الحثيون

محمد عزو_

يعدُّ الحثيون أقدم جماعة هندو – أوروبية معروفة، قامت في القرون الأخيرة من الألفية الثالثة قبل الميلاد بالهجرة، قادمة من شواطئ البحر الأسود نحو الخزر والأناضول. واستقرت في منطقة “كباكوديا” عند منعطف نهر “كزيل إزماك”.

من هذه الجماعات المتدفقة جماعة شكلت نواة وأجداد الحثيين، وعلى ما يبدو أن هذه الجماعة بلغت في هجرتها أرض الأناضول عبر البلقان ومضيق البسفور، حيث أنهم استقروا بين/2300 – 2000/ قبل الميلاد في أواسط هضبة الأناضول وتسميتهم حثيين اشتُقت من “حاثي” أو “حاثيت” شعوب المنطقة الأصليين، ويرى المؤرخون أن هناك عناصر كثيرة “حاثية” أدخلها الحثيون، وتبنوها في تكوين حضارتهم الحثية أو الحيثية سيما في المعتقدات الدينية وفي التعدين.. لغة الحيثيين تدعى “ناشيلي” Nashili” ويعود الفضل لمعرفة وتطور لغة “ناشيلي” أي لغة “نيزا” “Nesa” إلى النصوص الآكادية والآشورية والحثية، ونيزا مدينة حيثية لم يعثر عليها حتى الآن. ومن خلال النصوص الكتابية آنفة الذكر تم معرفة أن أول ملوك الحثيين هم “بيتخانازPitkhanas” ونجله أنيتاس”Anittas”، وفي زمن المدعو “هاتوسيلي HattusIli” كبرت إمبراطورية الحيثيين وتوسعت حتى سوريا. وكان ابن حاتوسيلي بالتبني قد قاد حملة عسكرية على بابل وذلك في سنة/1595/ قبل الميلاد.

في القرن الرابع عشر قبل الميلاد عاد الحثيون إلى مسرح الأحداث بعد غياب طال نصف قرن، ففي عام/1460/ قبل الميلاد استلم دالياس الثاني دفة الحكم وهو يعدُّ مؤسس الإمبراطورية الحثية الجديدة التي كان لها امتداد واسع في الأناضول وشمال سوريا. بعد عام/1300/قبل الميلاد يتوقف المد الحثي نتيجة اصطدام الحثيين وحلفائهم السوريين مع جيش ملك مصر “رمسيس الثاني” في “قادش ” (تل النبي مند في سورية). وآخر ملوك الحثيين هو “سوبيلو ليوما الثاني” الذي تبوأ العرش سنة /1215/قبل الميلاد.

في عام /1200/ قبل الميلاد اختفت الإمبراطورية الحثية فجأة وكان حالها حال أغلب دول الشمال السوري لأسباب ما تزال مجهولة. إلا أن الحثيين لا يختفون كلياً من الساحة السياسية إذ نجد لهم تواجداً قوياً في شرقي آسيا الصغرى، وفي الشمال السوري، في أوائل الألف الأول قبل الميلاد، ونجدهم مع الشعوب المحلية ومؤسسين لممالك صغيرة حيثية – جديدة أو سورية -حيثية مثل ملاطية، كركميش، مرعش، تل حلف، زنكرلي، ولغتهم القريبة من الحيثية المسمارية التي تكتب بحروف هيروغلوفية.

حثيون أو حيثيون من أخذوا كثيرا من الشعوب الذين مكثوا معهم، ولكنهم في الوقت نفسه خلقوا فناً مميزاً قوياً صلباً وفي كثير من الأحيان نجده جافاً، فقد كانت مدن الحثيين محاطة بأسوار ضخمة تتخللها أبواب صرحية، وهم أول من أدخل فن الأورتوستات في العمارة المزخرف بالعناصر البارزة والناتئة. واعتمدوا المنحوتات على اختلاف أشكالها خاصة المستقلة منها كالأسود العملاقة. والحثيون هم ورثة الأناضوليين، لقد كانوا معدنيين بارعين، ساهم ذلك في غنى آسيا الصغرى وتطورها بالتعدين من إنتاج النحاس، والرصاص، والفضة، والحديد، والقصدير، والمادة الأخيرة ساعدتهم على صهر البرونز وتصنيع الحديد في أواسط العصر البرونزي.