سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

التعاون التركي مع المشروع الصهيوني

د. علي أبو الخير_

في كتابي القديم (أشهر الخونة والمفسدين في تاريخ الأمة) نُشِر عام 1997، وضعنا اسم كمال أتاتورك ضمن هؤلاء الخونة، وأسميناه (الرجل الصنم)، وهو بالفعل كان رجلاً صنماً، ممنوع الاقتراب منه بالنقد حتى اليوم، ورغم أنه قتل أربعين رجل دين في بداية حكمه، لأنهم اعترضوا على تغريب تركيا، ولكن الانتقاد لحكمه مازال ممنوعاً.
وعلى أيّة حال، ظلت الجمهورية التركية الأتاتوركيّة تخلع قميصها العثماني بالتودد للغرب، فحول كمال أتاتورك حروف اللغة التركية بالحروف اللاتينية بدلاً من حروف اللغة العربية، ورفع أذان الصلاة باللغة التركية في مخالفة صريحة للدين، ومن حسنات عدنان مندريس أنه أعاد الأذان باللغة العربية، وفي كل الأحوال لم تتخلى تركيا عن إرثها المعادي للعرب والنظر إليهم النظرة الاستعلائية العثمانية فضلاً عن دورها في قتل الآلاف من الشعب الكردي رغم كونهم مثل غيرهم من ولايات العثمانيين.
وظلت تركيا اليد الضاغطة من الشمال على العراق وسوريا بدفع من الغرب لصالح إسرائيل، بعد فكاك العراق من حلف (بغداد) بعد سقوط الملكية عام 1958م، وهو الحلف الذي أسسته الولايات المتحدة من تركيا وإيران والعراق الملكي وباكستان لتطويق مصر عبد الناصر وإضعافها، وإن حمل عناوين أخرى مثل إيقاف التمدد الأحمر الشيوعي تجاه المياه الدافئة في الجنوب، أو ضد الخطر الإسلامي المتشدد، وهو أمر غريب، فالحلف ضم تركيا مع إيران مع باكستان، وكلها دول إسلامية، ولكن الغرض مرض، وظل الحلف قائماً بالاسم حتى نهاية السبعينيات، عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد أفغانستان، وساعدها الحلفاء العرب ومعهم تركيا، التي فتحت مطاراتها لأمريكا، في عامي 1991 و2003 ، عندما ضربت العراق من القواعد الأمريكية، وهو أمر معروف، ولا ندين تركيا وحدها، ولكن ندين كل من ساعد أمريكا في حربها ضد أفغانستان والعراق.
أما في الحالة الكردية، تركت أمريكا والدول العربية لتركيا الحرية في ضرب وقتل الكرد في جنوب وشمال كردستان “جنوب تركيا وشمال العراق”، دون أي إدانة، وهو ما يتماثل مع المشروع الصهيوني، الذي يعيق أي تقدم لمشروع الأمة الكردية الموحدة، وهو ما تتفق عليه تركيا والدولة العبرية.
العلاقة بين تركيا والكيان الصهيوني
أما علاقة تركيا بإسرائيل فقد ظلت علاقة محورية وقد اعترفت تركيا بإسرائيل منذ نشأتها علم 1948، وهو ما لم يتغير في ظل الحكومات التركية وحتى اليوم.
والحكومة الحالية بقيادة أردوغان، بالرغم من رفعها لافتات الإسلام السياسي، لم يتغير نهجها، إذ كل الأرقام تشير إلى بقاء ترمومتر العلاقة بين البلدين في تصاعد، وخاصة في المجالات العسكرية والأمنية وحتى النفط المسروق من سوريا ومن العراق أو المصدر الأهم والكثير المسروق من كردستان يجد طريقه إلى إسرائيل عبر تركيا.
كان من الطبيعي أن تتمدد تركيا برئاسة أردوغان جنوبا بعد أن أُوصدت أبواب الاتحاد الأوروبي في وجهها، وكان الشارع العربي يلتفت مبهوراً إلى أردوغان الذي عنَّف بكلمات حماسية الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في مناظرة تلفزيونية على هامش منتدى (دافوس) الاقتصادي، وقد شهد شاهد من أهلها بكذب، حيث أخيراً اكتشفنا نحن العرب، أن الرئيس التركي رجب أردوغان لم يكن صادقاً ولم يكن بطلاً، ولم يتصدَّ أو يصطدم مع الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز في منتدى دافوس، في 30 كانون الثاني 2009 حينما كان رئيساً لوزراء تركيا، الشاهد هو أحمد داوود أوغلو الذي كان كبيراً لمستشاري أردوغان وقتها، ثم وزيراً للخارجية ثم رئيسا للوزراء، ونحن نعلم أن داوود أوغلو انشق عن أردوغان، وغادر حزب العدالة والتنمية، وأسس حزباً جديداً هو «المستقبل»، اعتراضاً على السياسات التي يتبعها أردوغان في مختلف المجالات، قال أردوغان مهاجماً داوود أوغلو: “أولئك الذين كانوا في القاعة معنا في دافوس، ارتعدوا يوم وقفنا بوجه بيريز، لكنهم الآن شكلوا حزباً جديداً”، قال أوغلو رداً عليه : “ما يريد أن يقوله أردوغان من وراء هذا التعليق أنه كان «أسداً هصوراً»، وقاطع كلمة لبيريز في منتدى دافوس اعتراضاً على سياساته ضد الفلسطينيين، وأن داوود أوغلو كان خائفاً ومرعوباً من تداعيات هذا الصدام، وبالتالي فإن أردوغان يحاول تصدير صورة لشعبه وللعرب وللمسلمين بأنه الشخص الذي قاطع وتصدى لشيمون بيريز ولإسرائيل في قلعة الرأسمالية العالمية”.
والخلاصة من هذا كله، هو أن أي حاكم في تركيا، لابد أن يوافق عليه أمريكا، الكيان الإسرائيلي، ومنهم أوغلو نفسه، ولكن الخصوم فضحوا أنفسهم بأنفسهم، فظهرت الحقيقة..
وأخيرا كان أردوغان براجماتياً كبيراً، عندنا قُتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول فاستنزف أردوغان السعودية ودفعها للاستثمار في تركيا بمليارات الدولارات، مقابل إخفاء أدلة تورط النظام السعودي والأمير محمد بن سلمان ولي العهد بصفة خاصة في قتل خاشقجي، وبالتالي عدم ترويج فيديو مقتل وتقطيع خاشقجي في الإعلام العالمي.
لقد اتضحت الصورة للعلاقة المعروفة بين تركيا وإسرائيل، ومع علمنا بها، فلابد أن نذكرها للأجيال الموجودة والقادمة… ولله الأمر من قبل ومن بعد.