سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المرأة … عبدة العبد

مما لاشك فيه أن قضية المرأة هي قضية إنسانية بامتياز، ولا تقل أهمية عن قضية حرية الأرض والوطن لا بل هي أهم، فالنساء هن نصف سكان العالم إن لم يكنَّ أكثر بحسب آخر الإحصائيات، لذلك فإن نضال المرأة يكتسب أهمية بالغة إذ يدفع بنصف المجتمع إلى ساحة النضال ويوفر الأسس الضرورية لكي تقرر مصيرها بنفسها وتضمن حقوقها كافة بشكل قانوني ودستوري، فنضال المرأة التحرري لا يمكن فصله عن نضال التحرر الاجتماعي، إذ بينهما ترابط وثيق، فلا ضمان لحرية المجتمع دون حرية المرأة، واضطهاد المرأة من قبل الرجل هو اضطهاد طبقي.
ولقد برز اضطهاد المرأة مع ظهور المجتمع الطبقي ومعه بدأت مسيرة طويلة من الخضوع والإذلال والعبودية المريرة للمرأة حتى وصلنا إلى زمن الرأسمالية والتي استغلت وضع النساء بشكل هو الأسوأ عبر تاريخ عبودية المرأة، فقد طرحت قضية تحرُّر المرأة لأنها كانت بحاجة إلى الأيدي العاملة فالمرأة تشكل احتياطي هائل من الأيدي العاملة الرخيصة الثمن، ففي أكثر البلدان تقدماً لايزال أجر المرأة أقل من أجر الرجل، كما حاولت الرأسمالية تهميش دور المرأة في الصراع السياسي، وهذا التهميش خلق مفاهيم ذاتية لحل المشاكل الاجتماعية إذ أن المرأة تسعى لحل مشاكلها الناجمة عن الاستغلال الرأسمالي ضمن إطار الأسرة وهي بذلك تحاول إبعاد الرجل عن خوض الصراع السياسي وهي بذلك تلعب دور قوة رجعية مضادة للتأثير على الرجل ليواجه المشاكل الاجتماعية بشكل فردي وتستخدم الرأسمالية من أجل تحقيق هذا الهدف عدة وسائل منها تمجيد دور الأم وتصوير المنزل على أنه مملكة صغيرة تبدع المرأة فيها،  كما أن ترسيخ مفهوم ربة البيت لدى المرأة يسمح للرأسمالية بترويج منتجاتها الاستهلاكية عبر الدفع المستمر بالمرأة نحو الاستهلاك، وذلك عبر الدعاية المركِّزة على إسعاد الرجل، فالرأسمالية توجه المرأة لتكون مستهلكاً رئيساً، وفي إطار الدعاية وتخدير عقول النساء تدخل المجلات النسائية والصفحات الخاصة بالمرأة في الجرائد والمجلات والسينما والتلفزيون ومختلف وسائل الإعلام، والدعاية التي تركز على الجوانب المظهرية والشكلية مثل الأزياء والمكياج وأنواع الأطعمة والتسريحات وجمال البشرة والاحتفاظ بالشباب والرشاقة، حيث نجد أن الإعلان يتوجه إلى المرأة في بيتها ولا يصورها أبداً خارج هذا الإطار، وهذا ما يؤكد النظرة الدونية للمرأة كعنصر مستهلك في نظام رأسمالي طبقي.
وفي ضوء ما تقدم يمكننا الإسهام في إعادة بناء قضية المرأة أو مسألة تحررها وحريتها من النظام الطبقي الرأسمالي، فحرية المرأة هي المقدمة الأولى لحرية المجتمع وتقدمه وشرط لازم لتحرر الرجل أيضاً من الاستغلال الرأسمالي له، ومن هذا المنطلق على جميع المؤمنين بأهمية قضية المرأة التعريف بجميع الظروف التي جعلت وتجعل من المرأة كائناً ضعيفاً ومهاناً ونقدها؛ فنقد هذه الظروف هو المقدمة الضرورية لحذفها أو تحسينها، لأن ضعف النساء في مجتمعنا هو قوة الرجال الوهمية، وهو بالنتيجة ضعف المجتمع الفعلي ومصدر العجز والتواكل واللامبالاة والإذعان والامتثال والخوف من الحرية، وسيبقى كل ما نسميه تقدماً هو وهم طالما لم ينجز المجتمع ثورة على صعيد الوعي يضع الإنسان في مركز العالم، إن أحد أقبح وجوه التقدم الحاصل هو إعادة إنتاج العبودية واستغلال الإنسان وإبقاء المرأة عبدة العبد ومستَغلة المستغل، فارتقاء المرأة هو ذاته ارتقاء للرجل، والارتقاء به من عبد غيره إلى سيد نفسه.