عبد الحميد القائد_
ظاهرة الجمعيات والاتحادات، التي يديرها أعضاء سرمديون هي ظاهرة عامة في وطننا العربي، الجمعيات والاتحادات الأدبية والثقافية كلها، تحتاج إلى من يديرها، ممن تتوفر لديهم القدرات الإدارية، ولكن المطلوب أولًا وأخيرًا، النزاهة التامة، ودون التفكير في المصالح الشخصية، وهذا أمر بديهي ومطلوب، إنه عمل تطوعي محض، يحتاج إلى من يكرّس جهده ووقته، لتسيير أمور المؤسسة، وتعزيز مكانتها، وايصال رسالتها الثقافية، وهذا يحدث غالبًا دون مقابل، لأن معظم المؤسسات الثقافية، والأدبية، تعاني من شح في ميزانياتها، ففي منطقة الخليج العربي، خاصة تحصل المؤسسات الثقافية على بعض الدعم، يختلف من بلد إلى آخر، بما يكفل استمراريتها، وإيصال صوتها إلى المجتمع، لكننا نسمع كثيرًا عن وجود أكثر من رابطة، أو اتحاد في الوطن الواحد، وذلك بسبب اختلاف الأفكار، وربما الأيديولوجيات أو المصالح.
بعض إدارات الروابط، والاتحادات الثقافية في الوطن العربي، خاصة تحاول الهيمنة المطلقة على المؤسسة الثقافية، التي تتولى إدارتها، وتحاول- وأحيانًا تفرط، وتتفنن- في إبعاد، أو تهميش من لا يروق لها من الأدباء والكتّاب، وعلى الرغم من أنه من المفترض أن يكون الاختلاف أمرًا صحيًا وضروريًا، ولا يُفسد للود قضية، لكن في وطننا العربي، يحدث العكس، فكل إدارة تجمع فيها، وحولها أعضاء نفعيين؛ كي يشكّلوا ترسًا يحمي إدارتها الهرمة، ويعملوا على بقائها أحياناً أبد الدهر، فقلما تشاهد الوجوه في المناصب الأساسية، تتغير عبر السنوات الطويلة، هذه الوجوه تستفيد من مناصبها لضمان الحصول على سفريات مجانية، بل ومكافآت أحيانًا من الدول المضيفة، وغير ذلك من مزايا الوجاهة، ومن أجل بقائها وثبات كراسيها، لا يهمها إن ابتعد فلان أو علان بسبب أساليبهم الفوقية والبيروقراطية، ومحاولة تعريض كاتب للتهميش، والإقصاء، لأنه يرفض التدجين، ولا يقبل أن يكون طبّالًا، لهذا السبب نرى الكثير من المبدعين ينعزلون؛ ليكونوا بعيدين عن هذه الأجواء غير الديمقراطية، وغير السليمة، ليكتبوا ويبدعوا في أجواء صحية لا حجر على حرياتهم وإبداعهم فيها.
قبل سنوات كنت في الجزائر، لحضور مؤتمر الأدباء العرب، وفي عصر أحد الأيام، كنت واقفًا في الخارج أدخّن، فجاءني شخص، وقدّم لي نفسه، بأنه الكاتب طاهر وطّار، فطلبتُ منه أن يدخل معي إلى الفندق ـ مكان المؤتمر- فاعتذر وقال بصريح العبارة: “أنا لا أحب أن يتلوث حرفي بهؤلاء”، وكان يقصد المشرفين على المؤتمر، الذي كان اتحاد الكتاب الجزائريين.
من المؤكد بالطبع، أن ليس كل مبدع يمكنه أن يكون مديرًا، يدير مؤسسة ثقافية، لذلك تقوم بعض المؤسسات القادرة ماديًا، بتعيين إداريين من الخارج، ليس لهم علاقة مباشرة بالثقافة طبعا، مقابل مكافآت شهرية، ومن الملاحظ أيضاً أن بعض الأدباء الإداريين، الذين يظلون فترات طويلة في مناصبهم، يتحوّلون إلى إداريين تنقطع علاقاتهم تدريجيًا بالإبداع الحقيقي، لذلك هم يحاولون بكل قوة، وأد التجارب الجريئة، والمختلفة، والمبدعة، لأنها تهدد عروشهم، هذه ظاهرة عامة ولا أقصد هنا الجمعيات الثقافية في البحرين بالتحديد، بل هي ظاهرة عامة معروفة في معظم وطننا العربي.
ولكن نافلة القول: أن الكاتب الحقيقي يمكنه بحرفه المبدع، أن يتجاوز هذا التهميش، إذا صدق التعبير، وينطلق فيما وراء الحدود، وخاصة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، وإمكانية المشاركة افتراضيًا في مختلف الفعاليات العربية، التي تمنحه فرصة نشر إبداعه بدون تحيز.