الحوار… سبيل دمقرطة سوريا

تحقيق/ فيروشاه أحمد –

في كل أزمة داخلية ومها طال أمدها لا بدَّ من أن يلتقي كلُّ الفرقاء على طاولة الحوار التي يتفق عليها كلُّ الأطراف على صيغة جديدة ليكون القاسم المشترك بينهم الوطن والمواطن، من هذا المنطلق لبَّى مجلس سوريا الديمقراطي دعوة النظام السوري للجلوس إلى طاولة الحوار مع المسؤولين في دمشق بخصوص إنهاء نزيف الدم السوري، والعودة إلى جادة الصواب؛ ذلك أن مسد دعا إلى حل الأزمة السورية بالحوار السوري ـ السوري بعيداً عن التدخلات الخارجية، وضم وفد مجلس سوريا الديمقراطية أعضاء من حزب سوريا المستقبل وبعض الشخصيات السياسية والاجتماعية ومن كلِّ الشعوب في الشمال السوري.

هذه الخطوة الإيجابية قد تكون الترياق السياسي والاجتماعي لوضع حلول تناسب كلَّ الأطراف، ونحن نعيش هذه المرحلة الحساسة من عمر الأزمة السورية التي عصفت بالبلاد إلى دروب القتل والهجرة وخراب البنية التحتية للمجتمع السوري، بعد اجتياح القوى الإرهابية أغلب المدن السورية، ناهيك عن دخول الدول الإقليمية والدولية بكامل قواها العسكرية، همهم فقط تثبيت أجنداتهم السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، والكل يرفع شعار حماية سوريا والسوريين، ومن الأولى من أبناء سوريا أن يعمل وفق هذا الشعار الذي ينضوي تحت مظلته كل مواطن؟!

لِمَ الحوار؟!

الحوار: هو تداول حديث أو كلام بين شخصين أو أكثر يتناولون فيه مشكلة ما دون تعصُّب أو عنصرية، ويعتمد الحوار على البحث في آليات قديمة واستبدالها بحديثة من أجل تحسينها من خلال تبادل الآراء، وهي الطريقة المثلى للكشف عن أسباب المشكلة وتبيان الحقائق ومناقشتها بكل شفافية، لأن الحوار يلبي حاجة الإنسان للاستقلالية، ويبقى الحوار من الطرق والوسائل الأكثر رقيَّاً للوصول إلى نتائج إيجابية، كون هؤلاء المتحاورون يحملون في ذواتهم أخلاقيات وأدبيات تجعلهم يصلون لحلول مرضية ومقنعة للطرفين.
وليكون الحوار مثمراً وناجحاً فلا بدَّ من وجود فكرة أو إشكالية، ومن ثم قبول الآخر والاستماع إليه بشكل متفهم ومحترم، واختيار لغة وأسلوب بعيدين عن صفة التحدِّي، ومن هنا ندرك أنَّ الحوار يختلف عن التفاوض كونه يهيئ مساحة لتبادل الأفكار وليس فيه شيءٌ من الإكراه أو الإملاء، لأن الحوار حالة اجتماعية مهمة لتقارُب الأفكار والآراء.

الحوار السوري ـ السوري الحل الأمثل لإنهاء الأزمة

الحوار هو الحلّ الأنسب بين أبناء الوطن الواحد؛ لوضع الحلول للأزمة التي تعصف بالبلاد، وحين تجتمع النوايا الحسنة من أبناء الوطن الواحد لا تستطيع أيُّ قوةٍ النيلَ منها، فها هو النظام السوري قد دعا مجلس سوريا الديمقراطية للحوار للحدّ من العنف ووضع خارطة طريق لحل الأزمة السورية؛ لأن المجلس من خلال ثقافته المجتمعية يهدف للخروج بالشعب السوري من مستنقع الدماء وفق مصالح الشعب وتطلعاته، واستجاب للدعوة، وشكَّل وفداً مؤلفاً من أعضاء في مجلس سوريا الديمقراطية وحزب سوريا المستقبل وبعض الشخصيات السياسية والاعتبارية.

أكَّد ابراهيم القفطان ممثل حزب سوريا المستقبل في وقت سابق على أنَّه تمت المحادثات مع النظام السوري عن الكثير من القضايا، مشدداً على ضرورة حضور منظمات دولية ومراقبين ودول ضامنة لتلك المحادثات، لكونها ربما تستغرق وقتاً طويلاً في حال تم استكمالها، فالتفاهمات والصيغ بين الطرفين سوف تحمل عناوين كثيرة وجزئيات مهمة، منها موضوع عفرين والمناطق المحررة وإدلب وعموم سوريا، كذلك بنود القانون 17 الخاص بالإدارة المحلية (الإدارة الذاتية) وآليات تطبيق اللامركزية.
وبالعودة لمفهوم اللامركزية، فقد تم تداوله واستخدامه أول مرة في فرنسا إبان ثورتها عام 1789م، فهو لا يحمل أيَّ تعريفٍ مُحدَّد، وللآن هو بمثابة إشكالية معرفيَّة لم تحظ بصيغة علميَّة ثابتة لها، ولكونها تُصاغ في كلِّ مرحلة بأدوات مختلفة في تطبيقها، ولكل دولة حرية انتقاء ما يناسبها من المفاهيم بهذا الخصوص، فاللامركزية هي: تنظيم إداري يعتمد على الأكثرية في إدارة البلاد التي تبنى عليها الديمقراطية، وهي في الوقت نفسه؛ تعني عملياً توزيع الوظائف والإدارات والسلطات بعيداً عن أي موقع مركزي أو سلطوي.

تشكيل اللجان.. الخطوة الأولى

تناول وفد مجلس سوريا الديمقراطية في المحادثات مجموعة القضايا المتعلقة بالوضع في الشمال السوري بخاصة والوضع السوري عموماً وكيفية حلها على أسس وطنية تحفظ حقوق الشعوب والمكونات والأديان كافة ليكون للشعب حقُّ التعبير عن رأيه وأن يعمل على صياغة دستوره الجديد بنفسه، لتصبح فيما بعد ركائز للحوار بين الطرفين للوصول إلى مخرجات تنهي الأزمة السورية.
انحصر الحوار في دمشق على مخرجين رئيسين، الأول أن تشمل الحوارات بين الحكومة وبين ممثلي الشمال السوري من كل المكونات كل الشعب السوري، والثاني أن تترجم اللجان المنبثقة من اللقاء الأول العمل المستمر والميداني للوصول إلى تفاهمات تنهي الأزمة، ومن التوافقات المبدئية لاستمرارية الحوار أن تتشكل كل لجنة من خمسة أشخاص من كل جانب يدرسون فيه القانون الإداري والدستور السوري الجديد.
وسوف تتناول هذه اللجان مجموعة قضايا أهمها: اللجنة الخدمية (البلديات) والإدارة المحلية، ولجنة تتناول مفهوم الجمهورية السورية، ولجنة تهتم بوحدة التراب والعلم الواحد وقانون الدولة ورئيس الجمهورية، وبحسب المصدر كان التجاوب جيداً من النظام، وبخاصةٍ فيما يتعلَّق بوقف نزيف الدم السوري، ومن القضايا الملحَّة في الحوار والتي أكَّد عليها الطرفان صياغة قانون الإدارة المحلية (الإدارة الذاتية) والدستور السوري، بشرط أن تشارك المكونات السورية كافة في صياغته، لأن الدستور بطبيعته هو لخدمة المواطنين جميعاً.
وتناول الجانبان اللغة واحترامها واعتبارها شيئاً مهماً في حياة الشعوب والعمل على إدخالها في التعليم والمدارس، وتطرَّق الجانبان إلى قضايا حيويَّة منها الصحة القطاع الأكثر أهمية.

لا بدَّ من التوافق

الحوار الذي دعا إليه مجلس سوريا الديمقراطي في خطاباته ودخل حيِّز التطبيق، ماذا يمكن أن يضيف على المشهد في شمال سوريا وكل الجهات، في ضوء المعطيات السياسية وآخرها التطورات الميدانية التي أفرزت عناوين مهمة.
لا يختلف اثنان على أنَّ الخاسر الأكبر في هذه الأزمة هو المجتمع السوري المتنوع بثقافاته وقومياته، وقد يخسر بعضاً من روحانياته إذا استمرت هذه الحرب المجنونة، ولا يخلو الأمر من أن مجموعات صغيرة وبسيطة تحاول أن تُصعِّد من وتيرة الأزمة وتُكثِّف من الإجرام والفتن والقتل، للوصول إلى غايات غير وطنية من خلال عملها وفق أجندات خارجية، وما جرى ويجري في عفرين يؤكِّد على ما ترمي إليه ممارسات هؤلاء المرتزقة، ولسنا هنا بصدد ما يجري ميدانيا في درعا والسويداء وغيرها من المدن السورية، بقدر ما يهمنا أنَّ السوريين لا ناقة لهم ولا جمل في انتصار أيِّ طرفٍ على الآخر.
من هنا ليس أمام الشعوب في الشمال السوري بخاصةٍ وفي سوريا عموماً إلا الحوار، لأن العاملين الذاتي والموضوعي مهيآن لها لأنَّ النجاحات العسكرية والسياسية التي حققوها تخولانهم ليكون التفاهم من خلال الحوار السوري ـ السوري، وهو الطريقة المُثلى لتحقيق برنامجهم من خلال ترسيخ وصياغة دستور جديد يؤكِّد فيه الحفاظ على ثقافات الشعوب وتاريخها وحفظ حقوق القوميات والأديان والأعراق، ولا يخفى على أحد أنَّ هذا الحوار بدأ بعد نهاية لقاء ترامب وبوتين في هلسنكي مؤخراً.
ومن جهته دعا مجلس سوريا الديمقراطي جميع القوى السياسية السورية للانضمام إلى هذا المسار الصحيح لوضع نهاية لمعاناة الشعب، ورسْم خارطة طريق جديدة لسوريا تبدأ من الانتقال من المركزية إلى اللامركزية الديمقراطية، وخلال بيانه الأخير أكد المجلس على لسان رئيسة الوفد التي بحثت مع النظام السوري مواضيع عديدة وسبل وجود مخرجاته، بينما أكدت القوى والأحزاب السياسية في المجلس على أهمية هذا الحوار وضرورة استمراريته على أسس راسخة تتناول كلَّ الجوانب السياسية، وقد تبدأ هذه النوايا بالتطبيق من خلال الجوانب الخدمية والفنية حتى تتعزز الثقة بين الطرفين.
وليكون الحوارُ سارياً وذا نتائج إيجابية لا بدَّ من توفر النوايا الصادقة وبخاصة من طرف النظام، وما يجعل الحوار ناجحاً هو وجوب وجود دول ضامنة وقادرة على إلزام الجهات المتحاورة بما تمَّ التصديق والحوار عليه، والتي تبدأ بالديمقراطية اللامركزية والتشاركية.

الحوار الديمقراطي الوطني مخرج الشعوب من الأزمة

لم يبق أمام السوريين إلا الحوار الديمقراطي بين الأطياف كافة، كي تنتهي هذه الأزمة والخلافات، لأن الحوار الذي جرى في دمشق هو الخطوة الأولى لبناء سوريا الحديثة، وما على اللجان المنبثقة من هذا اللقاء إلا الإسراع في تطبيق كلِّ محتواه.
دائماً كان الشعب وكل القوى السياسية في شمال سوريا تبحث وتدعو إلى إيجاد حلولٍ سلمية لهذه الأزمة التي عصفت بالبلاد، الكل يتحمَّل ثمن أخطائه بما فيهم النظام، ولا يجمع السوريين إلا ثقافة التسامح من خلال برنامج وطنيٍّ ضمن خيارات العدالة الانتقالية، التي يبدأ قوامها ببناء مؤسسات مدنية مجتمعية تتبَّنى هذه الثقافة كي تُخرج كلَّ حالات الاحتقان من النفوس وتبدأ مرحلة جديدة على مبادئ التعايش السلمي وفق ثقافة أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية.

_________
المراجع
ـ فيصل المالكي … الحوار البناء
ـ جمال سلامة علي… تحليل العلاقات الدولية