الحرب الخاصة الممارسة بحق الشعب الكردستاني ـ3ـ

دجوار أحمد آغا-

الحرب الخاصة التي تُمارس بحق الشعب الكردستاني ليست وليدة اليوم، فهي قديمة تعود الى عهود غابرة، لكننا سنتحدث عن هذه الحرب في العصر الحديث، ويمكننا أن نعتبر أن تشكيل عبد الحميد الثاني 1842 – 1918م الألوية أو الخيالة الحميدية سنة 1885م من أبناء العشائر الكردية نقطة انطلاق هذه الحرب ضد الشعب الكردستاني. هذا الشعب الذي يتعرض منذ ذلك التاريخ، وبشكل ممنهج من جانب قوى الهيمنة العالمية وصنيعتها الأنظمة المحتلة والغاصبة لكردستان، إلى الإبادة الثقافية وفقدان وضياع الهوية، رغم أنه من أقدم الشعوب في جغرافية الشرق الأوسط، ولا زال يُكافح ويُقاوم من أجل إثبات وجوده بين شعوب وأمم العالم. الشعب الذي أسس حضارات عظيمة وقاد تحالفات شعوب وأسقط إمبراطوريات وبنى ممالك وإمارات يشهد لها التاريخ بالرقي والحضارة، لم يستغل الدين يوماً ما، على العكس من جيرانه العرب والفرس والترك الذين استخدموا الدين الإسلامي لبناء دول وإمبراطوريات وسلطنات تحكم وتحتل شعوباً وأقواماً باسم الإسلام، وتفرض عليهم لغتها وعاداتها وتقاليدها، إضافة الى استخدامهم الدين كحصان طروادة للسيطرة على الشعب الكردي، وباسم الفتوحات الإسلامية تم احتلال مدنه وبلداته الواحدة تلوى الأخرى، وتم خلق حالة من الاقتتال الداخلي والصراع الهامشي كأحد أبرز أساليب الحرب الخاصة والإبادة الثقافية الممارسة علينا حتى الآن.

الهدف المعلن لتشكيل (الألوية الحميدية) كان لاستمالة الكرد إلى جانب العثمانيين في حربهم ضد الروس، لكن الهدف الحقيقي كان لاستخدامها في ارتكاب المجازر بحق الشعوب (الأرمن – السريان – الآشور – وحتى الكرد أنفسهم)، حيث تم استخدامها في قمع الانتفاضات والثورات الكردية. كانت هذه الألوية بمثابة أداة بيد العثمانيين لقمع وقتل الشعوب بيد أبنائها، حيث أوصلت هذه الألوية الصراع والاقتتال الداخلي الكردي الكردي إلى الذروة. ألبت العشائر المختلفة والمذاهب والأديان ضدّ بعضها البعض بسلاح هذه الألوية وبإشراف مباشر من قبل جمعية الاتحاد والترقي التي أصبحت العقل المخطط لهذه الألوية.

بعد تقسيم كردستان إلى أجزاء أربعة على إثر اتفاقية لوزان المشؤومة سنة 1923م، والتي تم فيها التنكر للاعتراف الدولي الذي تم في اتفاقية سيفر1920م، بحق شعوب السلطنة العثمانية في التحرر وخاصة الشعب الكردي والأرمني؛ ازداد الوضع سوءاً بعد تفرد كل دولة من الدول الأربعة المحتلة والمهيمنة على جغرافية كردستان، وسعيها المستمر من أجل القضاء على الشعب الكردستاني وصهره بينها، حيث قامت كل دولة من هذه الدول بتطوير مشاريع تصفية الشعب الكردستاني، عبر إنشاء حُراس القرى والجحوش والعملاء والجواسيس من الكرد أنفسهم، إلى جانب العمل على الإبادة الثقافية من خلال عمليات التعريب والتتريك والتفريس وبدعم مباشر من قوى الهيمنة العالمية.

 يمكننا تلخيص أهم عمليات الحرب الخاصة الممارسة ضد الشعب الكردستاني على يد الأنظمة المحتلة والغاصبة لكردستان على الشكل التالي:

– إنكار الهوية الكردية

وذلك من خلال منع التحدث والتكلم باللغة الكردية واعتبار ذلك جرماً يعاقب عليه القانون، من الأمثلة والنماذج عن ذلك إصدار النظام البعثي في سوريا قرار بمنع التحدث في المدارس ودوائر الدولة إلا باللغة العربية، وكذلك قرار النظام التركي باعتقال وسجن كل من يذكر كلمة كُرد أو كُردستان.

– زرع الرعب والخوف في نفوس الشعب بالاستخدام المفرط للقوة وممارسة القمع الوحشي بحقه

 وهناك الأمثلة الكثيرة على ذلك كثورة وانتفاضة كوجكيري – آكري (آرارات) – ديرسم – حملات الأنفال – حلبجة – انتفاضة قامشلو.

-التغيير الديمغرافي للسكان والمناطق

 من خلال تهجير السكان الكرد وتوطين أتراك وفرس وعرب مكانهم، إلى جانب تغيير أسماء المدن والبلدات والقرى الكردستانية وإطلاق أسماء عربية أو تركية أو فارسية عليها، بعيدة كل البعد عن طبيعة الاسم الحقيقي، وذلك بهدف إبادة الإرث التاريخي ليس فقط للشعب الكردي، ولكن لكل الشعوب الأصيلة في المنطقة. الرها أصبح اسمها أورفا وديرسم أصبح اسمها تونجلي وآمد أضحت دياربكر وهولير سُميت أربيل وديرك غيروها إلى المالكية… إلخ.

– العمل على كسب الجزء غير الوطني الذي يعمل من أجل مصلحته الشخصية من الطبقة الإقطاعية الكردية

وذلك من خلال تعيينهم في بعض المناصب وإن كان شكلياً، ليتم استخدامهم فيما بعد في تبييض وجهها أمام الرأي العالم العالمي من جهة، ولاستخدامها في مواجهة أبناء جلدتها في الانتفاضات أو المظاهرات التي تقوم بها الشعوب ضد هذه الأنظمة الرجعية من جهة أخرى.

– سرقة الفن والتراث الفلكلوري الكردستاني

 حيث تم استخدام قسم ممن يُطلق عليهم لقب فنانين وهم بعيدون كل البعد عن الفن النبيل، من أبناء الشعب الكردي نفسه وتم من خلالهم سرقة الأغاني والألحان التراثية والفلكلورية الكردية، وتنسيبها إلى ثقافة وتُراث المحتل. إنهم يسرقون أولاً ثمار الفن الشعبي الكردي والموسيقى والألحان الكردية، ومن ثم يعرضونها على أنها من “الفلكلور والموسيقى الشعبية التركية” وبعدها يمنعون الموسيقى والغناء الكردي، لا بل وصل بهم الأمر إلى قتل من يستمع إلى أغنية أو حتى موسيقى كردية.

– الإبقاء على سيطرة القيادات الإقطاعية والعشائرية على الحركة السياسية الكردستانية بشكل عام وفي باشور كردستان بشكل خاص

 منذ عشرينيات القرن الماضي وهناك حرب خاصة تُدار من جانب قوى الهيمنة العالمية ضد الشعب الكردستاني وقضيته، فهي بالأساس من قسم وطنه الأم ووزعه على أربع دول، وهي من صنعت مملكة كردستان ونصبت الشيخ محمود الحفيد (البرزنجي) ملكاً عليها وهي نفسها من صنع إقليم باشور كردستان للتحكم بجميع أجزاء كردستان، والسيطرة على الطاقة الثورية الكامنة للشعب الكردي وتحريفها عن مسارها الحقيقي. فالزعم بترسيخ الإدارة الكردية في باشور كردستان، نراها كيف تتحول على أرض الواقع إلى جعل باشور مرتعاً للقوات التركية المحتلة، ومركزاً للقبلية والعشائرية المتحكمة بالشعب الكردي، والتي تخلت عنه في أصعب الأوقات (هجوم داعش على شنكال – الهجوم العراقي على كركوك) والآن تعمل جاهدة لمواجهة الخط الثوري ونهج المقاومة الذي يقود الشعب الكردستاني في مسيرته نحو الحصول على حقوقه المشروعة، في الحرية والديمقراطية بعيداً عن الاستسلام للإملاءات من جانب العدو المحتل في سائر أجزاء كردستان.

– الحزام العربي والإحصاء الاستثنائي بحق إقليم الجزيرة في روج آفا

نتيجة لتوافد العديد من المثقفين والثوار والمناضلين الكرد من بقية أجزاء كردستان إلى روج آفا بعد فشل الثورات والانتفاضات الكردية، أدى إلى تطور وازدهار الحركة السياسية والثقافية الكردية والكردستانية في هذا الجزء الصغير من كردستان، خاصة في فترة الانتداب الفرنسي. وبعد وصول نظام البعث العنصري إلى سدة الحكم ولسد الطريق أمام هذا التطور، وإرضاء للنظام التركي الفاشي تم وضع خطة لفصل المناطق والقرى الكردستانية على طرفي الحدود المصطنعة بين باكور وروج آفا، وذلك من خلال إسكان وتوطين أبناء القرى من منطقة الطبقة الذين غمرت مياه الفرات قراهم، بعد إنشاء سد على النهر سنة 1966، في الشريط الحدودي بعرض عشرة إلى خمسة عشرة كيلومتر عن الحدود، على امتداد اكثر من 350 كم، حيث تم بناء قُرى نموذجية لهم وتم تخديمها بوحدات إرشادية وتأمين المياه والكهرباء والمدارس النموذجية عام 1974م، والأهم من ذلك منحهم الأراضي الزراعية من أملاك المزارعين والفلاحين الكرد، والتي تُقدر بأكثر من ثلاثة ملايين دونم. إلى جانب ذلك قرر نظام البعث إجراء إحصاء استثنائي فقط لأبناء الجزيرة بتاريخ 5/10/1962م، تم بموجبه تجريد أكثر من 150 ألف شخص من الجنسية السورية، والتي لا تزال تأثيراتها مستمرة حتى الآن.

– بناء الاتفاقات والتحالفات بين القوى المحتلة لكردستان بهدف التعاون المشترك ضد الشعب الكردستاني

دوماً كان هناك اتفاق وتعاون بين القوى المحتلة لكردستان وخاصة بين تركيا وإيران رغم أنهما مختلفان في الكثير من الأشياء المهمة، دينياً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، إلا في مسألة الشعب الكردستاني فإنهم يتفقون منذ ميثاق سعد آباد الذي عُقد في 8 تموز 1937 بقصر سعد آباد بالقرب من طهران وشاركت فيه إلى جانب إيران وتركيا، كلٌّ من العراق وأفغانستان، وكان هدف هذا التحالف بالدرجة الأولى أمنياً وموجهاً ضد الشعب الكردستاني إلى جانب الوقوف في وجه التمدد السوفيتي وقتها, وصولاً إلى محادثات الأستانة اليوم التي تضم أيضاً كلّاً من تركيا وإيران والنظام السوري وبرعاية روسية. كذلك اتفاقية أضنة الموقعة بين نظام أردوغان والأسد بتاريخ 20/ 10/ 1998م في أضنة وبرعاية حسني مبارك الرئيس المصري الأسبق وكذلك إيران وهي موجهة بشكل خاص ضد حركة حرية كردستان.

هذه جميعها نماذج من الحرب الخاصة التي تستهدف الشعب الكردستاني برمته، ناهيك عن غزو المسلسلات والأفلام التركية والإيرانية لعقول الشعب الكردي، إلى جانب العمل على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية بين أبناء الشعب الكردستاني.

سننشر يوم الأحد القادم في الحلقة القادمة الحرب الخاصة ضد روج آفا.