الرماديون والاقتتال الكردي الكردي

عبد الكريم ساروخان-

في الوقت الذي يشتد فيه المعارك والاشتباكات بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني وجيش الاحتلال التركي في متينا وآفاشين وزاغروس، يحشد حزب الديمقراطي الكردستاني القوات التابعة له بالقرب من مواقع المقاتلين في خطوة تزيد التوتر وقد تتسبب في إشعال حرب واقتتال بين الكرد لا تستفيد منه سوى أنقرة وحكامها الساعين لضرب كل المنجزات التي تخص الشعب الكردي.

علماً أن تلك المنطقة الحدودية تمتاز بالوعورة ويتواجد فيها مقاتلو حزب العمال الكردستاني منذ 40 عاماً، وبعلم حزب الديمقراطي الكردستاني، وخاصة أن هذه المناطق ومناطق من باكور كردستان كشرناخ وبوطان وهكاري هي متداخلة جغرافياً، وكانت ملاذاً للبيشمركة وللمقاتلين في كل الثورات والانتفاضات الكردية منذ العهد العثماني وحتى بعد تأسيس الجمهورية التركية وإلى الآن.

وما قدمه الكرد من دعم للبيشمركة وفي جميع أجزاء كردستان لا يحتاج إلى دليل أو برهان، وليس هذا فحسب فقد كانت باكور كردستان وشرقها تضم العشرات بل المئات من المقرات والمعسكرات والمخيمات لتلك القوات، وروج آفا نفسها قدمت كل ما في وسعها لتلك القوات واستشهد المئات من أبنائها دفاعاً عن باشور كردستان.

بالعودة إلى التاريخ الحديث فقد كان المرحوم ملا مصطفى البرزاني وزيراً للدفاع في جمهورية مهاباد التي أعُلِنت في روجهلات كردستان من قبل القاضي محمد في عام 1946، هل كان ذلك تدخلاً في شؤون روجهلات كردستان؟ أم كان دعماً أخوياً؟

باختصار إن مصير الكرد واحد، وهذا الوطن المجزأ هو لجميع الكرد، والمطلوب هو أن ندعم ونقف إلى جانب بعضنا البعض ضد كل الهجمات التي تستهدف وجودنا كشعب يعيش على أرضه التاريخية، وليس الوقوف مع الأعداء وتبرير هجماتهم على الكرد.

وفي هذه المرحلة التاريخية والمصيرية مطلوب من كل إنسان وطني توضيح موقفه من هجمات الأعداء ومن الذين يدعمون تلك الهجمات من الأحزاب والشخصيات الكردية، فالمواقف الرمادية لم تعد تجدي نفعاً للقضية بل إنها تخدم الأعداء في بعض النواحي.

ومن أدنى متطلبات الوطنية هو دعم المقاتلين الكرد ولو معنوياً في وجه طغيان أردوغان وجيشه الفاشي، وفي هذا المجال تجربة إسرائيل وفلسطين هو مثال هام لنا ككرد، فكل العرب يقفون مع الفلسطينيين رغم أن بعض الحركات المتطرفة كحماس والجهاد هي التي تتسبب في اندلاع الاشتباكات، لكن موقف جميع الدول العربية هو دعم فلسطين رغم أن العديد منها لها علاقات مع إسرائيل، وفي الجانب الآخر تجد كل اليهود ومن جميع أصقاع العالم يقفون مع دولة إسرائيل رغم اختلافاتهم الفكرية والسياسية، أليس من الواجب أن نكون مثلهم؟ كيف يقبل إنسان كردي لنفسه أن يدعم جيش الاحتلال التركي وهو جيش يهدف لإبادة الكرد؟

نحن نعلم أن مقاتلي حزب العمال الكردستاني هم نخبة من أبناء هذا الشعب ضحوا وما زالوا يضحون من أجل كل الكرد بدون استثناء، وتجدهم في كل الساحات والمدن لو تطلب الأمر، في هولير وشنكال وكركوك وكوباني وأورمية وآمد وبدون أي مقابل، وهم اليوم يخوضون ملحمة بطولية في وجه جيش الاحتلال وهجماته التي تستهدف باشور كردستان بالدرجة الأولى.

وللتوضيح أكثر أود أن أذكر بعض النقاط المهمة:

 وأولها: قوات الكريلا قوة كردستانية بامتياز، ومن أجل ذلك تشن تركيا أعنف هجماتها ضد هذه القوة لأنها تمثل الأمل بالتحرير، ولأنها بالفعل تشكل خطراً حقيقياً على الحكومة الفاشية.

ثانياً: مساعدة أي كردي ودعمه لهذه القوات واجب وطني، بالمقابل كل من يبرر هجمات الأعداء ويعادي هذه القوة يخدم بالمجان الأعداء، وبالتالي يرتكب خطأً تاريخياً لن يغتفر.

ثالثاً: قوات الكريلا وقفت إلى جانب حكومة باشور في حربها ضد داعش الإرهابي ودعمت الاستفتاء، في الوقت الذي كان أردوغان وجيشه يهددون الإقليم بسبب الاستفتاء، وكذلك أكدت المئات من التقارير الحقوقية والدولية أن الدولة التركية دعمت كل المجموعات الإرهابية بالمنطقة بما فيهم داعش.

رابعاً: الوحدة الكردية وتأسيس مرجعية تمثل الكرد في جميع أجزاء كردستان ضرورة تاريخية، لذلك يجب العمل من أجلها عبر تمتين الوحدة الكردية ونبذ التفرقة التي يزرعها الأعداء بيننا، وفي روج آفا أيضاً على جميع القوى السياسية أن تأخذ مبادرة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي على محمل الجد، لتكون البداية لتحقيق المرجعية ليس في روج آفا وحدها بل في كل أجزاء كردستان.

خامساً: هناك فرق بين الخلافات الحزبية والمواقف الوطنية، فالهجمة الحالية على قوات الكريلا تتطلب موقفاً وطنياً من كل الأحزاب، أي أن المطلوب هو نبذ الخلافات الفكرية والتصدي للهجمة أو على الأقل إظهار موقف وطني، وفي هذا الوقت حشد القوات التابعة للحزب الديمقراطي لمحاصرة الكريلا خطوة لا تخدم الكرد بل تخدم فقط تركيا وجيشها التي ترفض كل الحلول السلمية وتصر على إبادة الكرد.

سادساً: وجود قوات الكريلا ليس انتهاكاً لسيادة الإقليم ولا تشكل أي خطر على المدنيين، بل العكس فهذه القوة تحمي الإقليم وهي أكبر سند لها، وتصديها لهجمة داعش هو أفضل مثال، في حين عدوان الجيش التركي هو الذي يعتبر انتهاكاً لسيادة العراق وكردستان بدليل وجود العشرات من المقرات له ضمن حدود الإقليم وعدم وجود ردود فعل من سلطات الإقليم والحكومة العراقية، رغم إلحقاق الأضرار بأبناء تلك المناطق وحرق قراهم.

سابعاً: قد يقول البعض أن الحزب الديمقراطي لا يستطيع محاربة تركيا وله مصالح اقتصادية مع أنقرة، ولو فرضنا جدلاً أنه بالفعل لا يستطيع دعم حزب العمال الكردستاني إلا أنه يستطيع على الأقل أن يكون له موقف وطني، وحتى لو عجز عن تحديد موقفه كان باستطاعته الوقوف جانباً وعدم دعم تركيا في حربها العدوانية، لكن ما نراه هو دعم لتركيا وتبرير لهجماتها مع الهجوم على حزب العمال الكردستاني ومحاصرة مقاتليه لإرضاء أنقرة.

ثامناً: ما يتم نشره من سموم في فضائيات تابعة للحزب الديمقراطي بهدف تشويه الحقائق والتحريض ضد حركة تحرير كردستان لا يخدم القضية الكردية بتاتاً، بل إنها تخدم أنقرة وسياسة حكومة أردوغان وبخجلي. وعلى هذا الأساس يجب أن يعبر المثقفون والكُتَّاب وكافة الشخصيات والشرائح الوطنية عن رفضهم لذلك، وأن يعارضوا كل الخطوات التي تؤجج الخلافات بين الأطراف الكردية، والتي تدعو إلى الاقتتال بين الإخوة وبدون تردد لأنها قضية وطنية تخص الكرد عموماً.

المواقف الخجولة والرمادية تحت مسميات الحيادية والاستقلالية هو بمعنى من المعاني يعني التساوي بين الظالم والمظلوم وبين الجلاد والضحية وبين الوطنية والخيانة، فلم يعد خافياً ما يفعله الحزب الديمقراطي من دعم علني للدولة التركية، ولذلك فإن التشهير بهذه الأعمال هو واجب كل إنسان وطني من أجل ردع هذا الحزب وإجباره على العودة إلى الصف الوطني، خطوة البعض من عناصر البيشمركة حينما أعلنوا أنهم ضد الاقتتال وتركوا السلاح هي خطوة شجاعة وتدل على الروح الوطنية لدى هؤلاء.

وأخيراً.. نعيد ونكرر ونقول إن الاقتتال الكردي – الكردي لا يخدم سوى الأعداء، وعلينا جميعنا العمل والنضال من أجل منعها، لذا علينا رفع صوتنا في وجه من تسبب بذلك بوقف هذه التحشدات أولاً، ومن ثم على جميع الأطراف السياسية الكردية الجلوس على طاولة الحوار لحل كافة الخلافات بما يخدم المصلحة العامة للشعب الكردي.