الشاعر دليار أوسي: من وحي الثورة كتبت أولى قصائدي

روناهي/ الدرباسية –

نتيجة لطبيعة النظام السياسي المهيمن في سوريا منذ عقود، والقائم على عقلية الإقصاء والتهميش، فان الأدب والفن الشعبي، ولا سيما الكردي، كان أقرب ما يكون إلى جريمة يحاسب عليها القانون. لذلك، فإن العديد من المواهب والإمكانات، دُفنت في مهدها قبل أن تأخذ حقّها.

لطالما تكتشف المواهب الأدبية والفنية في سنّ متقدّم من العمر، ما بعد البلوغ على أقلّ تقدير، إلاّ إنّ بعض المواهب تكون فطرية فيما يتعلّق بالشخص، صاحب الموهبة، فتكون عبارة عن طفرات في مجتمعاتها، فلا يحتاج ذلك الشخص سوى دعم المحيط؛ لصقل تلك الإمكانيات والمواهب.

في هذا التقرير، نتعرّف عن قرب على أحد أولئك الموهوبين في صغرهم، والمتميّزين اليوم، بعد أن استطاع صقل موهبته وتنميتها على حدّ كبير، عندما أتيحت له الفرصة.

النشأة وبداية خطوات

الشاعر دليار أوسي، من مواليد الدرباسية عام 1997. شابّ كردي أتمّ دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس بلدته. لينتقل بعدها لدراسة المرحلة الجامعية في جامعة تشرين بمدينة اللاذقية، مختصّا بقسم البيولوجيا، كما درس الدراسات العليا في جامعة روج آفا، وعمل كمعيد في الجامعة المذكورة.

تنقّل الشاعر بين مدن كردستانية عدّة. فبالإضافة إلى مدن، روج آفا، مسقط رأسه، وأغلب المحافظات السورية، زار الشاعر أجزاء كردستان الأخرى في باشور، وباكور كردستان، متنقّلا بين مدنها وقراها مثل موش وماردين وجزيرة بوطان، ومديات، وسلوبي، وشرناخ، وغيرهم. إضافة لزيارته بعض المعالم الأثرية في تلك المنطقة، مثل ضريح “ممو وزين” و”برجا بلك” ومدرسة أحمدي خاني” وغيرها. حيث استمرّت رحلته تلك مدّة سبعة أشهر، والتي شكّلت نقطة تحوّل في حياته الخاصة والشعرية. إلى أن اعتقلته السلطات الاستخباراتية التركية، وأمهلته مدّة 24 ساعة لمغادرة أراضي باكور، وبعدها لحق بتهمة التعامل مع (الإرهاب)، إشارة إلى حزب العمال الكردستاني. وذلك إثر إلقائه لقصديتين باللغة الكردية في مدينة “سرحد”. 

بدايات الغوص في عوالم الشعر

يتحدّث الشاعر دليار عن بداية الإبحار في بحور الشعر فيقول: “في مرحلة دراستي الابتدائية، كانت تقام حفلات عيد النوروز. وأثناء التحضير لتلك الحفلات، كان يزورنا في بيتنا العديد من الأشخاص، وهم يحملون في أيديهم آلات وأدوات غريبة، فبدأت أسأل عن ماهية تلك الأدوات، وكان والدي يبدأ بشرحها لي. ويقول: هذا العود وهذا الأورغ وهذا الطمبور، وغيرها. وكانوا يبدؤون العزف والغناء باللغة الكردية. وهنا كنت مستغربا، رغم صغر سنّي، إلاّ أنني كنت أدرك أنّ لغتنا ممنوعة من التداول. وكنت أسأل نفسي: كيف لهم أن يغنوا بهذه الجرأة؟”.

مساندة الشاعر ودعمه المعنوي

يتابع الشاعر حديثه بالقول: “لاحظ والدي محمود أوسي اهتمامي بهذا المجال. فأخذ يهتمّ بي ويدعمني فيه. وفي العاشرة من عمري بدأ والدي يعلّمني الشعر كونه أديباً، فكان يدرّسني القصائد الشعرية الكردية تدريسا. حتى أصبحت أتقدّم الفرق الغنائية في الحفلات وعلى رأسها فرقة (خاني) أي أنّني أستطيع أن أقول: إنّ عمر العاشرة مثّل لما يتعلّق بي الخطوة الأولى في طريق الشعر”.

ويضيف الشاعر: “بعد سنوات عدّة، بدأ والدي بتعليمي اللغة الكردية قراءة وكتابة، إضافة إلى تحفيظي عدداً من القصائد الكردية لشعراء كردٍ كبار؛ لذلك أعدّ والدي مدرستي الشعرية الأولى، التي من خلالها كوّنت شخصيتي”.

الموهبة وإرادة التميّز أساسا النجاح

أوسي يزيد إلى حديثه قائلا: “في المرحلة الإعدادية، بدأت أنا وصديقي بترديد القصائد الشعرية الكردية على مسامع بعضنا سراً في المدرسة. وفي هذه الفترة بدأت ثورة روج آفا ومقاومة شمال وشرق سوريا في عام 2011. ومن وحي هذه الثورة، كتبت أولى قصائدي الخاصّة، والتي حملت عنوان “طالب السلام”، والتي كتبتها أثناء زيارتي لـ”جزيرة بوطان” بالإضافة لعدد من القصائد الأخرى، التي كتبتها، والتي كانت مفاجئة لوالدي حين ألقيت تلك القصائد أمامه. حيث أنّه عدّ حلمي في أن يراني شاعرا قد تحقّق. أضف إلى ذلك، تواصلي في تلك المرحلة مع الكثير من الشعراء والأدباء الكرد في باكور كردستان”.

المشاركة في الحراك الثقافيّ والشعبيّ

يتحدّث الشاعر، دليار أوسي عن مشاركته في ثورة روج آفا فيقول: “مع انطلاقة ثورة روج آفا شاركت في العديد من الحفلات والأمسيات الشعرية من خلال بعض قصائدي الوطنية والقومية، إلى جانب المشاركة في تأسيس عدد من الفرق الغنائية، كما أنّني أقمت أوّل احتفال بعيد النوروز عام 2014 في مدينة اللاذقية، وكان ذلك أثناء دراستي هناك، كما أسست أوّل فرقة غنائية في جامعة، روج آفا. إضافة إلى مشاركتي في الجبهات، أثناء التصدي للمرتزقة وجيش الاحتلال التركي، وكنت ألقي على رفاقي بعض القصائد، التي من شأنها أن ترفع عزيمتهم القتالية. في هذه الأجواء استطعت أن أحجز لنفسي مكاناً في الذاكرة الشعرية للمجتمع”.