سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المثقف وحق الدفاع عن التجربة الفتية في روج آفا

كرديار دريعي (كاتب)-

أعتقد ومن خلال ما عايشناه خلال كل هذه السنوات من الأزمة السورية من أحداث وتطورات وسلوكيات بين أطراف النزاع المختلفة، بأن كل أهداف ومزاعم الثورجيين السوريين قد انحصر في ضرب المشروع الديمقراطي لمجلس سوريا الديمقراطية واستهداف قواه العسكرية المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية تماشياً مع الاجندات الإخوانية لحكومة العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، الهادفة الى وأد أي تطلعات للشعب الكردي في روج آفاي كردستان وباشور رغم ما يريد إظهاره من صداقة ومصالح مع حكومة باشور وخاصة مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني واحتضانه للمجلس الوطني الكردي السوري المدعوم من الحزب نفسه، كشماعة تقبله للنهج المتبع من قبل الديمقراطي الكردستاني وكردياً كشرعنة لحربه ضد حركة التحرر الكردستانية بأنه يستهدف الإرهاب ولا يستهدف الشعب الكردي.
الهدف التركي إعادة استعمار المنطقة ونهب خيراتها
فتركيا التي كانت تطمح لإعادة أمجاد السلطنة العثمانية من خلال الاستثمار فيما سمي بالربيع العربي وتبوئ مكان الصدارة واختطاف الثورة، أو سرقة الإخوان لسدة وقيادة الحراك الشعبي في المنطقة كما حدث في مصر وليبيا وتونس، لكنها اصطدمت بانقلاب الجيش المصري على الإخوان في مصر والتدخل الروسي في سوريا، فكان ضربة لمشروعه العثماني الذي تم عرقلته نتيجة هذا التدخل.
المعارضة الإخوانية استطاعت السيطرة على مساحات واسعة من البلاد بالإضافة إلى أهم المدن السورية، حلب التي تعد العاصمة الصناعية لسوريا، ونتيجة لتنامي قوة وحدات حماية الشعب في البدايات في شمال وشمال شرقي البلاد استطاع الكرد وبمشاركة بقية الشعوب بناء إدارات ذاتية وفرض حالة من الاستقرار والأمن في مناطقها، وخاصة أن زمام أمورها ليست بيد من تعتبرهم تركيا حلفاء وضعفاء ولا خطر جدي منهم مرحلياً ولا مستقبلاً، أي الكرد المشاركين في الائتلاف الإخواني بتوجيهات من حكومة باشور كردستان إرضاء لعلاقاتها المعقدة مع الدولة التركية.
 فقد بدأت تركيا بالمقايضات على حساب حلفائها وحساب المشروع الكردي الديمقراطي، فكانت مناطق الباب وجرابلس على حساب تسليم المعارضة الإخوانية للغوطة الشرقية ومناطق من حماة وغيرها للنظام، ثم كانت عملية مقايضة مدينة عفرين مقابل تسليم حلب وأريافها للنظام، هذه المقايضات التي حصرت المعارضة الإخوانية في الشريط الحدودي من جرابلس إلى عفرين جاءت لصالح الروس والنظام اللذين أعادا سيطرتهما على أكثر من 60 بالمائة من الاراضي السورية.
كما استفادت تركيا الاخوانية في تقطيع أوصال مناطق الادارة الذاتية باحتلال عفرين وسري كانيه وكري سبي وتهديدها المتواصل لعين عيسى وغيرها من المناطق، وبات ضرب الحركة الكردية الديمقراطية الشغل الشاغل لحكومة العدالة والتنمية والمتحالفة مع الحركة القومية الفاشية، وتركيا أصبح هدفها ضرب الإدارة الذاتية من خلال تسخير ما كانت تسمى بالمعارضة السورية والتي تحولت على يد تركيا إلى لصوص وقطاع طرق ومرتزقة تحت الطلب لتنفيذ الأجندات التركية.
كما أن روسيا التي باتت على قناعة من أنه تم تفريغ المعارضة السورية من مضمونها الوطني وانتفاء أي خطر جدي منها على النظام باتت تتوجه للضغط على الإدارة الذاتية الديمقراطية من خلال ابتزازها بالخطر التركي ومجاميعه الإرهابية لدفع الإدارة إلى تسليم مناطقها المحررة بدماء أبنائها إلى النظام السوري، لذلك كان التحالف المباشر وغير المباشر بين تركيا وإيران والنظام والروس ضد الإدارة الذاتية من خلال وكلائها، كل بحسب أهدافه ومصالحة ومخططاته في المنطقة.
أدوات تركيا في تحقيق مخططاتها في الشمال السوري
اصطدام المشروع التركي بالتدخل الروسي في سوريا جعل أهداف تركيا الأساسية منع أي مشروع كردي ديمقراطي في المنطقة، فاعتمدت في ذلك على المجموعات الإرهابية المتعددة من النصرة إلى داعش ومن ثم ما سمي بالجيش الوطني الذي هو تجميع لكافة المجموعات الإرهابية ولكن بمسمى جديد، الذي فشل في أغلب مواجهاته مع الوحدات الكردية، وعجز عن الاحتفاظ بالمناطق التي كان يسيطر عليها، مما أجبر تركيا على التدخل المباشر عسكرياً كما حدث في عفرين وسري كانيه وكري سبي من خلال مقايضاتها مع الروس وتواطؤ إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
أما كردياً فقد اعتمدت تركيا على ما يسمى بالمجلس الوطني الكردي الذي فقد أي إرادة له من خلال انضمامه إلى ما يسمى بالائتلاف السوري، وفقد ما كان يدعيه من مشروع قومي كردي مطالب بالفيدرالية لروج آفاي كردستان، وتحول إلى أداة مكملة لدور الائتلاف وفصائله الإرهابية في ضرب المشروع الكردي الديمقراطي في روج آفا، ومباركة الديمقراطي الكردستاني له واستقبال قادة الائتلاف في الإقليم حتى بعد احتلال عفرين وما مارسوه من همجية ضد الكرد ورموزه المقدسة بما فيها العلم الذي يفتخر كثيراً قادة المجلس الكردي في أخذ الصور التذكارية بجانبه، وتبين ذلك جلياً من خلال الآلاف من البيانات التي أصدرها ضد كل ما يخص الإدارة الذاتية ودعا بعض قادتها صراحة إلى ضرورة التخلص من الإدارة الذاتية.
 وتكررت البروبوغندا التركية حول استهداف العمال الكردستاني لا الشعب الكردي وقضيته ومباركتهم لاحتلال عفرين على أنها تحرير من إرهاب العمال الكردستاني، وامتناعهم عن ذكر جرائم الاحتلال التركي أو حتى اعتباره احتلالاً، لا بل وتهديد الإدارة الذاتية بالدولة التركية إن لم ترضخ الإدارة للمشروع الذي يدعون إليه واعتبارهم زيارة قبور الإرهابيين في عفرين أنها دبلوماسية لتحسين أوضاع شعبنا هناك، الشعب الذي بات نساؤه سبايا في ليبيا وعبيداً وسلعاً للبيع والشراء.
المجلس الوطني ومنذ دخوله الائتلاف السوري كانت كل خطواته وأنشطته تستهدف مشروع الإدارة الذاتية وتفضيل مشروع الإخوان الذي تنتفي فيه أي حقوق كردية ما عدا كلمة المواطنة، التي يرددها النظام نفسه، وحتى المواطنة وجدناها في عفرين وسري كانيه وكري سبي على أنها مواطنة العبيد، ويبدو أن تقبل الديمقراطي الكردستاني لكل ذلك هو نتيجة التحكم التركي في اقتصاد باشور ونشر العشرات من قواعده العسكرية هناك، ورغبة الإقليم في مغازلة تركيا وكسب دعمها نتيجة لخلافاته مع الاتحاد الوطني الكردستاني وعلاقاته السيئة مع المركز والقوى السياسية الكردية والعراقية.
مشروع الإدارة الذاتية والواجب في الدفاع عنه
بات جلياً ومن خلال ما ذكرناه أن المستهدف في روج آفا ليس حزب العمال الكردستاني ولا حزب الاتحاد الديمقراطي ولا أي حزب آخر، إنما المستهدف هو الشعب الكردي ومشروعه الديمقراطي التعددي، فإذا كانت تركيا تستهدف المنطقة بحجة تواجد العمال الكردستاني فما حجة روسيا وإيران والنظام في رفض المشروع الديمقراطي في المنطقة! تتعدد الحجج والهدف واحد، فتركيا التي تدعي أنها تستهدف العمال الكردستاني في عفرين وسري كانيه وكري سبي لماذا لا تسلم إدارة تلك المناطق لمجلسها الكردي الموقر المتربع في إسطنبول؟ وإذا كان الائتلاف الإخواني حلفاء للمجلس الكردي وكما يدعي المجلس بأن هناك تفاهمات ووثيقة مهمة بينهم فلماذا لا تطبق هذه الوعود والوثائق في المناطق التي اعتبرها المجلس محرراً من العمال الكردستاني؟! ولماذا لا تسلم إدارتها لهم ليعلونها كردستان سوريا كما يدعون في خطاباتهم؟ لماذا لا يدافعون عن كردستان سوريا المستهدفة من الإرهابيين، فعلى اي أرض سيقيمون كردستانهم إذن؟!
لذلك فالمشروع الوحيد الذي يمكن له النجاح هو مشروع الإدارة الذاتية، حيث ضحى الآلاف من الشهداء بأرواحهم في سبيل تحقيقه، ونحن لا نقول أنه لا يوجد أخطاء هنا وهناك في هذه التجربة الفتية ولكن بإمكاننا الوقوف على السلبيات بالوقوف خلف هذه الإدارة، وإن عدنا بذاكرتنا إلى ما قبل 2011 وأعدنا على مسامع السياسيين الكرد وأحزابهم وقواعدهم ومفكريهم ومثقفيهم، ممن يعتبرون أنفسهم اليوم الورثة الشرعيين والوحيدين لروج آفا، ما كانوا يرفعون من مطالب وشعارات وأهداف لا تتجاوز حدود اللغة والثقافة والاعتراف بوجوده، ولم يكونوا يحلمون بأنه يوماً ما سيكون هناك عشرات الآلاف من المقاتلين للدفاع عن الأرض والشعب، وتحرير ثلث مساحة سوريا من الإرهابيين وجعل اللغة الكردية إلى جانب كل اللغات لغة رسمية، وبناء العشرات من المؤسسات المدنية، والتحول إلى قوة لا يمكن تجاهلها، وكسب احترام العالم، حكوماتها وشعوبها، ما جعل الكثير من دول العالم من المقارنة بينها وبين الدولة التركية الفاشية، وليكن في علم هؤلاء بأن هذه التجربة هي التي منحت تلك الأحزاب وأولئك السياسيين وقواعدهم الأهمية لدى أعداء القضية الكردية، هذه التجربة الديمقراطية التي يحاربونها حتى الآن ويطالبون بإفشالها والقصاص منها.
 لذا على المثقفين الوطنيين وبعيداً عن أية أجندات حزبية دعم ومساندة هذه التجربة والوقوف سنداً لقوات سوريا الديمقراطية، لأنها مهاباد أخرى، وقد تكالب عليها كل طيور الظلام وكل قوى الشر، فإن فشلت هذه التجربة لا سمح الله سيتكالب على الكرد المتربصون بهم، لينتظر الشعب الكردي بعدها مئة سنة أخرى للتفكير مرة جديدة بأن هناك قضية شعب يريد الحرية والديمقراطية والعيش بكرامة.