المجموعة الشعريّة: شظايا الروح الشاعر: نجم عبد الله

فيروشاه أحمد –

« شظايا الروح» مجموعة شعريّة أعدّها نجم العبدالله من وحي عشق الأرض والحياة، من نبضات قلوبٍ عشقت تراب الوطن وكلّ ذرة فيه، بسهله وجَبَله ومائه وحجره، نبضات قلوب عاشقة حتى الثمالة للطبيعة والإنسان والخير، وتبدأ المجموعة بمقدمة يسافر فيها نجم عبر أحاسيسه نحو فضاءات اللحظة، حين يقترب من القلوب المتعانقة في بيادر الوطن. يحدثنا عن الأفكار بأنّها لا تموت ولا تحترق، فهي أجمل من الموت وأقوى من كلِّ الغطرسة والأسلحة، هي كلمات تنضحُ بالعشق الأبديّ، وحرية بحجم كلّ المساحات التي تلفُّ الوطن، وترسم ابتسامات على جنبات كلِّ من ينافح عن الوطن ويصونه عبر فوهة بندقيته، وتبقى كلمات هذه المجموعة نسائم تدغدغ الروح، وتروي القلوب من الأمل الآتي من خلف الأسوار، فراشات تحمل رسائل العشق وتعيش اللحظة وكأنها لا تنتهي.
تبدأ المجموعة بسيمفونية رقيقة تعزفها «شيلان جودي» لفيلسوف عشق الأرض والإنسان. في قصيدة بعنوان «أوجلان»:
«قصيدة بلون التاريخ المروي، وأغنيَّة حبٍّ، وأرجوحة لأطفال يحلمون بغد أجمل، وترسم من تضاريس أوجلان لحن قيثارة، لأوراق وامطار وعصافير وسلام وربيع سيأتون، يرتلون لك النور المشع من عينيك».كلمات من وجع القصيدة، ومن انكسارات الزمن القابع في ذاكرتنا، تلملم بقايا أحرف متناثرة، تتلوّن بقوس قزح، حروف لم تنكسر ولم تتهاوَ في مساراتها، إنّها حرّة ترسم حرية جديدة لأطفال سيأتون مع أول شمس، فبين الكبوة واستمراريّة المسيرة ترتفع السنابل تعزف لحناً بحجم ابتسامة كلِّ عاشق على ذرى جبال كردستان، تحكي للسماء عذابات الكرد، وتجدد نضالاتهم في سبيل حرية الإنسانيّة كلها. ويطل «بولات جان» عبر مواويل عشق لسيدة الخصب في قصيدة «أمي» حين يعلن بأنه من أجلها أحب الناس جميعاً، وأحب الحرية والأرض والشهادة، من دمعها رسم ابتسامة، ومن وجهها رسم خارطة وطن، فانت والوطن وجهان لنشيد واحد. ومن وسط النهر المتدفق يخرج «فخرالدين اسماعيل» يكتب رسالة عشق في قصيدة «بريتان» حين أشاروا إليها بأصابعهم المرتجفة من وهج نارها، لا آلهة بعد اليوم فالخيانة أصمت أذهان الغزاة، تنتحر إنانا وتُلبس بريتان ثوب المطر، لم تستسلمي ولم تموت بل أينع الثمر من طهرك. أما حين نسمع صوت «نوال آزادي» تغني أسطورة عشق في قلب ينزف دماً، تكتب تاريخ حب وصيرورة بقاء، هي ملهمتها التي تلهمها قصائدها وأشعارها، ملهمة نوال» فيان» التي نسجت من عشقها تضاريس حضارة، تترنح في سمائها مصابيح لا تنطفئ. لكن صوت نجم عبدالله يخترق ذاكرتنا ويردّنا إلى طفولتنا وحبنا، وكيف يفتح أعيننا ونحن في مهد حضارتنا الأولى نشرب الحب والحليب مع رفيقتنا، نركض في الحياة وقد ضاق بنا الكون، لكنه لا يترك يديها، بل يعيشان طفولة وحياة وحب. أما «دريا ديريك» فتهدينا من عطر «شيلان» أجمل الزهور في اكتمال القمر، شيلان تأخذ بيد دريا تعلمها مبادئ الحياة، عشق الحياة والبنفسج، كي تنتحر الجهاتُ على بوابات الإنسان الحرّ، وتكمل «شيلان جودي» رسم اللوحة في «انبعاث» كلّ شيءٍ، حين يخرج طفلٌ من أحشاء المعاناة في جبال «آكري» ليشعل شمعة الحرية بولادة طفل يصرخ في وجه الجلاد.
وتستمر القوافي في لغتها «الصامتة» ترسم لنا وجه «الحرية» للشهيد الذي روى الأرض بدمائه الطاهرة، يَهَب للأجيال كلمة وبندقية، وتحكي عن عشق «روجين» التي خلقت من قلب النار لتعلن عن هويتها، وتطير بلا أجنحة تعزف ألحاناً لحبّها، وتزفُّ «عروسة آخين» مثل حبة الحنطة تغسل عنها العار، وتمسك بيد «عروسة خيري» أيضاً وتخلصها من الخونة، وترسمها نجمة طاهرة بجوار الشمس، فوق سماء بلادي، وتهدي «أمها» لحناً لم يخلق بعد، وتحلق مع «عشتار» للحظة اليقظة الدائمة حين تتطهر في مياه «دجلة» وتطوف كردستان بخيلاء ويقول نجم عبدالله في قصيدة «دجلة»: «تتمايلين بختانك المزركش الزاهي، كأنّك ملكة جمال تتباهى بعراقتها، كأنّك ركبتِ قطار الحب وألغيتِ كلَّ المحطات، ما أجمل عينيك وهي تنبلج من عروق موزبوتاميا».
«شظايا الروح» ولعلها نبضات قلب وبوح أرواح عاشقة للسلام والأمان، ونمنمات ورقصات فراشات تارّة، وطوراً صرخة غضب في وجه طاغٍ متجبّر، أُعدت بتألقٍ وتنسيقٍ جميل في 246 صفحةً من القطع المتوسط وبغلاف أنيق وطباعة رزينة من مطبعة هركول في ديريك لعام 2017م.