المؤسسات الثقافية 2023.. صروح أدب وساحة ثقافة شعوب أصيلة

قامشلو/ عبد الرحمن محمد ـ

---

لا يمكن الحديث عن الواقع الثقافي، ولا عن الفن والأدب بمعزل عن الواقع العام والمناخ السائد، ذلك أن الثقافة بتشعباتها وتفرعاتها في ميادينها الواسعة، ليست إلا نبض الواقع الآخر، ورجع صداه، وبوحه المستتر وراء الأفق المتواري خلف عوالم لا حصر لها من التحديات، قد تتجلى في أشكال شتى، وفي تفاصيل الحياة اليومية المجتمعية، فالأدب والفن هما الصورة الأخرى لكل ما يتجسد على أرض الواقع، وما يعاش في كل لحظاته.

هذا الواقع الذي نعيشه اليوم، هو امتداد لثورة مستمرة، جاءت نتيجة لأفعال وردود أفعال، وتراكمات في مستهل الحياة اليومية بتفاصيلها كلها، المنع والإنكار والتضييق في سبل العيش بمجملها، وإنكار يصل حد الإبادة في شقها الثقافي والمعرفي والفني، ثورة تجاوزت عقدها الأول، ورسخت الكثير من الأساسات المتينة في سبيل إعادة الثقافة المشتركة للشعوب، ودعم كافة مفاصلها؛ بهدف الحفاظ على خصوصية كل ثقافة من تلك الثقافات ضمن تكامل كلي.

المؤسسات الثقافية عمل تشاركي وتنظيم مؤسساتي

تلعب المؤسسات الثقافية في ظل هذه الظروف، والتي أُسست في أغلبها أو انتقلت إلى روج آفا وشمال وشرق سوريا عامة بعد ثورة روج آفا، وقد أثبتت حضورها القوي في الساحة الثقافية، ولعل أبرز هذه المؤسسات اتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة، واتحاد مثقفي روج آفايي كردستان.

اتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة

وكان لاتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة YRHC” ” الذي أُسس منذ عام 2014، وعلى غرار الأعوام السابقة نشاطات جمة، وفعاليات أظهرت التنوع الثقافي والجذور العريقة لثقافات شعوب المنطقة، والعمل دائما على نشر وتقوية أواصر الثقافة المشتركة لشعوب المنطقة، مع الحفاظ على خصوصياتها الثابتة، ودعم عشاق ومحبي الثقافة والأدب وإيجاد مظلة لهم، تهتم بكل ما يطرحونه من أفكار خلاقة، ومن الفعاليات الهامة التي شارك فيها وبشكل لافت وبمشاركة مؤسساتية، مهرجان الأمة الديمقراطية، ندوات حوارية عامة سياسية واجتماعية، معرض الخابور للفن التشكيلي في الجزيرة، استذكار الشاعر الكردي جكر خوين، دورات للغة الكردية، حفلات توقيع كتب عديدة وفي مكاتب عدة /ثمانية مكاتب/.

 تبنى اتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة نشر نتاجات المثقفين، وتنظيم ما يلزم من ندوات وملتقيات للحوار المثمر البناء، وتجلى ذلك في المشاركة الفعالة في أهم معارض الكتب “معرض الشهيد هركول للكتاب، ومعرض الكتاب الكردي”، والمساهمة في اللجان التحضيرية، ونتاجات مطبوعة لأعضاء في الاتحاد، بالإضافة إلى أيام الثقافة في العديد من مكاتب الاتحاد /قامشلو، والحسكة، وكركي لكي/ والتي تنوعت فيها الفعاليات الثقافية بين توقيع كتب، واحتفاليات فنية، ومحاضرات في الفكر والسياسة، والمجتمع، والاقتصاد، والبيئة، وصلت إلى قرابة السبعين فعالية ثقافية بالإضافة للفعاليات المشتركة، وطبع ونشر خمسة كتب لأعضاء الاتحاد، وباتت حديقة القراءة في كل من قامشلو والحسكة من أبرز الملتقيات الثقافية وقبلة لعشاق الثقافة والأدب.

اتحاد مثقفي روج آفاي كردستان HRRK

 كما شهد عام 2023 فعاليات وأنشطة ثقافية مميزة قام بها اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان (HRRK)، الذي أسس في 11/10 /2004، وهو مؤسسة ثقافية تضم بين أعضائها ألوان الطيف الفكري والثقافي من المجتمع الكردي، بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة، التي تقيّد حرية الفكر عند الإنسان.

نشاطات وفعاليات وجوائز اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان (HRRK) خلال العام الفائت

– منح جائزة اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان للإبداع والتميّز، والتي أُسّست في عام 2016، وهي جائزة تشرف عليها الهيئة الإدارية لـ (HRRK) وقيمتها ألف دولار، بالإضافة إلى درع الاتحاد. ويسعى الاتحاد من خلال هذه الجائزة إلى تكريم المبدعين الكرد تقديراً لدورهم في تغيير الساحة الثقافية الكردية نحو الأفضل، وترتكز معايير اختيار الفائز على وجوده في روج آفا وعلى تجربته بشكل عام، وتأثيره على الساحة الثقافية في روج آفا وسوريا ومناطق الوجود الكردي بشكل عام.

– مسابقة الشعر الكردي للشباب برعاية جمعية جاني خلف الخيرية، وهي مسابقة سنوية للقصائد الشبابية داخل روج آفا من عمر 18 حتى 30 سنة، وتوزع الجوائز حسب مرتبة الفائزين كالتالي:(الأول 500 دولار، والثاني 300 دولار، والثالث 200 دولار) إضافة إلى درع الاتحاد.

– مهرجان (HRRK) للثقافة والفن، وهو مهرجان سنوي ويشمل: أمسيات قصصية وشعرية باللغتين الكردية والعربية، والجلسات الحوارية، والندوات الثقافية والفكرية، والعروض المسرحية والأفلام السينمائية ومعارض الرسم والنشاطات الفنية وتستمر مدة /14/ يوماً.

– برنامج قناديل روج آفا الرمضانية، وهي مجموعة نشاطات تضم المحاضرات، وجلسات الحوار والعروض المسرحية والسينمائية، والأمسيات الشعرية والقصصية وغيرها وتستمر على مدى شهر رمضان.

– أمسية أسبوعية (كل يوم ثلاثاء) كان يعدها الكاتب (ديار بوطي) وتتضمن كل ما يتعلق بأدب الشاعر الكردي الكلاسيكي ملايي جزيري إضافة إلى شرح قصائده، وذلك بعد إعلان اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان (HRRK) عن تسمية سنة 2023 بسنة الشاعر الكردي الكلاسيكي ملايي جزيري إضافة إلى مجموعة من النشاطات المختلفة الأخرى.

– استقبال وفد بلجيكي ولقائه نخبة من المثقفين في مركز الاتحاد، والحوار حول مجمل القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية للمنطقة.

– استقبال السياسي الفرنسي برنار كوشنير ودعوة المثقفين إلى الاجتماع معه، وتمت مناقشة العديد من القضايا

مطبوعات اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان (HRRK)

يرى الاتحاد، أن الثقافة الكردية عبر تاريخها عانت الكثير من القمع والتهميش والحظر؛ ما سبب تراجعها وانتقال الكثير من أبنائها إلى أحضان الثقافات المجاورة، وعليه يرى الاتحاد أن من واجبه أن يكون مظلة جامعة للمثقفين في روج آفايي كردستان، والعمل على حماية اللغة والثقافة الكردية ونشرها، لخلق حالة ثقافية جديدة تليق بالمثقفين الكرد، وإبداعاتهم فقام اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان (HRRK) خلال النصف الثاني من عام 2023 بطباعة /13/ كتاباً لمجموعة من الكتاب والشعراء المتميزين ضمت: (دواوين شعر وقصص قصيرة، وروايات، و كتب تخص اللغة الكردية).

ومن منطلق من أن الوظيفة الأخلاقية والمسؤولية التاريخية للمثقف تقتضي التزامه التام بقضايا أمته ومجتمعه؛ يسعى اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان (HRRK) إلى إنهاء حالة التشرذم والتخندق واللامسؤولية في الجسد الثقافي الكردي، وذلك بالعمل مع مثقفي روج آفايي كردستان، كلّ حسب طاقاته والقيام بمشاريع ثقافية وفكرية، وللارتقاء بالمشهد الثقافي والمعرفي إلى المستوى، الذي يتناسب مع التطورات الحاصلة في العالم والمنطقة.

وكان اللافت تعليق نشاطات الاتحاد كما العديد من المؤسسات الثقافية الأخرى، والنشاطات المماثلة، بسبب الهجمات الوحشية التركية على العديد من المناطق في إقليم شمال وشرق سوريا يوم الاثنين 25-12-2023.

المراكز الثقافية صروح للفن والتراث

“مركز محمد شيخو للثقافة والفن في قامشلو”

تحتل المراكز الثقافية مكانة راقية، وفي قلوب سكان أية منطقة من مناطق العالم، لأنها تحمل الكثير من الخصوصية، ومفردات الهوية الوطنية والاجتماعية، بل والقومية، وكانت عموم المناطق، ذات الأغلبية الكردية تعاني الإهمال والتغييب والصهر القومي، لذلك كان الاهتمام بعد انطلاق الثورة في روج آفا، وعموم شمال وشرق سوريا بالمراكز الثقافية، وفي هذا المجال وجد مركز محمد شيخو في قامشلو، الذي كان مقره في البداية قدوربك، وكانت النشاطات الثقافية والفنية تتم بشكل سري، وبعد بداية الثورة انتقل إلى مركز محمد شيخو للثقافة والفن (مدينة الشباب) سابقا، وفتح المجال لتوسيع النشاطات الثقافية والفنية، وبات اليوم يضم العديد من الفرق الفنية المتنوعة، التي تمارس نشاطاتها الفنية على الشكل التالي:

ـ فرقة بوطان، وهي فرقة موسيقية أُسست قبل الثورة، وما زالت مستمرة بأغانيها الثورية الهادفة، “فرقة باله – PALE”وتم تأسيسها كفرقة موسيقية أخرى مختصة بالغناء الفلكلوري الشعبي، والغناء الملحمي بشكل رئيسي، كما تم تأسيس فرقة موسيقية نسوية باسم “فرقة ساكينة” تخليدا لذكرى الشهيدة ساكينة جانسز، كما أُسِّست فرقة مسرحية للكبار باسم “رنيم” وفرقة أخرى للصغار باسم “فرقة الشهيد أوصمان” والفرقتان تشاركان في عموم المناسبات والمهرجانات، وكذلك أُسِّست فرقة للدبكات الفلكلورية باسم “فرقة الشهيد ولات” تخليدا لذكراه، وقد شاركت في العديد من المهرجانات والمناسبات، التي تقام على الدوام، وكذلك يقوم المركز بافتتاح دورات تدريبية في مجال العزف على الآلات الموسيقية، وتقام معارض للرسم، والكتب وفعاليات ثقافية وفنية في المركز، والنشاطات الفنية والثقافية والأدبية السنوية والموسمية، وتشهد صالات العروض المسرحية وصالات المعارض الفنية ومعارض الفنون التشكيلية إقبالا واسعا من المهتمين والعاملين في حقول الثقافة والفن والأدب

معارض الكتب عرس الحروف والأدب

تحتل الكتب المكانة الرائدة في حياة الغالبية العظمى من سكان سوريا عامة، وشمال وشرق سوريا على وجه الخصوص، حيث كان طباعة كتاب، أو الحصول عليه حلما بعيد المنال، وحتى تلك الكتب، التي كان يمكن الحصول عليها في بعض المكتبات الخاصة، والمكتبات العامة في المراكز الثقافية، فقد كانت كتبا نوعية تصب جميعها في اتجاه الثقافة الواحدة والمؤدلجة بشكل مباشر أو غير مباشر، أما إقامة معرض كتب في مناطق الجزيرة “قامشلو والحسكة” فكان حلما ربما غير شرعي.

لذلك، ولسنوات خلت كان معرض الكتب في شمال وشرق سوريا “هركول” أحد مقومات الثقافة، وركنا من أركانها، وفي عام 2023 كانت النسخة السابعة من معرض الشهيد هركول للكتاب، وعلى مدى أربعة أيام / من 28 ولغاية 31 تشرين الأول/ كانت قاعات المعرض تحتفي بالزوار والمشاركين من شمال وشرق سوريا، وعدد من الدول “الإمارات، ومصر، والكويت، بالإضافة إلى بلجيكيا، وإيطاليا، ولبنان”، لتضفي على المعرض صبغة دولية، وحملت رفوف المعرض أكثر من 140 ألف كتاب، جاءت في نحو /14 ألف/ عنوان وبمشاركة فاقت /60 داراً/ ومؤسسة نشر، ومؤسسات ثقافية محلية وعالمية.

أما النسخة الثانية من المعرض الخاص بالكتاب الكردي، فقد انطلقت في قامشلو على مدى ثلاثة أيام، وبمناسبة يوم اللغة الكردية، / 15-17 أيار/ وبتنظيم من هيئة الثقافة والفن في الإدارة الذاتية.

وضم المعرض ما يقرب من 12140 كتاباً، وقرابة 3035 عنواناً، تناولت مواضيع لغوية، وثقافية، وفكرية، وبيئية، وتاريخية، وأدبية، وفلسفية، وكتب متعلقة بالمرأة إضافة إلى كتب دينية.

العشرات من المراكز والمؤسسات والشخصيات الثقافة كانت وعلى مدى عام في حراك وتفاعل مستمر، للدفع بالحراك الثقافي للأمام، مواكبة لثورة شاملة وعطاء مستدام، زوادته تراث أصيل مشترك، وحاضر يبنى على التضحيات والإصرار على مزيد من العطاء.