التعليم خارج المدرسة يستقطب أطفال إدلب.. والأسباب أمنية واجتماعية ومعيشية

 تجمع سميحة الحسين (33 عاماً)، وهي من سكان مدينة إدلب شمال غربي سوريا، عدداً من الأطفال في منزلها كل صباح بهدف تعليمهم المبادئ الأساسية للقراءة والكتابة، في ظل امتناع أهالي الأطفال عن إرسالهم للمدارس والمؤسسات المختصة.

وتختلف الأسباب بين انعدام الأمان أو عدم وجود مدارس في المنطقة أو عدم قدرة العائلة على تحمل تكاليف التعليم الخاص، بالإضافة لامتناع بعض الآباء عن تعليم الإناث. وتحصل “سميحة” لقاء عملها هذا على عائد مادي “رمزي”، بحسب تعبيرها. وحُرم عدد كبير من الأطفال في إدلب، التي يسيطر عليها ما يُسمى بهيئة تحرير الشام وفصائل أخرى موالية لتركيا، من الحصول على التعليم. وتشير تقارير إعلامية وحقوقية إلى فقدان 220 ألف طالب من أصل 350 ألفاً للتعليم في مناطق إدلب. وتستقبل “سميحة” نساء معلمات أو متعلمات في إدلب الطلاب في منازلهن أو خيامهن رغم أعمارهم الكبيرة، بهدف تعليمهم وتعويض ما فاتهم من التعليم، في ظل الظروف المعيشية الصعبة وفقدان الأمان.

وتضطر العائلات لإرسال أولادها لدورات التعليم التعويضي بسبب عدم تمكنها من الحصول على التعليم المدرسي خلال السنوات الماضية.

ظروف أمنية وعادات اجتماعية

 وتتأسف جميلة العلوان (37 عاماً)، وهي من سكان مدينة إدلب، على مستوى أولادها التعليمي المتدني وصعوبة تأمين تعليم مناسب لهم. وتضطر الأم لإرسالهم إلى معلم وزوجته اللذين يستخدمان منزلاً مؤلفاً من غرفتين كمركز لتعليم الأطفال. وتقول إن أولادها الأربعة لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس، وبالكاد يستطيع ابنها الأكبر وهو في الصف الخامس الأساسي القراءة والكتابة. وتضيف: “كانوا يتغيبون باستمرار بسبب الوضع الأمني السيئ وخوفي على حياتهم”.

وأمضت المرأة سنوات الحرب السابقة، كأرباب عائلات كثيرين، مقتنعة أن “الجهل أفضل من الموت”.

أما الآن فيمثل غلاء الأقساط الشهرية التي لا تتناسب مع تردي الأوضاع المعيشية العامة للسكان أبرز العقبات، ولذلك لا يتمكن طلاب في إدلب من الحصول على التعليم الخاص.

كما أن العادات الاجتماعية السلبية عبر عقود أدت إلى أمهات أميات بسبب امتناع عائلاتهن عن تعليمهن، وأدى الزواج المبكر لا سيما في سنوات الحرب إلى النتائج ذاتها.

سماهر البرق (40 عاماً)، هي نازحة في مدينة أطمة الحدودية مع تركيا، لا تعرف القراءة والكتابة لتعلم أبناءها، لذلك ترسلهم إلى جارتها المعلمة مقابل دفع مبلغ 20 ليرة تركية (ما يعادل نحو 7.160 ليرة سورية) شهرياً لقاء تدريس كل طالب. ولا تمتلك المرأة ما يمكنها من تسجيل أولادها الثلاثة في صفوف الدورات الخاصة، بسبب غلاء أقساطها الشهرية التي تصل إلى 50 دولاراً أميركياً في الشهر الواحد (نحو 155 ألف ليرة سورية) عن كل طالب.

خيام دون مقومات تعليم

وعمدت وفاء الحمدون (29 عاماً)، وهي نازحة في مخيم كللي بريف إدلب الشمالي، لتعليق سبورة في خيمتها، لتستقبل أطفال المخيم بشكل يومي. وما دفعها لذلك هو عدم وجود المدارس في المخيم، الأمر الذي يحرم الكثير من الأطفال من التعليم. وتركز وفاء على تعليم الأطفال الحروف العربية والإنكليزية والأعداد.

وتبين أن العديد من العوائق وقفت في وجه الأطفال ومنعتهم من إكمال تعليمهم، أبرزها الفقر والالتحاق بأسواق العمل، والزواج المبكر، وغياب الاستقرار إلى جانب قلة الاهتمام بالعملية التعليمية. وتعترف المعلمة المنزلية أنها تعطي دروسها في مكان غير مجهز ويفتقد لأساسيات التعليم، معللة ذلك بضعف إمكاناتها. وتعتبر عملها “إنسانياً” وسط وجود أطفال بأعمار كبيرة لا يعرفون كتابة أسمائهم، أو حلّ عمليات حسابية بسيطة.

وتتساءل: “أي مستقبل ينتظر هؤلاء الأطفال الذين فُرض عليهم الجهل، ولم يعرفوا من حياتهم سوى الحرب والقتل والتشريد؟”، ووجدت الطفلة شهد السلوم (10 أعوام)، المقيمة في المخيم نفسه، في مبادرة المعلمة وفاء فرصة للتعلم بعد أن منعها والدها من الحصول على التعليم في أماكن أخرى. ويعلل كثير من الآباء امتناعهم عن تعليم أبنائهم بـ “انعدام الأمان”.

وكالات