الكُرد في تركيا ـ2ـ

شكري شيخاني/ القاهرة_

سؤال طالما راودني كثيرا” وأغلب الظن، أنه كان بمخيلة الكثيرين من الكرد السوريين، الذين يعيشون على أرضهم في سوريا، فمنذ أن وعيتُ العمل السياسي، وأنا أرى، وأسمع عن الكرد في العراق، وتركيا، وإيران، وسوريا، أسمع عن عذاباتهم، وعن معاناتهم مع الانظمة المستبدة الطاغية، وبالطبع، أنني كنت أتلمس، وأحس بشكل مباشر عن عذابات، وعن معاناة الكردي، السوري، وإن كانت لا تظهر للعيان بشكل واضح بسبب التعتيم، وكمية التهميش الكبيرة، التي كانت الأنظمة تفرضها على الكرد بشكل عام، وعلى الكرد في سوريا، والعراق على وجه الخصوص، وكان تنظيم البعث في العراق، وبلاد الشام، بلا شك ينفذ سياسة العنف، والقسوة، والتهميش، والإقصاء، بل والقتل، والنفي إن استطاع الى ذلك سبيلا، وهو لا يقصر في هذا، وقرأت كثيرا” عمّا يتعرض له الكرد في تركيا، ومنذ أن تم الغدر بهم، وبمصيرهم، وبمستقبلهم، والتلاعب بهم، مع أنهم يشكلون أكبر وجود كردي بالعالم، وموجود في تركيا، وسنقرأ معا” بعض التفاصيل عن الشعب الكردي، وعن أحواله، وأين تمركزه على أرض أجداده؟ والتي سميت عبثا” بأسماء أخرى، وهم موجودون في إحدى وعشرين ولاية تركية من أصل إحدى وثمانين ولاية، ويمكن هنا أن أورد أماكن تجمعهم، ووجودهم في الأرض التركية: كردستان تركيا، أو كردستان الشمالية (باكور كردستان) (بالكردية: Bakurê Kurdistanê) هي جزء من كردستان الخاضع لسلطة تركيا، وتقع في شرق الأناضول، ومناطق جنوب شرق الأناضول، حيث يشكل الكرد الشعب السائد، يقدر المعهد الكردي في باريس أن هناك عشرين مليون كردي، يعيشون في تركيا، غالبيتهم في الجنوب الشرقي، القومية الكردية بفرعيها (الكرمانج، والزازا) تشكل ثمانين بالمائة من سكان تلك المنطقة، والأتراك يشكلون اثني عشر بالمائة من السكان، والآخرون من السكان، عرب، وكلدان، وسريان، وشعوب قوقازية وأرمن، ينتشر كرد تركيا في إحدى وعشرين محافظة من أصل إحدى وثمانين محافظة التي تشكل الجمهورية التركية والمحافظات التي يتواجد فيها الكرد، هي:

هكاري، شرناخ، وان، بدليس، باطمان، ماردين، آمد (ديار بكر)، آكري، أديمان، أرضروم، موش، بنغول، أرزنجان، ملاطية، العزيز، أورفة، ديلوك (عنتاب)، قارس، ديرسم (تونجلي)، مرعش، كلس، كما أن الكرد يشكلون نسباً مهمة من سكان محافظات سيواس، أضنة، اسطنبول، أنقرة.

وبعد سقوط الخلافة العثمانية، وإقامة الجمهورية التركية الحديثة، تبنى مصطفى كمال أتاتورك نهجا سياسيا، يتمحور حول إلزام انتماء الشعوب المختلفة في تركيا باللغة، وبالثقافة التركية، فكان من نتائج هذه السياسة، منع الشعوب الأخرى في تركيا، ومنهم الكرد، من ممارسة لغاتهم في النواحي الأدبية، والتعليمية، والثقافية، ومنع الكرد من تشكيل أحزاب سياسية، وكان مجرد التحدث باللغة الكردية عملا جنائيا حتى عام 1991.

فقوبلت محاولات مصطفى كمال أتاتورك، بمسح الانتماء القومي للكرد بمواجهة عنيفة من قبل كرد تركيا، وقرر الكرد، والشعوب الأخرى بقيادة الزعيم الكردي سعيد بيران (1865-1925) القيام بانتفاضة شاملة؛ لنزع الحقوق القومية للكرد، والشعوب الأخرى، على أن تبدأ الانتفاضة في يوم العيد القومي الكردي، عيد نوروز في الحادي والعشرين من آذار 1925، فانتشرت الانتفاضة بسرعة كبيرة، وبلغ عدد الكرد المنتفضين ما يقرب من ستمائة ألف، إلى جانب مائة ألف من الشركس، والعرب، والأرمن، والآشوريين، وفرضوا حصارا على مدينة آمد (ديار بكر)، ولكنهم، لم يتمكنوا من السيطرة على المدينة، وفي منتصف نيسان 1925 تم اعتقال سعيد بيران مع عدد من قادة الانتفاضة، ونُفِّذ حكم الإعدام فيه في الثلاثين من  أيار 1925.

بعد انتكاسة ثورة سعيد بيران، شنّت الحكومة التركية حملة اعتقالات، وتصفيات واسعة في المناطق الكردية في تركيا، وحسب مذكرات جواهر لال نهرو عن اعترافات حكومة أنقرة، فقد بلغ عدد الشهداء الكرد في تلك الأحداث؛ مليوناً ونصف مليون شخص، واستمرت الحكومات التركية المتعاقبة على النهج نفسه، وكان مجرد تلفظ كلمة كرد يعدّ عملا جنائيا، إذ كان يطلق على الكرد مصطلح «شعب شرق الأناضول»، ولكن الاهتمام العالمي بكرد تركيا، ازداد بعد قفزة الخامس عشر من آب 1984، التي أطلق بموجبها حزب العمال الكردستاني عملية الكفاح المسلح، ما حدا برئيس الوزراء التركي آنذاك، توركوت أوزال (1927 – 1993) ولأول مرة أن يستعمل رسميا كلمة الكرد لوصف الشعب الكردي في تركيا.

في عام 1991 رفع أوزال الحظر الكلي عن استعمال اللغة الكردية، واستبدله بحظر جزئي، منذ استلام أتاتورك للحكم في تركيا الجديدة، والكرد يعيشون حياة مهددة دوماً بعدم الاستقرار، والتغيير الديمغرافي كل عشرة، أو عشرين عاماً، حتى يتم طمس الهوية الكردية، إضافة الى الملاحقات الأمنية المتواصلة لكل من ينطق حرفاً كردياً واحداً، ويمكن القول: إن الكرد لم يشفع لهم، كونهم مسلمين سنة، ولم يشفع لهم أيضاً، أنهم إخوة في الدين، وفي العقيدة، لذلك فهم يُعاملون أبشع، وأقسى أنواع المعاملة على الاطلاق…