المؤتمر القومي الكردستاني… أين هو مما يجري على الساحة الكردستانية!؟

دجوار أحمد آغا-

كثيراً ما تكون هناك بدايات ومقدمات صغيرة تحقق نجاحات باهرة وكبيرة، بالنسبة لنا نحن الكرد كانت هناك الكثير من البدايات الصغيرة والتي أذهلتنا بنتائجها ونجاحاتها الكبيرة، ولكن للأسف الشديد لم نستطع الحفاظ على هذه النجاحات ولم نحولها إلى مكتسبات على أرض الواقع.

إنما وقعنا في المحظور ودمرنا كل تلك النجاحات بصراعاتنا الداخلية الحزبية والعشائرية والقبلية الضيقة، إلى جانب اعتمادنا على أعدائنا، بحيث كنا ولا زلنا نستند في نضالنا التحرري في جزء من وطننا على المستعمر والمحتل الذي يحتل الجزء الآخر من الوطن، وهكذا يتلاعب بنا محتلو وطننا ويتقاذفوننا فيما بينهم، وعندما نحاول فقط أن نقول بأننا شعب وأمة لنا الحق في اختيار طريقة عيشنا، يتفقون علينا فيما بينهم رغم خلافاتهم الدينية والفكرية والسياسية ويدعمهم العالم أجمع في ذلك (استفتاء إقليم كردستان – نموذجاً).

تجلت فكرة المؤتمر القومي الكردستاني KNK في ربيع 1994 كمحاولة تكرار لبدايات النهضة القومية الكردية، من خلال لم شمل مجموعة من رجال ونساء الفكر والسياسة والمجتمع والعلم والثقافة من مختلف أجزاء الوطن المحتل ومن المهجر ومن مختلف الأجيال والتيارات السياسية والفكرية، وكانت المبادرة من جانب مجموعة من البرلمانيين الكرد من باكور، عندما رفعت دولة الاحتلال التركي الحصانة عن البعض منهم ومن ثم محاكمتهم وزجهم بالسجون والمعتقلات (ليلى زانا – خطيب دجلة – أورهان دوغان – سري ثريا – مهدي زانا، وغيرهم)، مما دفع بالبعض الآخر إلى الخروج من تركيا والتوجه نحو أوروبا (يشار قايا – رمزي قرتال – زبير ايدار – أحمد أكتاش – علي إيغيت، وغيرهم)، حيث اجتمعوا مع الأحزاب والقوى والشخصيات الكردستانية وتناقشوا في شؤون وشجون الأمة الكردية وكيفية النضال من أجل قضيتها العادلة حتى اتفقوا على تشكيل لجنة تحضيرية تمهيداً لعقد هذا المؤتمر.

يقول زبير ايدار، أحد مؤسسي المؤتمر: “بعد خروجنا من تركيا توجهت إلى دمشق، حيث كان القائد عبد الله أوجلان، وبقيت هناك مدة ثلاثة أسابيع، قال لنا القائد أوجلان “أنتم النواب الكرد عليكم أن تعملوا من أجل الوحدة الكردية”. كان اقتراح أوجلان صائباً حيث بدأنا بالعمل وإجراء اللقاءات مع القوى والأحزاب الكردية والكردستانية في أوروبا لعقد مثل هذا المؤتمر، لكن لاحظنا أن الكثير من القوى والأحزاب السياسية ليست مستعدة لعقد هكذا مؤتمر، لذا طرحنا فكرة بديلة وهي تشكيل برلمان كردستان في الخارج (PKDW) في نيسان من عام 1995 وتمت الموافقة عليه، وكان موجهاً بشكل مكثف نحو باشور كردستان”.

ويُضيف ايدار: “إن القائد أوجلان دعا إلى الإسراع في عقد المؤتمر لدى إقامته المؤقتة في روما 1998 حيث كان من المقرر إعلانه في نوروز 1999 ولكن ونتيجة للمؤامرة الدولية بحق القائد أوجلان فقد تأجل عقد المؤتمر الذي أعلن عنه لاحقاً في أيار من العام نفسه بأمستردام عاصمة هولندا تحت اسم المؤتمر الوطني الكردستاني (KNK)”.

بعد مرور عقدين من القرن الواحد والعشرين، ماذا فعل المؤتمر القومي الكردستاني طوال السنوات الماضية؟ وماذا حقق؟ وما هو مستقبله؟

من حقي ومن واجبي كمواطن كردستاني أعيش حالة الانقسام والصراع في حركة التحرر في وطني وفي ظل هذه الأحداث الخطيرة التي تجري على أجزاء من وطني، الاحتلال والقتل والتدمير الممنهج في ظل الصمت الدولي المتواطئ، وكذلك يفعل البعض من القوى السياسية المحلية، أن اطرح هذه الأسئلة وأطلب من القائمين على المؤتمر إجابات واضحة وشفافة.

عذراً من الشخصيات والقوى الوطنية والثورية المنضوية تحت سقف المؤتمر القومي الكردستاني، ولكنني أرى المؤتمر كمنبر يجمع كل متناقضات التيارات اليسارية والماركسية والليبرالية والقومية والدينية بمختلف مفاهيمها وممثليها طالما الأمر يندرج تحت يافطة عريضة (التيارات القومية الوطنية). على الرغم من إصرار أعضاء المؤتمر الأوائل على اعتبار أنفسهم مرجعية شعبية للأمة الكردية وأنهم ليسوا حزباً أو طرفاً ضد طرف آخر في الحركة السياسية الكردية، إلا أنهم لا زالوا يتخبطون يميناً ويساراً وليس لديهم استراتيجية واضحة وخطة عمل طموحة تعمل من أجل أهداف بعيدة المدى وتكون ذات رؤية ثاقبة وبعيدة النظر.

حتى الآن وعلى الرغم من التطورات والأحداث الدراماتيكية الكبيرة والخطيرة التي جرت في العالم بشكل عام، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وعلى الرغم من المنجزات والمكتسبات الكبيرة والهائلة التي حققها الشعب الكردي في العديد من أجزاء الوطن المحتل والمجزئ جنباً إلى جنب مع الشعوب المجاورة، إلا أن المؤتمر والقائمين عليه لم يستطيعوا تجاوز عقدة الصراع الكردي – الكردي والانقسام الحاصل بين التيارات والقوى والأحزاب السياسية في الحركة الكردية، وهذا ما يساعد أعداء الكرد على احتلال المزيد من المناطق المحررة سواء في باشور أو روج آفا.

 من باب الاستفادة من تجار الآخرين نود أن ننوه إلى أن الثورة الفيتنامية في بداية عهدها شكلت جبهة وطنية كانت تضم أكثر من 80 حزباً وحركة وجهة سياسية وثقافية ومجتمعية مختلفة الفكر والأساليب، لكنها كانت متفقة على شيء واحد، ألا وهو استقلال فيتنام، وهو ما حصل في نهاية المطاف بعد أن انتصرت الجبهة الوطنية التي دعمها الشعب الفيتنامي وبقوة على كلٍّ من اليابان وفرنسا وأمريكا.

مشكلة المؤتمر هي مشكلة تنظيمية وكيفية تأثيرها بالجماهير والوصول إليها؟ وبناء عليه يجب على المؤتمر أن يكون على مستوى تنظيمي وإداري وإعلامي كبير يستطيع من خلاله إيصال مواقفه وآرائه ودعواته وسياسته إلى سائر أطياف المجتمع والجماهير الكادحة، كما عليه أن يتجاوز حاجز الخوف، وعليه العمل ليلاً نهاراً، وأن يكون في حركة دائمة من أجل إنهاء التصدع والشرخ داخل الحركة السياسية الكردية التي تنعكس سلباً على المجتمع والجماهير الشعبية إن استمرت على حالها.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نرى بأنه ضم في أحشائه كل من هب ودب بعيداً عن المعايير التي يجب أن يتمتع بها أعضاء المؤتمر، والتي تكمن في كسبهم لثقة الشعب من خلال أخلاقهم الحميدة وسمعتهم النظيفة وهمهم المشترك الخوف على مصير الأمة الكردية.

لقد حان الوقت كي يضطلع المؤتمر القومي الكردستاني الدور المنوط به والذي يكمن في حشد كل الطاقات والإمكانات اللازمة من أجل رفع راية وحدة الصف الكردي، وترتيب البيت من الداخل، والحفاظ على المكتسبات التي تحققت في العديد من أجزاء الوطن، وتوحيد الدبلوماسية الكردية في الخارج وصولاً إلى صنع لوبيات كردية في عواصم القرار العالمية الكبرى كلندن واشنطن وموسكو وباريس وبرلين وبروكسل للضغط على الرأي العام العالمي بدعم ومساندة حل القضية الكردية العادلة والضغط على أردوغان لإيقافه عند حدوده.