التسول… معاناة تواجهها المرأة

تقرير/ وفاء الشيخ –

غدت ظاهرة التسول مهنةً يمتهنها المتسولون بغض النظر عن الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك، وباتت المرأة العضوة الفعالة في هذه الظاهرة كونها استُغلت في هذا الأمر أيضاً لتتسول رغماً عنها وتعود بالمال إلى زوجها، ومثال على المرأة المتسولة مريم مصطفى، حيث تروي لنا معاناتها في هذا الشأن.

تفاقمت ظاهرة التسول في السنوات الأخيرة في شمال سورية ولا سيما النساء، إذ نجد أن عدداً كبيراً من النساء أصبحن يمتهن التسوُّل، فالفقر والعوز والحالة المأساوية التي طبعت بصماتها بقوة بعد الأزمة السورية عليهن وعلى المجتمع عموماً، أدت إلى انتشار ظاهرة التسول، تلك الظاهرة المثيرة للجدل، وباتت هذه الظاهرة لدى النساء تمثل تهديداً للمجتمع، من خلال تعرُّض حياة أولئك النسوة للخطر فهن يجلسن على قارعة الطرقات على الأرصفة ليصبحن عرضة للحوادث المؤسفة ناهيك عن نِظرة المجتمع لهن ونبذهن، والمؤسف أن ظاهرة التسول أصبحت ظاهرة مألوفة جداً، فقد بتنا نرى المتسولين في الأماكن والطرقات كافة وأغلبهم من النساء وبأعمار مختلفة، فما الذي يدفع النساء لذلك؟ هي حالة الفقر وضعف الأحوال المعيشية وعدم التمكن من سد الاحتياجات اليومية، وأيضاَ نتيجة تكاسُل الزوج وعدم تأمينه لاحتياجات المنزل، فتندفع الزوجة للتسول وتتعرَّض للعديد من الانتهاكات والإهانات هي وأطفالها الذين يعمل الزوج على إنجابهم لا محبةً بهم، بل ليجعلهم وسيلةً للشفقة والتكسُّب بالاستجداء والتسوُّل، فيطلقهم في الشوارع ليجلبوا له ما يحتاجه من أكل وشرب وكل ما يخدم راحته دون التفكير بهذه المرأة وبحرمتها، ويعاملها بقسوة ويهددها بالضرب وبحرمانها من أولادها إذا لم تفعل ما يشاء. فهنا المرأة ولأنها تخضع للذهنية الذكورية تحت شعار الحفاظ على عائلتها، ولأن من طبيعتها حماية أولادها تخضع لما يريد الرجل، لكن هذا الأمر ينعكس سلباً على كرامتها وحقوقها ومكانتها في المجتمع بالنسبة للنساء الأخريات، إضافةً لفقدان هيبتها أمام أطفالها، فلقد شهدنا العديد من هذه الحالات في المجتمعات ذات السلطة الذكورية.
مريم المصطفى امرأة متزوجة ولديها ثلاثة أولاد، ويبلغ عمرها خمساً وثلاثين سنة، تسكن في مدينة قامشلو، وفي لقاءٍ معها روت لصحيفتنا معاناتها مع زوجها الذي يطلب منها التسوُّل هي وأطفالها الصغار، لتجلب له المال كي يتسكَّع في المقاهي ويتناول ما يشتهي من الكحول والمشروبات الروحية، وذلك تحت التهديد والضرب، فتخرج مريم من الصباح الباكر وتعود آخر الليل ليكون الزوج بانتظارها أمام باب المنزل، ويقول لها: «وين الغلَّة»، وبعد أن يأخذ منها ما بحوزتها من مال التسول يركلها ويوجه لها الشتائم والكلام البذيء.
قالت مريم بهذا الصدد: «حاولت كثيراً التخلُّص منه لكنه يهدِّدُني بأطفالي، وأنا كأم لا أستطيع تركهم عند هذا الغاشم المتسلط والظالم الذي يزعم أنه رجل، وفي مجتمعنا البالي يجب أن تخضع المرأة لطاعة زوجها، وتتحمَّل منه كلَّ شيء، وأنا أميَّة، ليس بيدي حيلة إلا أن أنصاع لأوامره وأقوم بالتسول لتوفير لقمة العيش لأولادي، ولألبي طلباته، وكي لا ينهال علي بالضرب إن عدت دون مال».
وناشدت مريم هيئة المرأة والمؤسسات التي تعنى بشؤون المرأة قائلةً: «أتمنى من منظمات ومؤسسات هيئة المرأة أن يوفِّروا لي أي عمل، لأتخلص من هذا الزوج الفاسد والعديم المسؤولية، وأن يضعوني تحت حمايتهم».
بالتالي نجد أن المرأة يجب ألا تخضع للذهنية الذكورية، ولا تشعر بالخوف، وتطالب بحقوقها وممارسة الأعمال التي تليق بها كامرأة، والحفاظ على كرامتها، ويجب الحد من ظاهرة تسول المرأة بخاصة، لأن مسؤولية الإنفاق على العائلة تقع على عاتق الزوج بالدرجة الأولى، ونظراً أن ظاهرة التسول تعطي طابعاً غير حضاري للمجتمعات، ندعو المنظمات الإنسانية كافة والمنظمات المسؤولة عن المرأة للحد من هذه الظاهرة، ونناشدها أن تحافظ على حقوق المرأة المتسولة بشكل خاص وتصون كرامتها في المجتمع، وعدم إعطاء الفرصة للذهنية الذكورية أن تفرض عليها إرادتها أو تمتهن كرامتها بخاصة وأنَّها الأم أي محور الأسرة ودعامة المجتمع وعليها تقع مسؤوليَّة تربية الأولاد وهي التي تؤسس المجتمع الأخلاقي وحريتها هي حرية المجتمع ويجب أن لايغيب عن أذهاننا قول الشاعر حافظ ابراهيم :
الأم مدرسة إذا أعددْتها
أعددت شعباً طيب الأعراق