روناهي/ جل أغا ـ
حينما كانت الحياة مشاعاً، لا سكن فيها، ولا استقرار، انبرى دور المرأة الريادي في سبيل إيجاد سبل الحياة واستقراراها، فأُقيمت القرى، واُعتُمدت المعابد، وتشكلت أسس الزراعة والبناء، وتنمية الفكر الاجتماعي الجماعي في المجتمع، هذا كله كانت فيه المرأة المحور الأساسي، والغاية المُثلى.
يتبادر إلى الذهن عبارات الحياة، الأرض، الجمال، حينما نذكر المرأة، فمنها تنبعث الحياة، فكانت أول مخلوقة تولد وتمنح الحياة الحب والدفء والحنان، فكلاهما رمز للخصب والعطاء، ولأنها عنصر الجمال نجد أن الشعراء أول الذين نبهوا إلى ذلك في قصائدهم، اذ شبهوا المرأة بالطبيعة، وشبهوا شعرها بالليل، وشبهوها أيضاً بالورود والأزهار، وطولها بالحور والسنديان، أما الخدود كالتفاح الأحمر، وثغرها بحبة الكرز، وعيونها الزرقاء بالبحر، والخضراء غابة ندية، فعلى هذا بقيت المرأة رمزاً دلالياً، وهي الحياة، بل عنوان الحياة، ورقي الأخلاق والحضارة.
الأهمية التاريخية للمرأة
توجت المرأة دورها الريادي الكبير منذ فجر التاريخ، حيث سجلت باسمها مرحلة اكتشاف الزراعة، ونقل الإنسان من مرحلة الصيد والالتقاط إلى إنتاج الغذاء، وكانت معاملة المرأة لأطفالها دون تمييز، هي التي أسست لروح العدالة والمساواة الاجتماعية، القائمة في الجماعة الأمومية، وأيضاً ابتعاد المرأة الطبيعي عن التسلط والاستبداد، ونفورها من العنف الجسدي، إلا عند الحاجة الحقيقية إليه، قد شاع السلام بين أفراد الجماعة، وبين الجماعات الأمومية الأخرى، وفيضها الطبيعي كان أساس المشاعة البدائية، وعدالة توزيع الثروة، ولقد أسلمت الجماعة قيادتها للأمهات دينياً وسياسياً واجتماعياً، وعزز ذلك الدور الاقتصادي للمرأة، فلقد كانت المنتج الأول في الجماعة، لكونها المسؤولة الأولى عن الأطفال، وتأمين حياتهم، ومسؤولة عن تحضير جلود الحيوانات، وتحويلها إلى ملابس ومفارش وأغطية، وكانت النساجة والخياطة الأولى، وأول من صنع الأواني الفخارية، وبسبب قضائها وقتاً طويلاً في البحث عن الأعشاب الصالحة للأكل تعلمت خصائص الأعشاب السحرية في شفاء الأمراض، فكانت الطبيبة الأولى، وكانت من يبني البيت، ويصنع الأثاث، وهي أول موقدة لشعلة النار الأولى في البيوت والمعابد، وكانت أول حارس عليها، وحفظت أسرارها.
انحسار دور المرأة
بعد أن أعادت المرأة تشكيل الحياة، ورتبت المجتمع حدث خلل ما، إذ أن المجتمع الانساني، بدأ يدير ظهره للمرأة، ويتنكر لها، بشكل آخر استطاعت الهيمنة الذكورية، تغيير مجريات الواقع، ونصبت نفسها ولية وسلطة، على نساء العالم في هذه المرحلة المتردية فكرياً، تغيرت مفاهيم العالم، وفي مرحلة انعدام دور المرأة، دخل العالم مرحلة الحروب الهمجية، لكن يبقى لهذه المرحلة ميزة، وهي الظهور بشكل متقطع في مراكز السلطة، والحكم وكسر هيمنة الذكور، فتغيرت المراحل، وتبدلت الوجوه، وبقيت القرى والمدن تذكر النساء اللواتي أحدثن طفرة، غيرت وجه التاريخ الذكوري مرات ومرات، لتختفي مراحل الهيمنة الذكورية المطلقة، قبيل بداية العصر الحديث، وتبقى العشيرة والقبيلة عقبة في وجه استعادة الدور الفعلي للمرأة.
قيمة المرأة
منذ أن عرفت العشيرة، والتي تحمل اللفظ الأنثوي في مسماها، دائما ما كانت المرأة حاضرة في وجدان المجتمع، ويذكر في زمن لم يكن ببعيد، أن الرجال اعتادوا أن ينتخوا بأسماء أخواتهم، حينها أصبح النسب القبلي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمرأة، إذ يقال فلان أخو صبحة، وفلان أخو وضحة، وكأن التاريخ والعرف يخبراننا أن المرأة دائماً، ما كانت نموذجاً وأيقونة للنصر، حتى ضمن إطار العشيرة، التي لربما كانت أكثر المنظومات الإنسانية، التي قيدت حرية المرأة في بعض مراحل التاريخ، اذا يتغير المشهد، والشاهد، وتبقى المرأة أيقونة العصور كلها.
