السليقة مؤونة شتوية وإرثٌ حافظت عليه المرأة الريفية

تقرير/ أفين يوسف –

للمؤونة الشتوية أهميةٌ كبيرة لدى المجتمع في شمال وشرق سوريا عموماً، إذ يبدأ العمل على تخزين المواد الغذائية وتجفيفها بداية فصل الخريف تحضيراً لاستقبال فصل الشتاء، بخاصةٍ في مناطق الريف التي ما تزال تحافظ على العادات والتقاليد المتوارثة ومن ضمنها تجفيف الخضار واللحوم وتخزينها كمؤونة شتوية.

منذ الأزل وعند اكتشاف المرأة الزراعة، ويوماً بعد يوم ومع اكتشاف الفصول المتعاقبة والصعوبات التي كانت تواجهها في تأمين الغذاء لأطفالها في فصل الشتاء خاصةً، تعلمت المرأة أنه يجب عليها إيجاد طرق لتخزين الأطعمة لاستخدامها لاحقاً دون أن تتعرض هذه الأطعمة للتلف والفساد، واستطاعت شيئاً فشيئاً اكتشاف وسائل جديدة لحفظها لأوقاتٍ طويلة، واكتشفت أن بعض أنواع البذار مثل القمح والعدس والشعير يمكن تخزينها وبطرقٍ مختلفة.

مراحل صنع السليقة

“السليقة” أو “الدانوك” هو من الأغذية الهامة التي حافظت عليها المرأة وما زالت تصنعها وتخزنها للشتاء، والسليقة هي الاسم المتعارف عليه للقمح المسلوق، والذي يتم تجفيفه بعد سلقه بكمياتٍ كبيرة، حيث تقوم النسوة في الريف بمساعدة بعضهن البعض على تحضيره، وفيما يلي شرح لطريقة تحضير السليقة “الدانوك”.

بعد انتهاء موسم الحصاد تعمل المرأة الريفية على تخزين عدد من أكياس أو “شوالات” القمح أو الشعير والعدس بهدف الاستفادة منها في فصل الشتاء، ويستخدم الشعير كعلف للمواشي التي تتم تربيتها في الريف، ويستخدم العدس لصناعة الشوربات وبعض المأكولات، بينما يستخدم القمح لعدة أغراض منها الطحين من أجل صناعة الخبز، والبرغل ومشتقاته، ويعتبر البرغل مادةً أساسية في كل منزل بالريف والمدينة، ولصناعة البرغل عدة مراحل أولها: تقوم النسوة بغربلة القمح وتنظيفه من القشور والشوائب باستخدام غربال خاص لهذا الغرض، من ثم تضع قِدراً كبيرة على النار (نقرية) وتصب فيه كمية من الماء بما يناسب كمية القمح المراد سلقها، وتستخدم المرأة في إشعال النار؛ الحطب أو روث الماشية المجفف (DIRG) أو قش القطن الذي يتم جمعه بعد موسم القطاف، وعند بدء الماء بالغليان يضاف القمح وتقوم المرأة بتقليبه كل حين إلى أن ينضج، وتستغرق فترة نضوج السليقة مدةً تتراوح بين ساعتين إلى ثلاث ساعات، تقوم خلالها إحدى النساء بالاهتمام بالموقد وإشعال النار، بينما تقوم أخرى بتحريك السليقة داخل القدر، والنساء الأخريات يقمن بتحضير الأدوات اللازمة لتصفية القمح من الماء ونقله إلى سطح المنزل، وتستخدم في ذلك سلال مصنوعة من القش، بالإضافة إلى حبل طويل تصنعه المرأة الريفية على شكل ظفيرة من بعض الأقمشة المتينة، كما تحتاج إلى بعض الأسطل.

يلتف حول النار عدد من الأطفال الصغار وبأيديهم الصحون وينتظرون بلهفة نضوج السليقة “الدانوك”، وعند نضوج السليقة تقوم المرأة بملء صحون الأطفال بالسليقة حيث تعتبر أن زيادة عدد الأطفال يزيد من بركة السليقة، من ثم تبدأ النسوة بإخراج السليقة ونقلها إلى سطح المنزل وفرشها على مساحة السطح ليتم تجفيفها، وتستغرق عملية التجفيف مدة يومين أو أكثر، يتم خلالها  تقليب السليقة مرتين أو ثلاثة يومياً، وبعد التجفيف تجمع كمية القمح المسلوق ويتم ذرها في الهواء الطلق للتخلص من القشور والغبار إن وجدت، ويتم فيما بعد إرسالها إلى الطاحونة ليتم صناعة البرغل الذي يتم تخزينه للمؤونة، إذ أنه بعد طحن السليقة المجففة تجتمع النسوة لفصل المواد عن بعضها باستخدام عدد من أنواع الغرابيل، ويستخرج البرغل والبرغل الناعم والخشن والسميد والنخالة، ويخلط مع البرغل الشعيرية الرفيعة التي يتم تحضيرها أيضاً منزلياً ويتم تحميصها لتضيف إلى البرغل نكهة محببة.