سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الاقتصاد السوري؛ بانتظار إصلاحات عادلة أم لظى كارثة وشيكة..؟!

آزاد كردي

مع كل نهاية عام، يتسابق المنجمون في التطاير والتنجيم والتندر؛ بتوقعاتهم حول مجمل الأحداث التي ستكون محط اهتمام الناس على اختلافهم؛ وأن الشأن الاقتصادي يكون الأهم. وحين يكون حديثهم في الشأن الاقتصادي؛ سيكون لا شك أن هذا العام سيحمل مفاجآت لا تعد ولا تحصى منها. لكن؛ أياً من هؤلاء وأكثر المتفائلين لم يكن يتوقع أن يصل ارتفاع الدولار- مجازاً – وإنما انخفاض الليرة –  بهذه الصورة، وأنه سيقفز بهذا الشكل الجنوني؛ لتتراوح الليرة السورية في التداول الاقتصادي خلال هذه الفترة قرابة الألف، بل كان جل ما تطيروا به أن الليرة، ستشهد تحسناً كبيراً ما ينعكس بالإيجاب على حياة المواطن.
تعويم مفاهيم اقتصادية خاطئة
الغريب في الأمر ليس تطيّر المنجمين إزاء الليرة السورية، فلنترك توقعاتهم على جنب، ونناقش ما هو أعظم، وهو انهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية الأخرى بشكل متسارع منذ النصف الثاني من العام المنصرم. وليس من الحكمة إعادة الأسطوانة ذاتها وذات الشرخ، أن هذا التدهور مرده؛ كما يروجه اقتصاديو النظام السوري؛ الحرب الكونية المفروضة على الدولة لعدة سنوات، إضافة لذلك سلسلة العقوبات التي تطال سوريا بين الحين والآخر، بل سنناقش ثلاثة أمور لهذا الواقع المدقع، هي أقرب لعدسة المجهر في تحليل هذا التراجع والانهيار المتردي، ومن عدة جوانب.
إن كل الحديث عن اقتصاد السوق الحر الذي قيل، إن النظام السوري – تبناه مع بدايات حكم بشار الأسد – بدلاً من الاعتماد على النظام الاشتراكي الذي لم يكن أكثر من كونه اسماً على ورق. فالاقتصاد الحر الذي يُفهم من معناه؛ أن الاقتصاد سيكون متاحاً لدى الفعاليات الاقتصادية أكثر، ومن شأنه تخفيف حدة التدخل الحكومي بالسوق الحرة في كل شيء، وإن كان المعنى مقبولاً وفق هذا الطرح، فإن تطبيقه لم يكن كذلك بتاتاً، بل بقيت الأمور على نصابها وشاكلتها، وإن كان من المفترض في حال تطبيق هذا النهج، فإنه سيكون في هذا الوقت بعد الضنك الاقتصادي الذي تعيشه الدولة السورية، إنما تعيش تأثيراته الآن، فلماذا لا يزال اقتصاد السوق الحرة متعثراً؟، فالحقيقة أن الدولار أصبح متداولاً أكثر من أي وقتٍ مضى، وبطريقة خرجت عن نطاق السيطرة، وبشكل لافت مطلق بعد لامبالاة المصرف المركزي بدعم الليرة السورية الذي يكاد أنها استسلمت لقضية انهيار الاحتياط المالي للدولة، وهذه الحال المتعثرة من الاقتصاد شبيهة إلى حدٍ ما بما حصل مع فنزويلا إبان حكم الرئيس هوغو تشافيز.
تيه الاقتصاد السوري بين الدولرة والعسكرة
الأمر الثاني، بالمجمل العام، أن أي سياسة اقتصادية، تقوم على أمرين أساسين اثنين، هما؛ القدرة الشرائية، أو عرض النقد، وأيضاً العمليات التجارية أو حجم النمو الاقتصادي. أما بالنسبة لحجم عرض النقود في أي قطاع اقتصادي، يعتمد بالأساس على حجم تبادل الخدمات والسلع السائلة، مما يتيح انخفاض القدرة بشكل متدني، نتيجة فقدان احتياط النقد للدولة، ومدى الإنفاق من الأصول المالية الثابتة على أمور أخرى، كما يحصل حالياً في الإنفاق على الحرب العسكرية السورية.
وفيما يخص العمليات التجارية، فكل المؤشرات تدل على ظهور البطالة، وبروز حالة انكماش هائلة بما يشبه الشلل، وخمول القدرة على الإنتاج بسبب قلة الموارد. فقد بلغ عجر موازنة الدولة السورية العامة للعام القادم 1.4 ترليون ليرة سورية.
ومن الضروري التفكير سريعاً باتباع سياسة نقدية أكثر انفتاحاً على السوق في هذه الحال. كما لا يجب؛ أن الدولة ستقوم بإنفاق قسم كبير من الناتج المحلي؛ لتمويل طباعة عملة جديدة، وهذا شيء غريب، إذ من المفترض في أي دولة زيادة المدخرات والناتج المحلي من الأصول الثابتة في خزينتها تقوم الدولة بسحبها شيئاً فشيئاً، مما يشكل عبئاً كبيراً على المواطن بسبب حرمانه من العائدات والأجور.
عقبات عديدة تحول دون خروج الاقتصاد السوري من مأزقه
الأمر الثالث، اضطراب المتغيرات الاقتصادية المتقلبة المتلازمة للوضع السياسي، إذ تشهد سوريا أزمات مالية خانقة سببه عدم دعم الخزينة من الإيرادات الداخلية فضلاً عن الحصار الاقتصادي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على الرأسمال السوري أو التحويلات المالية بين الدولة السورية ودول أخرى، وهذا مرده إلى السياسة الخاطئة؛ مما نجم عن ذلك هبوطها إلى مستويات غير مسبوقة؛ بسبب قلة الدعم الحكومي. وهذا الواقع الاقتصادي المتذبذب شبيه، بما حصل مع الدينار العراقي إبان التدخل الأمريكي بالعراق في عام 2003م الذي وصل في فترة ما إلى حدود 1200أمام الدولار. وضمن هذا المنظور، فالدولة السورية لا تملك القدرة على سد العجز التجاري وتمويل الاحتياطي من النقد الضخم في المصرف المركزي الذي بدوره عجز عن رفع حالة الانكماش وتثبيت سعر الليرة عبر دعمها بشكل دائم، فبحسب التقديرات، فإن الاحتياطي من الليرة السورية يتراوح بين 250 – 750 مليون دولار، وهذا المبلغ ضعيف جداً لانتشال الاقتصاد من براثن السوق السوداء.
ومن الضروري للخروج من هذا التخبط الاقتصادي الرهيب انتهاج الدولة السورية سياسة اقتصادية مرنة لكثير من قطاعات الاقتصاد لدعم الناتج المحلي، وإلا فلا أمل أبداً للنهوض من هذا الشلل الاقتصادي المتدهور، وستُقبِل سوريا على كارثة اقتصادية لا تحمد عقباها، إن لم يتم تحضيرات عادلة وشاملة لكل السوريين.