سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الكأس على الطاولة

إخلاص فرنسيس-

يتراقص الزبد الأحمر، قطع الحلوى، وحبّات الفستق، قليل من لا شيء، وكثير من أخبار الموت، وما بين موت وموت هناك موت من نوع آخر، على أوراق شجرة الحامض تتعانق زخّات المطر مع آخر شعاع للشمس، وهو يودّع النهار على كتف الهضبة المقابلة، مختارات من لوحات عالمية، الألوان تحمل طابعًا خاصًّا هذا المساء، من الحزن الطائش يرتع بين حرف وآخر، وما بين سطر وآخر يطلّ وجه يتسكّع في ذاكرتي.
 ولدت أنثى مصادفة، ومن قرية فيها الربيع ثورة الحياة والخريف فكرٌ، والصيف أهزوجة الحنين، والشتاء له مذاق عاشقة ترتدي أحضان الحبيب. كم أحتاج إلى حضن أمّي الآن، أطالع في كفّيها مستقبلي، وأومن بغد أكثر إشراقًا، تحمل إليّ تذكرة العودة إلى حجرها، إلى طقوس الطفولة، أدفن جرحي في خصلات شعرها، وشهقة روحي تخترق المدى، تسيل تحت جلدي، يزداد المساء فراغًا، أرحل دون رحيل، وأبحر دون مركب، أبحث عن نسيان معلّب، يباع في المحالّ الكبرى لقطع غيار الإنسانية، أفرج عن صمتي، وأحرّر رسالة اخرى، أستأذن فيها الظروف كي أرسم سمكة ميتة، وكما يقول أندريه جيد: “السمكة تموت وصدرها إلى الأعلى، وتطفو من القاع وتعلو، إنّه أسلوبها في السقوط”. نعم كم نتشابه في السقوط إلى أعلى، أنا غيمة تهوى الرحيل محمّلة بالمطر، أحفر هوايتي على الصخر، أجري على السطوح حين تنتابني نوبات المرارة، أغرق في اللامألوف. مأهولة بالعشق والوحدة، أتمدّد ما بين قنطرة السموات والنشوة، أرى جليد الموت يزحف إلى مهود الأطفال، وأسمع الأبواق تنادي النعوش، ترفع الصواري في رحلة طويلة في صلصال الأرض، أريد فنجان قهوة، أفرط بالتعرّف إلى الخطوط السوداء، وقارئة تقرأ، وتفرط في القراءة بحثاً عن هذا الشيء الذي تفتقده اللحظة من التفاؤل المفرط، لربما ينتفي هذا الشعور الرهيب، وتمرّ هذه الكآبة التي تقضم نفوس البشر.
 متى حلّ هذا الواقع؟ أكاد أجزم أنه جملة من الأحلام، كلّ شيء يبدو غريبًا، من الضروري أن ينتهى، ومن الضرورة أن نستيقظ، ونتخلّص من هذا النوم السحيق الذي يثقل الأجفان، وتبدو من خلف الآفاق الملامح الصافية والألوان الرائعة، ونكتب النهاية.