الجُموح الأردوغاني ومُؤشرات سُّقوط الدولةِ التركيَّة

حسام إسماعيل –

يبدو أن الأطماع الاستعمارية للدولة التركية بقيادة حكومة أردوغان الإخوانية بدأت تتبلور بشكل واضح وفاضح أمام المجتمع الدولي، والدول الأخرى الطامعة التي التزمت الصمت إزاء ما يحدث من تمدد إخواني واضح في ليبيا وحوض المتوسط، لا يمكن الاستخفاف بالدور التركي الجديد في المنطقة في وقت يحاول فيه أردوغان استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، بالمقابل هنالك دور يلعبه الإيرانيين في المنطقة من خلال التواجد العسكري في سوريا، وهذه القوى تعمل على تحقيق مكاسب من خلال التوسع والهيمنة في ظل الفوضى والانهيار الذي تُعاني منه منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عام.

هذه  التحركات المشبوهة للدول الاستعمارية، والسباق المحموم للهيمنة على أكبر مساحة ممكنة من مناطق النفوذ تأتي بعد مرور مئة عام على مؤتمر سان ريمو 1920الذي قسم فيه الشرق الأوسط تحت إشراف دولي بين الدول المستعمرة آنذاك (بريطانيا وفرنسا)، وتقسيم ميراث الرجل المريض (الدولة العثمانية)، الذي أعاد هيكلتها مصطفى أتاتورك على أساس علماني، وحال دون سقوطها، لأنَّ الرجل كان على درايَّة تامة بالوقائع المُحيطة به، ويدرك تماماً حجم دولته، ومكانتها الجيوسياسيَّة آنذاك حيث عمل للتصالح مع محيطه، وبناء دولته من جديد.

الآن أردوغان الذي غره جنون العظمة، وأصبح يتصرف تصرفات غير مقبولة، كما فعل هتلر في الحرب العالمية الثانية عندما قاد شعبه وشعوب العالم إلى حربٍ طاحنة أدت إلى سقوط ألمانيا النازية، وتدميّر معظم الدول الأوربيَّة، ومقتل الملايين بسبب السياسة الرعناء وغير المنطقيَّة التي اتبعها، والآن أردوغان يحذو حذو هتلر بعدما كان يتبع سياسة (صفر مشاكل) ليجر تركيا إلى المشاكل والأزمات الداخلية والخارجية.

الأمر الغير مفهوم بالنسبة للعالم هو إلى متى سيُعطى الرجل ضوءً أخضرً من قبل الأميركي والروسي والإسرائيلي؟!، وهل سيستمر في كسب مناطق نفوذ أخرى سواء في ليبيا و(منطقة حوض المتوسط) بعد جره إلى المستنقع السوري؟، وهل ستصمت الدول المتأثرة بالتحركات المريبة لتركيا في مناطق تمس الأمن القومي لها، مع عقد عدة اجتماعات ومؤتمرات بين دول كمصر واليونان وقبرص التي أثار حفيظتها التحرك العسكري التركي في منطقة حوض المتوسط  وإدانتها للتصرفات التركية للتنقيب عن النفط والغاز، وإرسالها المستمر لشحنات عسكرية عبره.

إلى الآن لم تصطدم الاستراتيجية الاحتلالية التوسعية التركية بأي معوقات كبيرة في سوريا، على الرغم من وجود رأي مختلف لروسيا في مناطق كإدلب لكبح جماع التوسع التركي في تل المنطقة، وتقاسم طريق M4، على عكس نظريتها إيران التي تواجه مشاكل وجودية كبيرة في سوريا التي حد منها الضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية المتكررة لقواعدها في سوريا، إلى جانب تطبيق قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على النظام السوري الذي أصبح جزء من سياسة إيران، واحتمالية خضوعه للعقوبات المفروضة التي تتضمن خروج الإيرانيين من سوريا.

بالعودة إلى السياسة التركية في المنطقة أعتقد بأن الأمر مختلف بالنسبة للتواجد العسكري التركي في سوريا عنه في ليبيا التي يثير دعم الأتراك لحكومة السراج الإخوانية فيها انزعاج أوروبا التي تعاني مشاكل كبيرة كتدفق اللاجئين عبر الحدود الليبية إلى أراضيها، وما تشكله هذه الموجات من مشاكل محتملة كتصدير الإرهابيين عبر حدودها مع العلم أن السواحل الليبية على مرمى حجر من إيطاليا، إلى جانب التنقيب غير الشرعي عن النفط والغاز الذي أعلنت عنه تركيا، والذي من شأنه زياد التوتر في المنطقة.

 المخطط التوسعي والاستعماري الجديد لتركيا يفوق قدرة الاقتصاد التركي على التحمل، هنالك من يعي تماماً المشكلة التي وضع أردوغان دولته فيها، لذلك خرجت أصوات معارضة لسياسة أردوغان التوسعية في الداخل التركي، لمواجهة النظام التركي والنتائج التي ستنعكس سلباً على تركيا دولة وشعباً والتي لطالما وصفها محللون بالسياسة الرعناء وغير محسوبة العواقب، وستقودها إلى مجابهة تحالفات كبيرة قد تتبلور في القريب العاجل.

هناك حدود لابتزاز تركيا تجاه المجتمع الدولي والأوروبيين على وجه التحديد، ومؤشرات كبيرة لتغيير النظام الإخواني التركي عبر تزايد الأصوات المعارضة، والانشقاقات من قبل سياسيين كانوا بالأمس القريب من الأصدقاء المقربين لأردوغان بسبب سياسة الإقصاء والتحييد التي يتبعها بحقهم، وبحق كل معارض لسياسته التفرد بسلطات الدولة التركية.