” تقرير / حسام اسماعيل ” –
روناهي/ عين عيسى ـ كثيرٌ هي القامات التي ارتقت إلى مرتبةِ الشهادة في منطقةِ عين عيسى، ودافعت بإخلاصٍ عن حمى الوطن بكلِ ما تملك، وبذلت أرواحها رخيصةً في سبيلِ تحرير الأرضِ والعرضِ من رجسِ الإرهابِ الذي عاثَ فساداً في المنطقة، وارتكبَ ممارساتٍ لا إنسانيَّة ولا أخلاقيَّة بحقهم، لنأخذ نبذة عن حياه أبنائهم، والتربةُ الصالحةُ التي انطلقوا منها ليدفعوا أثمنَ ما يَملكون لتعيشَ الشُّعوب الحريَّة والاستقرار والأمان الذي نَنعم بهِ حاليَّاً.
هي قصةُ عائلة الشهيد صالح العواد أو (فيصل كوباني) ابنُ مدينةِ عين عيسى من عشيرةِ اللهيب العربيَّة التي تَقطن المنطقة وينتمي إليها، بدأت مُعاناة هذه العائلة في فترةِ النزوح، والأزمة التي عاشتها سوريا منذ 2011، حيثُ كانت المدينةُ تدفعُ ضريّبة وقوع (اللواء93) التابع لقوات النظام السوري بالقرب منها، وكان المُقاتلين التابعيّن للجماعات المُسلحة يُهاجمون اللواء المذكور بين الفينة والأخرى، ليَعود ذلك وبالاً على قاطني المدينة، ويقومَ الأخيّر بالردِ عليهم.
لذلك قررت العائلة النزوح عن المدينة نهائيّاً، لتبدأ مُعاناة من نوعٍ أخر، لتأميّن الأمور الحياتيَّة للعائلة، حيث كان الشهيّد صالح يُشارك أهلهُ في تلبيّة هذه المتطلبات، والعمل كعاملِ مياومة مع أخيّه الأكبر رمضان.
شارك في كافة معارك الرقة والطبقة ودير الزور
واستمر الوضع على حاله إلى أن تم تحرير مدينة عين عيسى في صيف العام 2015، لينضم الشهيد صالح إلى وحدات حماية الشعب كمقاتل في صفوفها، وليشارك في كافة المعارك لتحرير مدينة الرقة وريفها وحملة تحرير مدينة الطبقة بعد الإعلان عن (حملة غضب الفرات) في 2016، وشارك الشهيد في كافة المعارك، وفي الصفوف الأولى من الجبهات، ويستذكر رمضان العواد شقيق الشهيد مقولته: ( إذا كنت مقاتلاً فلماذا اقاتل في الصفوف الخلفية؟، الموت لا يعرف الصفوف الخلفية من الأماميّة) وأصر أن يقاتل وفي الصفوف الأمامية حصراً، ويشهد على ذلك قادة الجبهات بالجرأة والجسارة المنقطعة النظير.
ويتابع رمضان حديثه” أخي صالح كان يتصف بالهدوء، ولا يحب إثارة المشاكل مع أياً كان، فما إن تحصل مشكلة ما يسعى إلى حلِّها بقدر ما يستطيع، ويعمل على إرضاء الطرفين، كان كتوماً، لا يحب الكلام كثيراً”.
حاصره المرتزقة ولم يستسلم
بدورها أم الشهيد صالح تحدثت عن ولدها بالقول:” كان يُقاتل في معارك تحرير الرقة، وفي أحد الأيام أوصلنا الخبر بأن صالح محاصر مع عدد من رفاقه في إحدى محاور القتال في المدينة، خفت عليه أشد الخوف، وبعدها بأربع أيام عاد ليروي لنا قصة حصاره مع رفاقه، قال لي بعد أن احتضنته بقوة:” حوصرنا من قبل داعش، ولكن لم أخف منهم، قاومنا وعشنا، كنت أجلب الطعام والشراب متسللاً عبر الأبنية بالرغم من أنهم قريبين جداً منا”.
وتصف أم الشهيد صالح ابنها بالقول:” كان صالح شجاعاً بمعنى الكلمة، لم يهن عليه أن يعيش أهله وبلده تحت رحمة مرتزقة داعش، وكان يحب الحياة العسكرية بشكل كبير، وقد فرح فرحاً شديداً في إحدى المرات عندما غاب عنا مدة خمس شهور ليستلم بطاقة شخصية بعد قضاءه تدريبات عسكرية ليكون مسؤولاً عن مجموعة من رفاقه”.
وتتابع السيدة عائشة حديثها: ” كل ما أراده هو المضي في طريقه لتحرير كافة المناطق من الإرهابيين والمحتلين، حتى بعد تحرير الطبقة والرقة شارك في معارك ديرالزور، وسألته مرة ليترك القتال، ويجلس في البيت ويهتم بطفله الصغير فقال لي: ” سوف نضل نحاربهم حتى تحرير عفرين، وكل الأرضي السورية، وسأقف على الحدود بعد دحرهم”.
استشهاده
بعد أن استبشر الأهالي خيراً هذا العام خلال الموسم الزراعي بعد الأمطار الوفيرة التي عمت المنطقة، وأوشك موسم الحصاد على البدء، بدأت الحرائق تُفتعل في عُموم مناطق شمال وشرق سوريا.
يقول رمضان العواد أخو الشهيد صالح: ” أرزاق الناس أصبحت مُهددة بالحرق في كل مكان، فكان أخي يَعمد إلى المُشاركة في إطفاء الحرائق مع الأهالي، ويُلاحقها من مكانٍ إلى آخر، فما أن يشبَ حريق في مكان ما حتى كان أول المشاركيَّن في عملياتِ إخمادها”.
وتابع رمضان: ” في إحدى المرات التي كان يُشارك فيها، كان الرياح قوية، وكان يقوم بإخمادها، وفي غفلة منه التفت النار حوله هو وشخص آخر، واستشهد على إثر ذلك، كان حياً حين هرعنا لإنقاذه، ولكن الحَرّق كان بالغ الضرر على جسمهِ، وبعد إسعافهِ إلى عدةِ مشافي في المنطقة، استُشهد متأثراً بهذا الحادث الذي لم يكن متوقعاً، ولكنهُ نال ما طلب لينال الشهادة، ويُضحي بنفسهِ بعد تضحياتٍ قدمها لخدمةِ أهلهِ وشعبهِ”.
