سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الحريات.. أنواعها.. مضامينها

 حنان عثمان_


 ثمة الكثير من المواضيع المهمة، التي تطرح نفسها لتناولها وإعادة النظر فيها، في ظل فوضى المصطلحات وسياسة التشويش والتزوير الممنهجة السائدة في عصرنا…  من هنا، تبرز ضرورة وضع بعض المصطلحات والمسارات التاريخية تحت المجهر برؤية أصيلة وعريقة لا تشوبها شوائب الرؤية السلطوية المهيمنة.
وإذا انطلقنا من ذلك، لعل من أهم وأول المصطلحات التي ستظهر أمامنا بشكل مُلِح، هو مصطلح الحرية. إذ طالما ظلت الحرية هدفاً سامياً تسعى إليه الشعوب منذ أن عرفت القهر والغبن والذل. ولطالما ارتبطت الحرية بوجود الإنسان منذ أن أدرك نفسه كذاتٍ واعيةٍ وراقية. وعليه، لطالما اعتُبِرَت الحريةُ جوهر الإنسانية والحياة الكريمة.
من جانب آخر، نستطيع القول: إن الحرية ليست حكراً على المجتمع البشري فقط. يقول المفكر والقائد عبد الله أوجلان: “من الضروري جداً عدم سلوك الأنانية في موضوع الحرية، وعدم السقوط في اختزاليةٍ تجعل الحرية حكراً على الإنسان. والمرأة التي تعد أول وآخر عبد يرزح في حضيض العبودية ضمن المجتمع البشري، فبأي مصطلح يمكننا إيضاح كل تخبطاتها عدا مصطلح الطموح إلى الحرية”.
وللوصول إلى الحرية، سلكت البشرية ذلك الطريق الوعر والشاق منذ القدم ضد الهيمنات: المدنية والدولتية والرأسمالية؛ ودفعت أثماناً باهظة في سبيل الوصول إلى الحرية، لأن المنهجية التي سلكتها السلطات المركزية من أجل تأمين ديمومتها وصون وجودها، هي حرمان المجتمع عامةً والمرأة خاصةً من الحرية، وتحويلهم إلى مجتمع القطيع لتسهيل عملية التحكم وسلب الإرادة المجتمعية.
أما بخصوص المجتمعات التي تسعى إلى جمع المال بهدف التفوق والتحرر، فتخطر ببالنا مقولة ضرورية بهذا السياق للمفكر القائد عبد الله أوجلان إذ يقول فيها: “المال وسيلة للعبودية، فمن الاستحالة أن يكون المال أداة يؤتمن عليها في سبيل الحرية. فالمال يؤدي دور جُسيم المادة المضاد للطاقة. أما الوعي فهو أقرب دائماً إلى الحرية، أي أن الوعي المتأسس على الواقعية يفتح الآفاق أمام الحرية في كل الأوقات، ولهذا يعرَّف الوعي دائماً بأنه تدفق للطاقة”.
بناءً عليه، فمن الضروري جداً التعمق في مسألة الحرية الفردية والحرية المجتمعية؛ لأن هذا الموضوع يعتبر من المساحات الهامة التي لا يتم الالتفات إليها في مناقشة مفهوم الحرية، وخاصةً في العصر الذي نعيش فيه، سواءً على المستوى النظري حينما يكتب عن الحرية وأصناف الحرية المختلفة، أو حتى في الممارسة العامة؛ لأن التركيز غالباً ما يكون حول مجالات الحرية المختلفة للأفراد: كالحريات العامة، الحرية المدنية، أو الحرية السياسية. أما التركيز على حرية الاختيار الحضاري للجماعة، فيكون ضعيفاً جداً. فالغرب مثلاً يروج ويشجع على الحرية الفردية الفظة على حساب الحرية المجتمعية، وكأن الحرية حكر على الفرد دون المجتمع، أو كأنه لا يمكن أن تتمتع الجماعة بنفس القدر من الحرية. وهنا عندما نتحدث عن المجتمع، نتحدث عن ذات حضارية، وذات جماعية؛ لأن بداخل كل فرد منا ذات جماعية، أو جزء من تلك الذات. والمجتمع الذي لا يملك الحرية لا يمكن لأفراده أن يكونوا احراراً بالمعنى الحقيقي.
بالمقابل، وعندما يتم التعدي على القيم المجتمعية باسم الحريات الفردية، فهنا نستطيع أن نقول: إن تلك الحرية ما هي إلا سلاح فتاك ضد أخلاق المجتمعات وضد قيم وثقافة المجتمعات الأصيلة، وتشكل خطراً وجودياً على الروابط المجتعمية وعلى خياراتها وملامحها العامة.
في الختام، فالحرية ليست مجرد كلمة عابرة، بل هي طريقة الحياة فعلاً وقولاً، وهي من ضروريات الكرامة الإنسانية، وتُعَدّ ضوابطها جزءاً أساسياً من الحياة المشرّفة. فهي المعيار الأساسي لتحديد سلوكياتنا الشخصية في إطار البعد عن الممارسات الخاطئة واحترام القيم المجتمعية والمبادئ الأخلاقية.