الحرب بين أردوغان وداوود أوغلو… ورياح التغيير القادمة

رفيق إبراهيم

حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ورئيسها أردوغان سيدخلون في مواجهة مفتوحة تشبه حرب تكسير العظام، مع رفيق دربه حتى الأمس القريب أحمد داود أوغلو الذي قام بشن هجوم حاد ولاذع على الطريقة التي تدار من خلالها تركيا من قبل أردوغان حيث طوع كل شيء لحكم الفرد، وتعهد علناً بمحاسبة كل من تورط في أعمال غير قانونية في سنوات حكم صديقه أردوغان. وقال داود أوغلو، الذي أسس الشهر الماضي حزباً معارضاً باسم المستقبل، بأنه طوال سنين وجوده في حزب العدالة والتنمية، وحتى قبل الاستقالة منه في أيلول الماضي كان يعارض فكرة الانفراد بالحكم التي مارسها أردوغان، ومفهوم حزب الرجل الواحد والحاكم المتفرد بالسلطة.

أصدقاء الأمس أعداء اليوم

وفي مقابلة مع كبار كتّاب صحيفة قرار التركية قال داوود أوغلو لقد كنت شاهداً على ديكتاتورية الرجل الأوحد في قيادة تركيا، وكيف انتهى الحزب الذي يقوده، وبذلت الكثير من الجهود لمنع هذا ولكنني لم أستطع فعل ذلك، تحدثت مع أردوغان مرات عديدة وأوضحت له بأنه ليس لدي مشكلة قيادة وأنت من أسست هذا الحزب، وأن كل مشاكلنا الآن سببها أنه لا يوجد عمل مؤسساتي في الحزب وهذا ما سيؤدي إلى انهياره”.

وقد ثبت بالدليل القاطع أن الأحزاب المرتبطة بالأشخاص تنتهي بذهاب هؤلاء الأشخاص، حيث تكون نتيجة الغطرسة التي يمارسها ذلك الشخص نهاية وخيمة أو حتى انقلاب عليه، ومن الواضح والمسلّم به أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ينتظره أيام عصيبة وبخاصة أن أردوغان يحاول فرض قراراته الفردية على الحزب. وخلال فترة حكم أردوغان منذ 2003 وحتى الآن، حدثت الكثير من الأخطاء التي لا تغتفر في السياسة الداخلية والخارجية التركية. وفي السنين الأخيرة تدخلت تركيا بشكل مباشر في أزمات المنطقة وكان لها دوراً تخريبياً في سوريا والعراق، لتتدخل في شؤون دول تبعد عنها آلاف الكيلو مترات وليبيا خير دليل، وهذا ما أدى إلى تعرضها لهزات قوية على الصعيد الداخلي والخارجي سياسياً واقتصادياً، وبعد الغزو التركي لمدينتي سري كانيه/ رأس العين، وكري سبي/ تل أبيض، واحتلالها للمدينتين على الرغم من المعارضة الكبيرة للكثير من الدول لهذه العملية، وكان ترامب نفسه وعلى الرغم من السماح له بغزو شمال وشرق سوريا إلا أنه نصحه في رسالته لأردوغان بألا يقدم على خطوات متهورة في شمال وشرق سوريا ضد وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية قائلاً: (لا تكن أحمق)، وهذه العملية العسكرية أدت إلى زيادة الهوة والشرخ بين أردوغان والمجتمع الدولي نتيجة تعنته ورفضه الانصياع لهم.

 ومع ذلك فالأتراك لم يتمكنوا من فعل كل ما يريدون في سوريا لأنهم ارتكبوا أخطاءً لا تغتفر في سوريا، وحتى توقعاتهم ونظرتهم لم تكن بالشكل المثالي والسليم، والسياسة التي يتبعها حزب العدالة والتنمية هي سياسة تجاهل الشعب التركي في عمليات اتخاذ القرار في تركيا، وبخاصة منذ تسلّم أردوغان الرئاسة التركية.

الحرب الداخلية قادِمة لا محالة

التطورات الأخيرة في تركيا تنذر بأن الحرب الداخلية القادمة ستكون حرب ضروس بين أردوغان وداوود أوغلو، وبخاصة أنه تم تعيين حكومة أردوغان ثلاثة أوصياء على وقف العلوم والفنون الذي أسسه داود أوغلو وآخرون والذي تتبعه جامعة إسطنبول شهير، التي استولت عليها الحكومة التركية قبل أسابيع بحجة عجزها عن سداد قروض إلى بنك خلق المملوك للدولة، وأصدر الوقف بياناً أكد فيه أن هذا الموقف تعسفي وغير لائق، وخطوة قد تلحق أضراراً كبيرة بتقاليد الوقف التي تعود إلى مئات السنين من حيث النظام. وجاء هذا القرار بعد تصريحات اتهم فيها أردوغان كلا من داود أوغلو ونائبي رئيس الوزراء السابقين علي بابا جان، الذي يسعى أيضا لتأسيس حزب جديد، ومحمد شيمشك بالحصول على ملايين الدولارات من بنك خلق وعدم سدادها.

ويعتبر داوود أوغلو تدخّل أردوغان والاستيلاء على وقف العلوم والفنون، قد يكون لها تداعيات سيئة للغاية على الداخل التركي، لأنها ليست مؤسسة مرتبطة بشخص ما بل مظلة فكرية تعمل منذ منتصف التسعينات، وإن الاعتداء وفرض الوصاية عليها يخالف حرية الفكر والتعبير والعلم، متعهداً بالاعتراض بشكل قانوني على قرار فرض الوصاية عليها. في حين اعتبرت الأوساط السياسة في تركيا أن قرار فرض الوصاية على الوقف يهدف إلى الضغط على داود أوغلو، بعد أن سبق واتهمه بمنح أراضي بصورة غير قانونية لهذا الوقف، ولجامعة إسطنبول شهير عندما كان رئيسا للوزراء، وكان داود أوغلو قد أسّس الوقف عام 1986 مع رجل الأعمال البارز مراد أولكر.

خسارة أردوغان انتهاء لحلم السلطنة

 هذه الخطوة تزامنت مع خطوة أخرى استهدفت الضغط على داود أوغلو، حيث أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا قائمة الأحزاب المؤهلة للمشاركة في الانتخابات المقبلة المقررة في عام 2023، والتي تضمنت 15 حزباً سياسياً، ليس من بينها حزب المستقبل الذي أسسه داود أوغلو في الأسابيع الماضية. وادعت اللجنة العليا للانتخابات بأن حزب المستقبل لم يستوفِ الشروط اللازمة للمشاركة في الانتخابات المحتملة، وأن الأحزاب التي عقدت مؤتمراتها العامة قبل ستة أشهر من الأسبوع الثاني من كانون الثاني 2020 وتلك التي ثبت تنظيمها الحزبي في نصف المقاطعات التركية الـ81 على الأقل سيتم تزويدها بقائمة انتخابية، وقد فسر هذا الأمر من قبل المراقبين على أنه استهداف لحزب داود أوغلو، الذي عقد أول مؤتمر عام له في 13 كانون الأول الماضي.

وتتطلع العديد من الأوساط في تركيا إلى الأحزاب الجديدة، مثل حزب المستقبل، والحزب الذي يعد لإطلاقه نائب رئيس الوزراء الأسبق علي بابا جان، إلى أن مثل هذه الأحزاب سيكون لها دور في إضعاف دور حزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منذ 17 عاماً، والذي تعرض لضربة قوية وغير مسبوقة في الانتخابات المحلية الأخيرة في 31 آذار الماضي فقد فيها كبريات المدن وعلى رأسها إسطنبول، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وهبوط الليرة التركية بشكل غير مسبوق، وعدم الرضا عن سياسات حكومة أردوغان. ويحاول أردوغان بشتى الوسائل الممكنة وقبل الدخول في معركة الانتخابات المقبلة إحداث تغييرات في فريقه الرئاسي، بهدف تخفيف الغضب السائد في الشارع التركي، وبات معظم الأتراك يمتعضون من النظام الرئاسي الذي أصر عليه وأقره في 2018، هذا النظام الذي جلب لتركيا الويلات والانتكاسات داخلياً وخارجياً، والأيام القادمة حبلى بالكثير من المفاجئات التي قد لا يتوقعها أحد. وإذا ما استمر أردوغان بانتهاج تلك السياسة الحمقاء، التي لا تفكر بالأمور كما يجب أن تكون، سياسة تهميش الآخر والتفكير بتحقيق أحلام السلطنة العثمانية وحكم الفرد الواحد والتدخّل في شؤون الدول القريبة والبعيدة، فمن الوارد جداً وصول رياح التغيير إلى تركيا، تلك الرياح التي ستجري بغير ما تشتهيه سفن أردوغان وطغمته الحاكمة