الحرب الخاصة ضد روج آفا والشمال السوري ـ4ـ

دجوار أحمد آغا-

ثورة 19 تموز التي انطلقت من كوباني في روج آفا سنة 2012م، وامتدت إلى مناطق كثيرة في شمال وشرق سوريا، كانت مختلفة كلياً عما سُمّي “بالثورة السورية” فقد اختار أبناء روج افا نهج الخط الثالث المستقل، ليس مع النظام ولا مع ما يُسمى “بالمعارضة”، أساس هذا الخط بناء الإنسان وإعادة ثقته بنفسه، إلى جانب الحفاظ على المرافق العامة كونها ملكاً للشعب وتطويرها لخدمة المجتمع. قدم أبناء روج آفا وشمال سوريا تضحيات جسام في سبيل الوصول إلى مبتغاهم، من أجل أخوة الشعوب بعد تحرير مناطقهم من سيطرة المرتزقة الإرهابيين المدعومين من المحتل التركي وبشكل واضح ومفضوح وأمام أنظار العالم.

حرب دعائية إعلامية لتفتيت النسيج المجتمعي

عندما انتصرت هذه الثورة في بناء الذات وتحقيق طموح الشعوب في العيش المشترك والظفر بمكتسبات مهمة لكافة الشعوب، لم يرق هذا الأمر “للعثمانيين الجدد” حكام تركيا من التحالف الفاشي بين أردوغان والحزب القومي التركي، مع ما يرافق الأزمة السورية وتقلباتها، وضبابية المواقف الدولية في إمكانية الوصول إلى تحقيق الحل السياسي؛ مما دفع بالجهات المعادية لثورتنا وشعوبها إلى تكثيف هجماتها على مناطقنا ومعظم مناطق الشمال السوري، حيث قامت تحت تسميات مختلفة، بعيدة كل البعد عما تدّعيه، باحتلال مناطق مختلفة من الجغرافية السورية، بدءاً من اعزاز وجرابلس والباب، مروراً بعفرين وصولاً إلى كري سبي وسري كانيه. لم تكتفِ هذه الجهات وفي مقدمتها تركيا وقطر والنظام السوري والإيراني ومن يدور في فلكهم بهذه الحروب والاحتلالات، بل تقوم وبشكل يومي بممارسة حرب خاصة قذرة بحق ثورتنا.

بمعنى آخر؛ فإن هذه الأطراف تعمل على توجيه المجتمع في الاتجاه المناقض لمصالحه الحقيقية وخلق حالة من الهلع والخوف والقلق في النفوس، وبالتالي دفعها إلى الهرب والهجرة وترك المقاومة.

بدأت هذه القوى بحرب خاصة دعائية إعلامية تستهدف تفتيت النسيج المجتمعي المتماسك بفضل اختلاط دماء شهداء ثورتنا الديمقراطية، وتسعى هذه القوى والجهات المعادية لثورتنا إلى استنزاف شعبنا وإشغاله بأمور ثانوية وهامشية، لإلهائه عن المضي قدماً في تحقيق ثورته المجتمعية الديمقراطية، والتي أصبحت مثالاً يُحتذى به في الكثير من الدول التي زارت وفودها مناطقنا وشاهدت بأم عيونها حقيقة وصدق ثورتنا.

إن الحرب الخاصة الممارسة على مناطقنا، والتي يُصرف عليها أموال طائلة وتُخصص لها إمكانات هائلة، تعتمد على الحرب الدعائية بالدرجة الأولى من خلال بث دعاية التشكيك بمقدرة الثورة على الاستمرار، وأن المكتسبات التي حققتها هي مؤقتة وسوف تنتهي بمجرد حدوث عملية عسكرية ضدها من المتربصين بإفشالها، محاولة بذلك وضع العصي في عجلة الثورة بُغية منعها من تحقيق المزيد من المكتسبات، والتركيز على مشاريع البناء والتنمية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في ظل الحصار المفروض عليها. كما تسعى إلى زرع الشقاق بين أبناء شعوب المنطقة، وبخاصة الكرد، حيث تنشر الدعايات حول تخلي ثورة روج آفا عن القضية القومية الكردية، وأنه ليس لديها مشروع حل للقضية الكردية، وأنها تخلت عن كل ذلك لصالح المناطق العربية، وفي المقابل تروج بين العرب وغيرهم مدعية بأن ثورة روج آفا والإدارة الذاتية الديمقراطية مشروع مشابه لإقليم باشور كردستان، وأن الإدارة الذاتية تسعى لتقسيم سوريا وبناء دولة كردستان، في محاولة يائسة منها للحد من التفاهم والتقدم والإدارة المشتركة بين شعوب المنطقة وخاصة الشعبين العربي والكردي.

 الجانب الآخر من هذه الحرب الدعائية يكمن في تحضير الأرضية المناسبة لزرع العملاء والجواسيس داخل مؤسسات ودوائر الإدارة الذاتية، وقد استطاعت في بعض الحالات تجنيد البعض من ذوي النفوس الضعيفة الذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية بعيداً عن المصلحة العامة، بحيث ينضم هؤلاء إلى مؤسسات الإدارة بهدف تشويه سمعتها من الداخل، من خلال العمل على خلق الفوضى وتأخير معاملات الناس، وعدم استقبالهم بالشكل اللائق والمناسب، خاصة العوائل الوطنية وعوائل الشهداء، مما يدفع بهؤلاء للابتعاد عن الإدارة وتركها عرضة للمتسلقين والانتهازيين.

إضافة إلى ذلك فهي تنتهج سياسة عداء واضحة ومكشوفة ضد الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتسعى من خلال استغلالها واستخدامها لعدد من أصحاب الأقلام مدفوعة الثمن واستخدامهم كمرتزقة من خلال كتاباتهم المعادية للإدارة الذاتية، فالارتزاق ليس حكراً فقط على حامل السلاح بل هناك مرتزقة القلم وهم أخطر بكثير من أصحاب البنادق، فهم يبثون سمومهم ضد الثورة والمناضلين ويسعون دوماً إلى تشويه سمعتهم والعمل على تفرقة الشعب الملتف حول الإدارة، ونشر الأخبار الملفقة والكاذبة بين شعوب المنطقة، يحاولون إيهام الناس بأن الإدارة هي المستهدفة وعلى وجه الخصوص الكرد، الذين كانوا وما زالوا طليعة الثورة والثوار في تقديم التضحيات في شتى المجالات.

تضليل الشعوب من أهداف الحرب الخاصة

لا تقف الحرب الخاصة الموجهة ضد روج آفا وشمال سوريا عند هذا الحد، بل يسعى القائمون عليها إلى تضليل شعوبها من خلال الادعاء بأنها إنما تقوم بهذه الحرب الاستباقية، كون هذه الثورة تشكل خطراً على أمنها القومي، والمتابع للواقع الميداني في ثورة روج آفا منذ انطلاقتها وحتى الآن، يكشف زيف وبطلان مثل هذه الادعاءات كون المفهوم العسكري الذي قامت عليه هذه الثورة وقواها العسكرية، هو حماية الشعب والدفاع عنه، وليس الهجوم على أحد، ومنذ انطلاقة الثورة لم تُطلق رصاصة واحدة من أراضي روج آفا على الآخرين والجوار، إلا للرد على الاعتداءات والقصف المتكرر الذي يستهدف القرى والبلدات الحدودية باستمرار.

تغيير ديمغرافية المناطق المحتلة

كما أنها تضلل الرأي العام العالمي من خلال الادعاء بقيام الإدارة الذاتية الديمقراطية وقواها العسكرية بعمليات تغيير ديمغرافي في المناطق التي تحررها، وكلنا يعلم أن دولة الاحتلال التركي هي التي تروج لذلك، علماً بأنها هي من تقوم بتلك التجاوزات والاعتداءات اللاأخلاقية بحق أبناء المناطق المحتلة والخاضعة لسيطرتها وسيطرة المجموعات المرتزقة الموالية لها، فقد تجاوزت كل الأعراف والقوانين والقيم الإنسانية، وهي من تقوم بعمليات التغيير الديمغرافي وتُهجر أبناء هذه المناطق، كما أنها تغير من طبيعة المناطق التي تحتلها منتقمة من الشعب والطبيعة ذاتها من خلال اقتلاعها  للأشجار من جذورها.

بالحماية الذاتية نتصدى للحرب الخاصة

لمواجهة هذه الحرب الخاصة والممارسات القذرة التي تمارسها الأجهزة المختصة والمتفرعة، لدى الأطراف التي تعادي ثورتنا، بحق إدارتنا الذاتية الديمقراطية وكافة مؤسساتنا الخدمية والمدنية وكذلك العسكرية، لا بد لنا من تقوية الحماية الذاتية للشعب من خلال تدريبه وتطوير مفاهيمه الفكرية وتطوير السياسة الديمقراطية، كما يجب علينا جميعاً أن نتحلى بالوعي والمعرفة الكافية من الناحية الفكرية والسياسية ونستوعب أهداف هذه السياسات، ونعمل على توجيه وتنظيم الشعب والمجتمع بكافة فئاته وشرائحه بحيث يكون قادراً على التصدي لمحاولات التغلغل وخلق الفتن بين أبناء الشعب الواحد، بروح ثورية واثقة من نفسها بالدرجة الأولى وثقة لا تتزعزع بقيادتها السياسية والعسكرية، وتستوعب التحديات والصعوبات وتعمل وفق نهج الأمة الديمقراطية والعيش المشترك وأخوة الشعوب.