الديانة الفينيقية كيف نشأت؟

تل كوجر/ المثنى المحمود ـ

في كل البلاد ذات الحضارات القديمة مثل مصر وأشور وبابل وفينيقية يكون الدين أساساً للجماعة، ويتجه إليه تفكيرهم ويكون الملهم لهم بفنونهم ونظامهم، ويكون ما عداه شيئاً إضافياً بحيث لا يمكن أن ينمو عندهم شيء إلا بالتحالف مع الدين.

يبدو أن الفينيقيين كانوا أصحاب فكر وعقيدة لم تخلق عن طريق الصدفة، بل كان لها طور كبير في الانتقال من مرحلة إلى أخرى، كما هو الحال عندهم في كل ما يخص حياتهم من فن وأنظمة الحكم وصولاً إلى التنظيم التجاري والاقتصادي والاجتماعي مروراً بالزراعة، وكل ما يخص حياة الفينيقي القديم طالتها عجلة التطور.

البدء بالفكرة

في موضوع الدين الفينيقي الممتد على مساحة واسعة من الزمن، وأيضاً ما يوثقه التاريخ وما تؤكده الشواهد الأثرية من انتشار فينيقي واسع على الرقعة الجغرافية للعالم بأسره، يبدو أن بداية الفكر الديني الفينيقي ولدت مع ولادة الحياة الزراعية، وعلاقته بالقرى الزراعية الأولى التي كان الفينيقي هو من شيدها وعمل بها، وعلى ذلك أدلة كثيرة من المواقع الأثرية من تماثيل منتشرة ومن الوثائق الكتابية. هذا يجعل لنا تصور عن مراحل ظهور الدين الفينيقي.

حيث بدأ الفينيقيون باعتناق دين أو فكرة الخصب والإخصاب وذكرت هذه الأفكار في نصوص المكتشفة في رأس شمرا.

حيث تحدثت عن الخصب الذي اعتبر الفكر الديني الأول حيث عممه الفينيقيون على الفكر الديني الآسيوي بشكل عام. فكان السائد آنذاك عبادة مصادر الحياة، ولعل أكبر دليل على تفوق الفينيقيين هو بناؤهم الدائم للمعابد عند مصادر المياه.

لكن سرعان ما انتقل الفينيقي إلى الفكرة، ألا وهي عبادة الأفكار وليس الاشخاص أو الظواهر، بل عبادة الأفكار وشخصوها بصفات وأسماء تعير عن هذه الصفات. وعلى ضوء ما اكتشف من آثار تبين أن الفينيقيين اعتنقوا أفكار وجسدوها بأسماء آلهة كانت على الشكل التالي:

بعل: وتعني اسم القدرة الذاتية على العطاء.

عشتروت: اسم جوهر القدرة الذاتية على إعطاء الحياة.

تانيت: وجه القدرة الذاتية على إعطاء الحياة.

اشمون: ذو الاسم وهو إله الشفاء.

بعل صمد: القدرة الذاتية على إعطاء الحياة الدائمة الوجود.

بعل شمار: القدرة الذاتية على إعطاء الحياة الحارسة.

بعل يتون: القدرة الذاتية على إعطاء الحياة المعطاءة.

بعل حامون: القدرة الذاتية على إعطاء الحياة ذات الطاقة.

الوصول إلى اعتناق الإله الواحد

بعد ذلك انتقل الفينيقي إلى مرحلة الاندماج بالفكر العبراني والأفكار التوحيدية، حيث سجل في هذه المرحلة انتصار فكرة عبادة يهوى الذي يعني باليهودية الكائن الذي به كل شيء على فكرة عبادة البعل، وهو اسم يطلق على فكرة ليس إلهاً مجسداً بحد ذاته كما ذكرنا آنفاً، حيث كان يعني المقدرة الذاتية على إعطاء الحياة.

ويذكر في هذا السياق أسطورة أو نبوة إيليا الذي كان من المدافعين عن عبادة يهوى والذي استطاع التفوق على كهنة معبد البعل، وأزاح من رؤوسهم فكرة عبادة البعل وتوجه بهم إلى عبادة يهوى، التي يبدو أنها كانت أولى الأفكار التي تناولت التوحيد وعبادة رب واحد.

وبقيت العبادة الفينيقية واضحة التأثير على الدين اليهودي، وذلك حسب ما ذكر في كتابات رأس شمرا (قصائد) فقد كان لوصف العادات الفينيقية والممارسات الدينية قبيل هذه المرحلة نصيب في العهد القديم نظراً لأهميتها. كما ورد أيضاً أسماء أماكن وأشخاص في نصوص رأس شمرا، وأعيد ذكرها في العهد القديم نذكر منها: (تيريح أبو إبراهيم وأيشر وزبولون،  التي كانت أسماء قبائل ثم قادش والنقب في جنوب فلسطين وأشدود).

هذا ما يدل على أن العبادة والدين الفينيقي كانا دائم التطور وأيضاً كانا ركيزة لأول أشكال التطور الديني والوصول إلى عبادة إله واحد.