السلطة أداة لتقديم الأفضل للمجتمع لا وسيلة لنهبه

حسين دلف (كاتب)_

لا شك أن الإنسان لا يستطيع العيش بدون أهداف ورغبات يسعى إلى تحقيقها والسعي إلى تطوير ذاته وقدراته الذاتية من خلال تحقيق تلك الأهداف والرغبات، وتعتبر الأهداف والرغبات التي يطمح الأفراد إلى تحقيقها محددة بشكلٍ كبير لجودة الأشخاص والمستوى الذي يطمحون الوصول إليه في حياتهم الاجتماعية.

إن كل إنسان في هذا الوجود لديه أهداف ورغبات يطمح إلى تحقيقها سواءً كان هذا الإنسان صالحاً أو غير ذلك، والهدف الرئيسي لكل البشر هو الوصول إلى السلطة واعتلاء القمة سواء كانت سلطة سياسية أو اجتماعية أو سلطة دينية كلاً حسب رغباته والمجال الذي ينشط به.

والسلطة في طبيعتها مفسدة وتأثر بشكلٍ واضح على الأفراد الذين يصلون إليها وتكون دفة القيادة بيدهم، فنعيم السلطة لا أحد يستطيع أن ينكره ومن الصعب التخلي عنه بسهولة خاصةً في المجتمعات التي تكون فيها السلطة فوق القانون، وخير مثال على التمسك المستميت بالسلطة ما تشهده سوريا منذ عام 2011 وتمسك الأسد بالسلطة، وفي ليبيا معمر القذافي رفض التخلي عن السلطة إلى أن قُتل، وصدام حسين رفض التخلي عن السلطة إلى أن أُعدم.

وهناك الكثير من الحالات المشابهة لكن قد تكون حالات القادة الكبار في السلطة استثنائية لأن الرؤساء دائماً يعتبرون أنفسهم الدولة والقانون، وأنهم يمثلون الدولة التي يحكمونها بكلِّ شيء بها وسقوطهم يعتبر سقوطاً للدولة والسيادة الوطنية، بالإضافة إلى ذلك فالأشخاص الذين يصلون إلى السلطة عادةً ما يبحثون عن الأشخاص الذين يحملون نفس الأفكار والمبادئ التي يؤمنون بها بحيث تكون عملية إصدار أي قرار أو تعديل على القوانين سهلة ولا تواجه أي عراقيل وتسهّل مهمة السيطرة على السلطة والتفرّد بها وإبعاد كل من يقف في وجه السلطة عن الساحة السياسية بتهمة الخيانة والعمالة وأنهم أعداء للدولة والمجتمع.

هناك نقطة أخرى وهي جوقة المنافقين الموجودة أساساً داخل حلقة السلطة ولا يمكن أبداً التخلص منها بسبب ولائها المُفرط لأي شخصية تتقلد زمام الأمور ما دامت تلك الشخصية لن تؤثر على مصالحهم الشخصية، وعلى وظائفهم القائمة أساساً على التهليل والتمجيد للسلطة سواء كانت سلطة ديمقراطية أو ديكتاتورية ومستبدة.

على العموم هذه الجوقة هي المحارب الأول لأي نظام ديمقراطي يقوم على مبدأ العدالة والمساواة وهي التي تزرع الغرور والكبرياء داخل الشخصيات السّلطوية، فهذه الجوقة الكبيرة من المتطفلين والمنافقين لكي تحافظ على وجودها، نجدها تقدم فروض الطاعة العمياء لأي شخصية جديدة في السلطة لكسب ودها ورضاها طول فترة بقائها في السلطة وسرعان ما تنتهي كل هذه الطاعة بمجرد انتهاء مهام ذلك الشخص، فتقوم جوقة المنافقين بالاستعداد للانقضاض على الفريسة الجديدة.

هذه الفئة هي نتيجة حتمية لسنوات من حكم الديكتاتوريات والأنظمة الفاسدة، وهي نتاج عملية تعليمية وتربوية فاسدة للسلطات المتعاقبة حتى باتت هكذا فئة تستطيع التحكم بزمام الأمور والتحكم بقرارات الحكم وتوجيه السلطة إلى الوجهة التي تريدها هي وحتى أنها تستطيع التأثير على أي شخصية تصل إلى السلطة لدرجة التغيير الجذري في المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.

السلطة هي هدف ومطلب أي شخص لديه طموح في الحياة لكنها في الأساس أداة لتقديم الأفضل للمجتمع لا أداة لبسط السيطرة على المجتمع ونهب خيراته لذلك دائماً ما كانت مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب هي من المطالب الأساسية في المجتمع ومنح السلطة للأشخاص الذين يتمتعون بأخلاق حميدة ويتصفون بالنزاهة.

فالمال والمكانة والقوة التي تمنحها السلطة كفيلة بإفساد النفوس لكن دائماً لكل قاعدة استثناء، فهناك مخزون بشري لا تغريه السلطة ومفاتنها ولا تأثر بهم وبالمبادئ والقيم التي يؤمنون بها ويستحقون أن تكون السلطة بيدهم وتكون سلطة القانون والشعب فوق أي سلطة أخرى، وتكون الأهمية لسلك التربية والتعليم وتقديم المرأة وتفعيل دورها ومنحها كامل حقوقها للوصول إلى مجتمع يتمتع بديمقراطية حقيقية.