الدول الضامنة… رسائل مبطنة ونتائج لا تفضي إلى “الحل”

محمد الأحمد –

على ما يبدو أن ما تمخض عن الاجتماع الثلاثي بين الدول الضامنة لم يأتِ بجديد وكأنه عبارة عن مقررات اجتماع بين دول تريد الانفراد بالهيمنة على الأرض السورية وشرعنة تواجدها وتقاسم مناطق النفوذ وتجنب الصدام وتقريب وجهات النظر بينها.

الاجتماع الثلاثي الأخير الذي جمع كلّاً من روسيا وإيران وتركيا (الدول الضامنة لمسار أستانا) تمخض عنه نتائج معلنة تبعث برسائل مهمة للدول الأخرى المتواجدة عسكرياً على الأرض السورية كالولايات المتحدة الأمريكية، ويدل على مدى ما وصلت إليه الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على سوريا بكل مكوناتها وخاصة بعد فرض قانون قيصر وتأثيراته، والضربات العسكرية الإسرائيلية التي تهدد الوجود الإيراني تحديداً، إلى جانب عرقلة الطموح التركي في المنطقة، كل هذه الأمور دعت لعقد هذا الاجتماع في ظل هذه الظروف الحساسة والاستثنائية كما رآها محللون.

أعتقد بأن مجمل هذه الظروف استدعت هذا الاجتماع الاستثنائي لتلك الدول لإعادة ترتيب مناطق النفوذ، والخروج برؤية موحدة ومحددة تخدم إستراتيجية الوجود العسكري الدائم لهذه الدول على الأرض السورية في إطار الحرب العالمية الثالثة التي تعتبر هذه الدول جزءاً أساسياً فيها، فمن ناحية هنالك محاباة بين هذه الدول – بعضها لبعض – في مناطق النفوذ المشترك وخاصة بإدلب من خلال التواجد العسكري القوي لتركيا ومرتزقتها، بالمقابل تواجد عسكري لروسيا والنظام السوري على تخومها والعمل على تهديد التواجد التركي في تلك المنطقة على نقيض التواجد العسكري لكلتا القوتين العسكريتين في منطقة شمال وشرق سوريا التي تبدو أكثر انسجاماً وتنسيقاً من خلال الدوريات العسكرية المشتركة والتنسيق العسكري القوي على طول الطريق الدولي m4.

على ما يبدو بأن هذه الدول مجتمعة أحست بتهديد قوي من جانب الطرف الآخر – الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل – الذي يحارب النفوذ الإيراني في المنطقة وخاصة بعد تكثيف ضرباتها الجوية على خط التواجد العسكري الإيراني في سورية من البوكمال شرقاً مروراً بالبادية السورية إلى دمشق.

في ضوء كل هذه  التطورات العسكرية والسياسية التي تكشف علناً الحرب غير المعلنة لهذه الدول على الأرض السورية كان اجتماع الضامنين ذا نتائج واضحة ومشبعاً برسائل وصلت إلى الطرف الآخر(الولايات المتحدة الأمريكية)، وكان التحرك العسكري مباشرة وبشكل قوي في مناطق شمال وشرق سوريا وتحديداً في المناطق الغنية بالثروات النفطية خير دليل على ذلك.

بغض النظر عن النتائج المعلنة التي أعلن عنها الضامنون والتي كشفوا فيها عن نتائج هذا الاجتماع إلا أنهم لم يتطرقوا إلى برنامج واضح من شأنه خدمة المسار السياسي التفاوضي بين الأطراف السورية الفعالة والمتواجدة على الأرض السورية، التي تناضل لتحقيق مستقبل سوريا أرضاً وشعوباً، فالذي جاؤوا به لم يتعدّ كونه ضحك على الذقون – كما يقال – ومعادة أي مشروع ديمقراطي سوري لا يخدم مصالحهم، فهم جهروا بمعاداتهم للمشروع الديمقراطي الحقيقي الذي تعيشه مناطق شمال وشرق سوريا متمثلاً بـ (الإدارة الذاتية)، ومتجاهلين كل التضحيات التي قدمها أبناء شمال وشرق سوريا من خلال قوات سوريا الديمقراطية التي حاربت الإرهاب المتمثل بداعش.

 ومع استمرار حالة الشد والجزر التي تتّبعها هذه الدول من دون وجود إرادة حقيقية للتوصل لحل ينهي الصراع الدموي للأزمة السورية التي بدأت منذ عام 2011 تبقى سوريا في نفق مظلم ويشتد ظلمةً مع استمرار التآمر الدولي الذي تقوده هذه الأطراف على اختلاف إستراتيجياتها ومصالحها، ونتائج هذا الاجتماع وغيره من الاجتماعات تحت مسمى الأستانات والجنيفات لن يفضي لنتائج حقيقية من شأنها رفع المعاناة عن الشعب السوري بكافة مكوناته وأطيافه أو على الأقل اتباع نهج إيجابي اتجاه معاناة الشعب السوري والضغط على الأطراف كافة للتوصل إلى حل ينهي الصراع السوري ويوصل سوريا لبر الأمان.