية ريادية أكثر، وانفتح أمامها أفق جديد، أثبت نفسها من خلاله، فهي اليوم شريكة حقيقية، فهي الطبيبة والمحامية والمعلمة، إدارية مؤسسة، وقيادية عسكرية تدافع عن موطنها شمالاً وجنوباً.
ينقسم المجتمع في الجزيرة السورية حالياً إلى قسمين: مجتمع ريفي، ومجتمع مدني، وعلى الرغم من ذلك، فلا اختلاف كبير بين المجتمعين، فهناك قواسم مشتركة كثيرة تجمعهم، العادات والتقاليد واللهجة والأعمال نفسها، بالإضافة إلى أن الغالبية الساحقة من سكان المدنية، هم من أبناء الريف، الذين قرروا الاستقرار في المدينة، من هذا المنطلق وجدت تلك القواسم المشتركة، ولا يختلف الأمر كثيراً عن بقية شعوب الجزيرة السورية، اكتسبوا العادات والتقاليد من بعضهم، واختلطت ثقافاتهم لتشكل لوحة فسيفسائية كبيرة، تسمى الجزيرة.
عمل المرأة في الجزيرة السورية
منذ القدم ألقي على كاهل المرأة مسؤوليات كثيرة، حيث تقوم بمشاركة الرجل كافة الأعمال، بالإضافة إلى واجباتها الأسرية، لتكون بذلك مهامها مضاعفة، إذ تستيقظ المرأة مع ساعات الفجر الأولى فتقوم بالتحضير لإعداد خبز التنور، أو الصاج، والذي أخذت المرأة لونها الأسمر منه، ومن حقول القمح التي تشارك بزراعتها، وبعد تجهيز الخبز تسارع إلى تجهيز وجبة الفطور لأسرتها، والتي غالباً ما تكون عبارة عن لبن رائب، والجبن، والسمن العربي، التي أعدتها بنفسها. وبعد ذلك تسارع بالخروج لجمع الحطب أو لحلب الشياه، أو لتساعد زوجها في أعمال الزراعة، التي عرفتها الجزيرة من سالف العصور.
كما تسارع المرأة في جزيرتنا لاستقبال الضيوف والقيام بواجب الضيافة في حال غياب الزوج، فهي من تسد غيابة، وهذا ما أكده الكاتب صالح هواش المسلط في كتابة جوانب من نضال المرأة في الجزيرة السورية.
وبعد عصور التحـضر، وظهور بواكر العلم تلوح في الأفق، وبعد افتتاح المدارس الحكومية في الأرياف والقرى، انضمت إلى الصفوف الدراسية؛ لتكون بداية لعصر جديد لم تتخلَ خلاله النسوة في الجزيرة عن أصالتهن، بل زادهن العلم تشبثاً بأرضهن، وبمورثهن، فقد زادهن العلم قوة إلى جانب قوتهن.
وعلى الرغم من النهضة، والتطور في مرحلة الثمانيات، والتسعينات من القرن المنصرم، إلا إن المرأة في الجزيرة السورية لم يكن لها الدور الريادي؛ بسبب تقويض دورهن، والاقتصار على بعض الوظائف الهامشية، إن وجدت.
عصر جديد وثورة المرأة
بعد انطلاق ثورة التاسع عشر من تموز، والتي شكلت المرأة عمودها الفقري، أحدثت في الجزيرة نقلة نوعية ووضعاً متفرداً يختلف كلياً ما عاشته سابقاً، وما تعيشه النساء في باقي جغرافية الأرض السورية، وصنعت المرأة في الجزيرة بعد اتحاد الشعوب كافة، أنموذجاً يحتذى به، حيث شكلت عشرات الجمعيات والمؤسسات والمنظمات، التي تعنى بشؤون المرأة بالإضافة إلى دورها البارز في العمل السياسي، وقيادتها تحالفات سياسية كبيرة، كان نتاج القوة التي اكتسبتها من أرضها، والعلم الذي تسلحت به من جهة أخرى، لتأخذ مكانها بذلك على رأس الهرم، وهذا ما أكدته أميرة السعد الإدارية في مؤتمر ستار بالشدادي.
