سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

“الرواية” وواقعها في شمال وشرق سوريا

دلشاد مراد-

 تصنف “الرواية” كإحدى أبرز الأجناس الأدبية في وقتنا الراهن، لما لها من قدرة على انعكاس وتجسيد الواقع وإثارة القضايا والأزمات المعاشة في المجتمعات، وبالتالي تأثيرها الكبير على الرأي العام.
وقد أصبحت للرواية تقنيات أو شكل فني متعارف عليه في القرون الأخيرة، ولذا ينبغي على كاتب “الرواية” الالتزام بها وعدم الخروج عليها حتى لا تتداخل مع الأجناس الأدبية الأخرى، فيضيع معها هوية أو شكل النص المكتوب فنياً. ولعل من أبرز التقنيات أو المواصفات الفنية لـ “الرواية” أن تزيد عدد كلماتها عن 30 ألفاً، وهناك من يرى أن تكون أكثر من 40 ألف كلمة، وألا تعتمد على شخصية رئيسية واحدة كما في “القصة” بل عدة شخصيات رئيسية إضافة إلى عدد من الشخصيات الثانوية، وأن تبتعد عن “التقريرية المباشرة” فيما يتعلق بأسلوب الكتابة، فكلما كان أسلوب السرد النصي يتضمن الجماليات التعبيرية والرمزية والخيال في تصوير الواقع ارتفع شأن نص “الرواية” إلى مستوى أدبي رفيع.
وقد لعبت الرواية بدور كبير في الحياة السياسية والثقافية لشعوب عديدة وبخاصة لدى الأوروبيين والروس وخاصة في القرنين الأخيرين، وظهرت مدارس متنوعة في الرواية “التاريخية، النفسية، الواقعية، الرومانسية… إلخ”. أما شعوب الشرق الأوسط (العرب، الكرد، السريان، الفرس، الأرمن، الترك..) فلم يعرفوا الرواية بشكلها الفني الحديث إلا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وذلك بالتزامن مع النهضة القومية لتلك الشعوب التي كسرت الجمود الفكري المفروض من قبل سلاطين الدولة التركية العثمانية على المنطقة عموماً.
 ورغم ذلك فالعديد من النتاجات الأدبية العظيمة لشعوب المنطقة يمكن تصنيفها كروايات ومنها رائعة الأديب والفيلسوف الكردي أحمدي خاني “مم وزين” التي أصدرها عام 1692م، حيث كان أسلوب “الشعر القصصي” هو المتعارف آنذاك في الآداب العربية والكردية والفارسية.
وعلى الرغم من وجود كمٍّ من الروايات وكتابها في روج آفا وشمال وشرق سوريا إلا أنها لم تصل في الوقت الراهن إلى المستوى الذي تمكنها من لعب دورها التنويري المطلوب والتأثير على الرأي العام، ويعود ذلك إلى جملة من الأسباب، أهمها:
ـ الضعف العام في استخدام كتاب الرواية لتقنيات الرواية الحديثة، إذ إن معظمها ذات أسلوب تقريري خبري مباشر مما يفقدها عنصر التشويق لدى القارئ، كما أن معظم الروايات الصادرة ذات هوية متداخلة، فهي أقرب إلى جنس القصة أو الحكايا أكثر من أن تكون رواية.
ـ البساطة في بعض الروايات الصادرة من ناحية المواضيع التي تتناولها مقارنة بما تشهدها المنطقة في السنوات الأخيرة من حوادث وتحولات سياسية واجتماعية كبيرة ومتسارعة، وهو ما يؤدي إلى تدني مستوى وقيمة بعض الروايات الصادرة.
ـ وجود أخطاء فادحة في الصياغة اللغوية للعديد من الروايات، مما يفقدها قيمتها على الرغم من جودة محتوى بعضها.
ـ هجرة العديد من كتاب الرواية إلى الخارج، وبالتالي حصول تدني في النتاجات الروائية، إضافة إلى ابتعاد الكتاب المهاجرين عن مجريات الأحداث في وطنهم، مما قد يفقدهم المصداقية في مقارباتهم للواقع.
ـ فقدان مجتمعات محلية لكتاب الرواية كالسريان والعرب في السنوات الأخيرة.
ولتجاوز ذلك، لا بد من كتاب الرواية من تطوير أساليب الكتابة لديهم، والإلمام بكافة المدارس وتقنيات الرواية الحديثة والمعاصرة، والمقاربة الحقيقية للواقع المعاش بكل تفصيلاته، وانعكاس الحالة السياسية والاجتماعية والثورية المعاشة راهناً في رواياتهم.