جل آغا/ أمل محمد –
يُعدُّ محل الحدادة للمواطن الأرمني رافي ارسينيان صاحب الخامسة والخمسين عاماً من أقدم محلات الحدادة في مدينة قامشلو، والذي تجاوز السبعين عاماً، مهنة احترفها رافي بعمر العشرينات متتلمذاً على يد والده، ليستمر في مزاولة مهنة الوالد في محله العتيق بين ضربات مطرقته الحديدية والنار التي تنفذ من اللحام، تصليحات هنا وهناك وعمل منذ ساعات الصباح الباكر في مهنة ورثها رافي ارسينيان أباً عن جد.
من الشباب إلى المشيب حكاية المهنة المتوارثة
حِرفة الحدادة من أقدم الحِرف التقليدية على مر العصور، والحداد هو الحِرفي الذي يمتهن صناعة المعدات والمستلزمات من الحديد، في مدينة قامشلو احترف المواطن رافي ارسينيان هذه المهنة من خلال مرافقة والده في العمل في بداية العشرينات من عمره، ليتعلم أساسيات العمل وشروطه ويغدو اليوم من أقدم حِرفيّي هذه المهنة، التقت صحيفتنا برافي ارسينيان أثناء مزاولته لعمله بين القطع الحديدية المتناثرة وخلف منضدته التي تعج بالأدوات ورائحة الحديد المصهر بالنار، حدثنا بوجهه السموح وابتسامته المعتادة قائلاً: “تجاوز عمر هذا المحل السبعينات، ورثته عن والدي كما ورثت هذه المهنة، يعد هذا المحل من أقدم محلات الحدادة في المنطقة، قضيت أكثر من خمسة وثلاثين عاماً بين جدران محلي هذا، قصص عديدة وذكريات على مر هذه الأيام منذ اليوم الأول لي في العمل”.
صعوبات وشغف العمل
على الرغم من قلة الإقبال على هذه المهنة في الوقت الراهن بسبب ظهور مصانع الحديد والصلب، إلا أن العديد لا يزال يحترفها، يعد محل ارسينيال نصف محل للحدادة يعتمد على بعض التصليحات وصناعة المستلزمات البسيطة وتابع رافي ارسينيان: “العمل قلَّ اليوم عن سابقه، ونتيجة ظهور المصانع الكبرى بمعداتها الضخمة؛ فإنَّ عملنا يقتصر اليوم على بعض التصليحات، وتصنيع الأدوات الزراعية من منجل وشاعوب “المذراة” والمجرفة وغيرها من الأدوات التي يطلبها الزبائن”.
وعن صعوبات هذه المهنة حدثنا ارسينيان قائلاً: “نتيجة العمل المتواصل خلال هذه المدة الطويلة؛ فإننا نشعر بالضيق، وأن تكون حداداً فعليك أن تتحمل الكثير من المتاعب وتتحلى بالصبر، ولكن هذا كله لا يقلل من رغبتنا في العمل”، هذا وكما تحدثَّ ارسنيان عن علاقته بأدواته ووصفها بالصديق الذي رافقه على مدار هذه السنوات والتي لا يمكنه التخلي عنها.
وزاد ارسينيان: “في القديم كان كور الحداد أو المجمرة شيء أساسي في مهنة الحدادة والتي تقوم على صهر المعادن، حيث كانت بمثابة فرن يوقد فيها النار، اليوم قد لا تجد الكور في الكثير من المحلات وحلَّ مكانها أدوات ومعدات جاهزة، الأمر الذي أدى إلى انقراض الكور البلدي”.
بالرغم من زحمة العمل والضغط الذي يرافقه، إلا أنَّ هناك وقت للراحة وشرب الشاي مع الجار والصديق كوكو خمو الذي يتشارك المهنة نفسها مع رافي هذا ما بيّنه بقوله: “أجمل الأوقات هي تلك التي أجتمع فيها مع بعض الأصدقاء والتي تخفف من أعباء العمل، نتبادل أطراف الحديث وتمر العديد من الوجوه في مشهد بات اعتيادياً ولكنه في الوقت ذاته أساسي لأستمر في مواصلة عملي هذا”.
