التوازن الاقتصادي والمجتمعي نتاج عمل المرأة

تقرير/ بيريفان حمي –

في قديم العصور قبيل خمسة آلاف سنة قبل الميلاد اكتشفت المرأة الزراعة واستخدمتها في الحصول على الطعام منذ بدء التكوين المجتمعي (الكلان)، وكانت الأم تقوم بإجراء التجارب على نفسها قبل إطعام أسرتها من تلك الأغذية والأعشاب المكتشفة لتُجنِّب أسرتها الأضرار، بالإضافة إلى أنها كانت تقوم بتدبير أمور منزلها وأولادها، إلى أن قام الرجل الماكر بسلب حقوقها ومكتسباتها كاملةً واستغلال كدحها.
المرأة أمُّ العلوم والاكتشافات وهي أساس بناء المجتمع الاقتصادي الكومينالي؛ فبعد الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في الشمال السوري، وبسبب قمع حقوق المرأة من قبل الذهنية الذكورية، وفي الوقت الراهن أنشئ اقتصاد المرأة في روج آفا وشمال سورية على أساس التشاركية بعيداً عن الرأسمالية والسلطة الذكورية، والقيام بتنمية اقتصاد المرأة وتقوية المشاريع، فبدأ العمل ببناء الجمعيات التعاونية (الكوبراتيفات) من خلال المشاركة بأسهم ضمن تلك التعاونيات والمشاريع الأخرى، وبذلك استطاعت المرأة استرجاع حقوقها المسلوبة، ففي الوقت الراهن أصبحت المرأة القيادية في جبهات القتال والسياسية والإدارية في الأعمال الحياتية كافة.

بناء اقتصاد لا يهدف إلى الفائدة المادية

ولمعرفة المزيد عن الأعمال والمشاريع التي تقوم بها المرأة خلال عامين من تجربتها كان لنا لقاء مع نائبة اقتصاد المرأة في إقليم الجزيرة بالشمال السوري حورية شمدين وحدثتنا قائلة: «نريد أن نبني اقتصاداً غير الذي بني على يد الدولة والذي يهدف إلى الحصول على الفائدة المادية فقط، ولا حسب الذهنية التي مورست على المرأة منذ آلاف السنين، وكما هو معلوم فإنَّ المرأة هي أم اكتشافات الزراعات والاقتصاد؛ والآن نريد أن نكتشف الفرق بين اقتصاد الدولة والذهنية الذكورية واقتصاد المرأة الذي بنته الإدارة الذاتية الديمقراطية في الشمال السوري والذي يهدف إلى خلق توازن بين فئات المجتمع، فعن طريق التعاونيات نستطيع خلق هذا التوازن المجتمعي لأنَّه هو الذي يعمل ويدير ويدر الفوائد على المجتمع بأكمله».
وأضافت: «نحن كمركز اقتصاد المرأة نقوم بتغيير تلك الذهنية، ولكي تتعرف المرأة على ذاتها وقوتها وإدارتها للمشاريع بنفسها، في البداية يجب أن نقوم بتغيير الذهنية الذكورية فإن لم تتغير الذهنية سوف يكون العمل على أرض الواقع صعباً جداً؛ وبداية العمل تكون بالتدريب ومعرفة المرأة والاقتصاد، وعن طريق المشاريع والتعاونيات الموجودة في الشمال السوري يكون هناك عمل حقيقي، وكل ما هو عائد للمرأة وهي تستطيع أن ترى نفسها في المجال ذاته. فالمجتمع يعرف أن القسم الصناعي هو كل ما يتعلق بالمعامل والمصانع والآلات، ولكن في مفهوم اقتصاد المرأة هو أن تقوم المرأة بصناعة المؤونة الشتوية في فصل الصيف من أجل فصل الشتاء، (خبي قرشك الأبيض ليومك الأبيض)، هذا ما نسميه القسم الصناعي، وإن كل ما تقوم المرأة بصناعته يدوياً يعتبر صناعة».

بُنيت بعيداً عن الرأسمالية

ولأن المرأة تريد أن تسترجع كل ما كان طبيعياً وبدائياً، ولهذا السبب بنيت قرية المرأة الخاصة (جن وار) بعيداً عن الرأسمالية وصناعة الإسمنت.
المرأة قديماً كانت تذهب إلى الحقول والأراضي الزراعية منذ ساعات الصباح الباكر وإلى أوقاتٍ متأخرة، والرجل كان يقبض أتعاب المرأة وكدحها في العمل، لكن المرأة الآن تعمل في الجمعيات التعاونية، حيث تقوم بربط الأعمال كافة كسلسلة مع بعضها البعض مثل جمعيات المواشي والزراعة والتجارة والصناعة.
كما أن المرأة تساهم في جمعيات المولدات الكهربائية وتحتاج إلى بعض الوقت لترى أنَّها قادرة على إدارة هذه الجمعيات، فالمرأة باستطاعتها أن تقوم بإعمار كل ما تحتاجه.

الفراشة (PEPOLE) تضاف إلى سلسلة الجمعيات التعاونية

ونوهت حورية: «بالإضافة إلى عمل المرأة في الأفران أيضاً، افتتح بتاريخ 23/4/ 2018م سوقٌ مركزي في ديرك باسم ببولة أي (الفراشة) ليضاف إلى سلسلة الجمعيات التعاونية والاتحادات النسائية في مجال الاقتصاد الكومينالي النسائي، والهدف منها هي كسر احتكار التجار، وبسبب ذهاب منتجات الجمعيات التعاونية (الكوبراتيفات) إلى يد التجار الأمر الذي يتحكمون بأسعاره أيضاً، قرر مركز اقتصاد المرأة إنشاء سوق لبيع منتجات وأعمال كل ما تصنعه المرأة في ذلك السوق، وإدارة الكوبراتيفات نفسها بنفسها، كما تم التعاقد للعمل في محلات سوق ببولة على سنتين دون إعطاء الفائدة إلى أية جهة، كما أن الفائدة تعود للشخص الذي يعمل ضمن المحل، ونستطيع القول: لا أجار ولا فائدة في تأجير المحلات».
يحتوي سوق PEPOLE على 21 محلاً تجارياً، تديره المرأة لتكون أبوابه مفتوحة أمام جميع الأهالي للتسوق وشراء مستلزماتهم، ولكن هناك 12 محلاً لم يتم تأجيرها، كما يمنع بيع بعض المواد التي تضر بالمجتمع والصحة مثل الدخان وغيرها في السوق، كما أن قسم مركز اقتصاد المرأة كان يشرف على جميع الخطوات في تجهيز السوق.

افتتاح الأسواق الخاصة بالمرأة يمنح طابعاً كومينالياً

والجدير بالذكر أنه يباع فيها كل ما يخص المرأة وكل ما تصنعه المرأة من كونسروة ومربيات ومخللات ويتم بيعها بأسعار أقل من أسواق المدينة.
وأشارت حورية: «هناك مشروع لافتتاح سوق في عامودا ويسعى المركز ليكون شبيهاً بسوق ببولة ومنحه طابعاً مختلفاً، حيث تم تجهيز هيكلية السوق الأساسي من الخارج والداخل ويتم دراسة ما يجب أن يباع داخل هذا السوق، بالإضافة إلى فتح سوق سري كانيه، وكل سوق سوف يكون له لون معين ومختلف عن الآخر، وخلق توازن اقتصادي في إقليم الجزيرة، كما أننا نسعى إلى فتح مشاريع جديدة ونوعية ففي مدينة درباسية تم فتح مدجنة للفروج، وسوف نقوم بفتح مشروع دجاج طبيعي في الحسكة».
قام اقتصاد المرأة بعقد اجتماعات في قرى ناحية عامودا التي تكون غالبية سكانها من المكون العربي، وتم معرفة احتياج المواطنين ومستلزماتهم، وهناك مشاريع قيد الدراسة وذلك حسب جغرافية المنطقة، حيث تم إنشاء فرن وجمعيتين للمولدات الكهربائية في تربة سبية.
وحسب نظام فيدرالية شمال سورية تم فصل مدينة قامشلو والحسكة عن بعضهما، فأصبحت كل منهما مقاطعة ضمن إقليم الجزيرة، وينظم العمل حسب المقاطعة من إقامة المشاريع وحسب احتياجات المواطنين تتم الموافقة على تلك المشاريع.
أما بالنسبة للزراعة فبسبب تأخُّر الأمطار عن مواعيدها المحددة، فإن موسم هذا العام تعرض لخسائر فادحة، ففي ديرك كانت الزراعة بشكل عام جيدة لأن أمطارها هطلت في أوقاتها، كما أن هناك قوانين بخصوص تطبيق الدورة الزراعية في بعض المناطق بسبب تعرض تربة الأراضي الزراعية إلى الكثير من المشاكل وهشاشة التربة نتيجة استعمال الأسمدة الكيماوية بكثرة، والعمل على حماية الأراضي وتحسين البذار وتقويتها ونوعيتها.