سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

“العهد القويّ”… على لبنان واللبنانيين

خيرالله خيرالله (كاتب وإعلامي لبناني)-

صمد لبنان طويلاً أوّلاً في وجه اتفاق القاهرة، إلى أن جاء “العهد القويّ”، أي “عهد حزب الله”، فلم يبقَ أمل بأيّ مستقبل أفضل للبنان واللبنانيين ما دام ميشال عون في موقع رئيس الجمهورية الذي يديره عملياً صهره جبران باسيل.
يفترض في اللبنانيين أن يعوا أن بلدهم لم يعد قابلاً للحياة في ضوء وجود دولة داخل الدولة، ورئيس للجمهوريّة لا يستطيع أن يكون حكماً ومرجعيّة للبلد، صارت دولة “حزب الله” تدير دويلة لبنان وتسيطر عليها؛ هذا لبّ المشكلة في بلد يدفع إلى يومنا ثمن توقيع اتفاق القاهرة عام 1969.
بدل أن يعمل الزعماء المسيحيون في 1969 على اتخاذ موقف واضح من الوجود الفلسطيني المسلّح بعد أن أخطأ المسلمون في تقدير خطورة هذا الوجود، جعلتهم الشهوة إلى رئاسة الجمهورية يرتكبون خطأ ما زالت نتائجه تتفاعل إلى اليوم، كان ريمون إدّه الاستثناء الوحيد وقتذاك فرفض اتفاق القاهرة جملة وتفصيلاً، كان همّه لبنان وليس الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة.
صمد لبنان طويلاً وواجه كلّ أنواع الهجمات عليه بدءًا بالوجود السوري الذي استخدم الفلسطينيين أفضل استخدام من أجل وضع يده على لبنان، لكنّ لبنان فقد القدرة على الصمود بعدما صار “حزب الله”، وهو ميليشيا مذهبيّة مسلّحة، تقرّر من هو رئيس الجمهورية.
أغلق “حزب الله” مجلس النواب اللبناني سنتين ونصف السنة من أجل فرض ميشال عون رئيساً للجمهوريّة، ليتبيّن مع مرور الوقت أن انتخاب ميشال عون رئيساً يندرج في سياق خطّة واضحة وممنهجة تصبّ في عملية إفقار لبنان وأهله بغية السيطرة عليه وتحويله إلى مجرّد ورقة إيرانيّة لا أكثر.
مضت أربع سنوات ونصف السنة على وجود ميشال عون في قصر بعبدا، هل هناك فرصة لم يفوّتها من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلد انهارت تدريجياً كلّ مؤسساته، فلم يبق من لبنان سوى المؤسّسة العسكرية التي لا تزال الضامن الوحيد لتفادي الفوضى الكاملة، وهذا ما يفسّر هذا الدعم الدولي للمؤسسة العسكرية بهدف المحافظة على الأمل.
يمكن التوقف عند بعض المحطات منذ وصول ميشال عون إلى قصر بعبدا كرئيس للجمهوريّة، للتأكّد من أنّه لم يفعل شيئاً من أجل تفادي الانهيار، فقد فشل لبنان من الاستفادة من مؤتمر “سيدر” الذي انعقد في باريس في نيسان – 2018 قبل الانتخابات النيابيّة التي أجريت في أيّار من تلك السنة، وضع العهد كلّ العراقيل الممكنة من أجل منع تنفيذ “سيدر” وذلك كيلا يعترف بأنّ المؤتمر انعقد بسبب وجود سعد الحريري، ولا أحد غيره في موقع رئيس مجلس الوزراء، كشف الفشل اللبناني في السير في “سيدر” أنْ لا نيّة لدى العهد في القيام بأيّ إصلاحات من أيّ نوع وأنّه أسير الأجندة الوحيدة المفروضة على لبنان؛ وهي أجندة إيرانيّة.
لم يستطع العهد استيعاب ما هو “سيدر” وما هي مشاريعه ومعنى الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، يعيش العهد في عالم خاص به لا علاقة له بما يدور في لبنان والمنطقة والعالم، عندما يضع العهد كلّ العراقيل في وجه “سيدر” يصبح مسلسل الأحداث التي توالت منذ إجراء الانتخابات النيابيّة استناداً إلى قانون صاغه “حزب الله” كي يضمن له أكثريّة في مجلس النواب مسلسلاً أكثر من طبيعي.
من لا يفهم معنى “سيدر” ولديه عقدة سعد الحريري لا يستطيع استيعاب معنى انهيار النظام المصرفي اللبناني، وقبل ذلك قول قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني مباشرة بعد انتخابات 2018، إن إيران باتت تمتلك أكثريّة نيابية في لبنان.
من المفيد دائماً العودة إلى “سيدر” الذي كان سيؤمّن مساعدات للبنان، تصل إلى 12 مليار دولار في حال توافر شروط معيّنة، مع تجاهل “العهد القويّ” لمؤتمر “سيدر” ونتائجه يسهل فهم لماذا حصل الانهيار المالي ولماذا لا يوجد من يدرك خطورة انهيار النظام المصرفي ثم تفجير مرفأ بيروت.
من لا يفهم أبعاد أحداث كبيرة في هذا الحجم ويرفض طرح سؤال على نفسه، سؤال من نوع لماذا لا كهرباء في لبنان ولماذا يعيش البلد في عزلة عربيّة، يسهل عليه جعل المسيحيين في لبنان في عهدة “حزب الله”، أي في عهدة إيران، هذا ما فعله جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية الذي يعتقد أن تسليم مصيره لـ”حزب الله” يمكن أن ينقذ مستقبله السياسي في يوم من الأيّام!
ما يحدث في لبنان حالياً من تدمير للنظام التعليمي والمستشفيات والخدمات والسياحة والإعلام أمر أكثر من طبيعي، مطلوب إلغاء لبنان لا أكثر، مطلوب تدمير مؤسساته؛ الواحدة تلو الأخرى، ولا يوجد أفضل من “العهد القويّ” لتنفيذ هذه المهمّة.
نظرة إلى تاريخ رئيس الجمهورية الحالي أكثر من كافية لاكتشاف أن ميشال عون الرجل المناسب لهذه المهمّة التي بدأها عندما وجد في قصر بعبدا في عامي 1989 و1990 كرئيس لحكومة مؤقّتة، لا مهمّة لها سوى تمهيد الأجواء لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس أمين الجميّل، إلا أنه عمل كلّ شيء ما عدا المهمّة الموكلة إليه، نرى “العهد القوي” يعمل حالياً كلّ شيء باستثناء المهمّة التي يفترض به القيام بها؛ وهي مهمّة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من لبنان.
في الفترة الأولى التي أمضاها ميشال عون في قصر بعبدا، أخذ على عاتقه تهجير أكبر عدد ممكن من المواطنين، خصوصاً المسيحيين اللبنانيين، في الفترة الثانية التي بدأت في 31 تشرين الأوّل 2016 يجري تهجير ما بقي من المسيحيين في بلد يعاني من السلاح غير الشرعي منذ توقيع اتفاق القاهرة، هذا بلد أنهاه عهد سمّى نفسه “العهد القوي” ولم يكن قويّاً سوى على لبنان واللبنانيين للأسف الشديد.