سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الإرهاب نهج مشؤوم جذوره مادية سياسية…

إبراهيم كرد (محامي)_

اتخذ الاستعمار الإرهاب أسلوباً، ووسيلة؛ لبسط نفوذه على الشعوب، واحتلال أراضيها بشكل مباشر، أو غير مباشر كالحروب، والاعتداء، وأشكال السيطرة الاقتصادية، أو الاستغلال بواسطة الكومترول المحلي، تحت شعارات مختلفة؛ لنهب خيراتها المادية، إنما هي جريمة على المستوى الدولي، وهي ظاهرة قديمة أثبتتها حركات إرهابية (الحشاشون، حركة الخناقون، حركة القحامين، والكلو كلوكس الإرهابية في أمريكا عام 1719)، هذه الحركات هدفها الإرهاب والمال، وهي مسائل ملحة في الوقت الراهن، أخذت اهتمام العالم.
دخل الإرهاب إلى القواميس السياسية عندما قررت الجمعية الوطنية الفرنسية عام 1795 بإدراج الإرهاب في جدول أعمالها، قائلين “لقد حان الوقت، الذي يجب فيه إهانة المتآمرين على الثورة، أيها المشرعون ضعوا الإرهاب في جدول أعمالكم”، فالإرهاب، والاغتيال، والعنف، والتعذيب، والتشويه، والتخريب، والهجر الوحشي، والتحريف، والتزوير، والثراء السريع، والذعر، والإخافة الاجتماعية، هي مظاهر الإجرام ضد الإنسانية، وتُعدّ أيضاً، جرائم سياسية قد تقع على الأفراد، وعلى الدولة معاً، والتهجير القسري للشعب، وقتله، وترتبط الجرائم العادية مع الجرائم السياسية العامة، والفردية، إنما تكون بدافع دنيء، ألا وهو الإرهاب والعنف بعينه.
في قانون العقوبات السوري، جمعت بين المعيارين المعيار الذاتي، والمعيار الموضوعي المرتبط بالسياسة، وهي جرائم الملازمة للجرائم الأيديولوجية السياسية، المادة 195-196، ففي عصر الركض وراء المادة، واستخدام العنف، والإرهاب، هي من أكبر المشاكل، التي تعاني منها الشعوب، والأفراد، والدول على حدٍ سواء، تهدد السلام، والاستقرار على المستوى العالمي،  كتب المؤلف كوفالبوف (وراء كواليس الإرهاب)، لم يعد العنف، والإرهاب، يقتصران على البطش، والقتل، واختطاف الطائرات والسفن، والاغتيالات، واحتجاز الرهائن لأغراض شخصية، بل اتخذت أشكالاً مختلةً كبيرةً ومؤثرةً منها:
– احتكارات الشركات العملاقة والنهب الاقتصادي.
–  التجسس بأحدث التقنية.
–  سيادة الرأسمالي المالي.
–  صواريخ عبر القارات، قنابل ذرية ونووية.
–  اضطهاد شعب لشعب، والاستغلال البشع للعمال، ولأيادي الفقراء، ومن الشباب العاطلين عن العمل، والهجرة، وترك أوطانهم، والسيطرة الخفية والظاهرية.
–  نهب الثروات، وتحطيم القيم الإنسانية، والتي هي ركيزة اجتماعية، والاستغلال إلى درجة الموت، وامتصاص خيرات الشعوب الفقيرة.
أليست هذه أشكال الإرهاب المخيف جداً لنهب الثروات، وزرع الفقر، والجوع؟  إن استخدام الدولة كأداة السيطرة، والقرصنة للشركات الاحتكارية، واستخدام أجهزة الدولة لتزييف النقد، وتجارة المخدرات، والتجارة بأعضاء البشر، والعنف، والحرب، والإبادة الجماعية، وممارسة الإرهاب الفكري، والأيديولوجي، كما فعلت، وتفعل الرجعية التركية، والعربية، والفارسية، وعدم الاعتراف بالحقوق السياسية، والقومية للشعب الكردي، وغيره من الشعوب، أليس هو أبشع أنواع الإرهاب، والاستبداد، والديكتاتورية؟ ومن خلال استخدام أجهزة المخابرات ومؤسساتها، وقولبة الوعي، وتشويه العقول بالخداع، وتحريف الأحداث بالشكل، الذي يخدم مصالحها الاقتصادية، والسياسية؛ ولو على أشلاء الشعوب، وجماجمها، لتشل قدرة الطبقة العاملة، ومثقفيها، وتحطيم قدرة الشعوب على مقاومة التخلف، والشركات الاحتكارية العملاقة، التي تدعم الإرهاب المتوحش بالمال، والسياسة من أجل المصالح السياسية، والاقتصادية، هذا هو أساس الإرهاب المصنوع.
هناك إمكانية لدى القوى البشرية العالمية، أن تمنع الإرهاب، والعنف الضار، والمدمر للإنسانية، وتحوله إلى واقع يسوده السلام من خلال وعي الناس، وتأمين حاجات الناس من الخيرات المادية، ومن الثقافة الروحية والفكرية.
يقول هيغل: “أشكال التفكير، أشكال المحتوى حي واقعي مرتبط بالعالم الموضوعي، أي الإمكانية الحقيقية تعكس الواقع بشكل صحيح من حيث الأساس”.
فالعنف، والإرهاب، والحروب، والحقد، والكراهية، والعنصرية، من صنع تجار الحروب الإمبريالية، من أجل هدف سياسي، ومادي اقتصادي، هم من البشر، وليس من الشجر، وإن الدولة التي تمنع سيادة أي شعب على أرضه، وتقرير مصيره، يعدّ عملها إرهابياً، والاحتلال تحت ذرائع كاذبة مخادعة، مزيفة خلافاً لجميع القوانين والأعراف الدولية، ولقرارات الجمعية العامة، ومجلس الأمن، وللمؤتمرات الدولية، وقرارات جنيف، هذا أيضا من صفات الإرهاب. لذلك؛ كل شعب من حقه اختيار النظام، الذي يراه مناسباً له، فالاحتلال اعتداء أثيم، وعمل إرهابي لا أخلاقي، وحرمان الشعب الكردي، أو أي شعب آخر من حقه الطبيعي في اختيار ما يناسبه من الناحية السياسية، لذلك نرى سيف الإرهاب مسلط على رقاب الشعوب الضعيفة عسكرياً، تحت حجج واهية متى أرادوا ذلك، من خلال أعمال لا إنسانية، كالقتل، والتدمير، والتهجير، تحت لافتة “الحفاظ على الأمن والاستقرار” هذه هي الكذبة السوداء.
إن تسويق الإرهاب والعنف كما يجري من حروب في سوريا، وليبيا، واليمن، وأفغانستان، هدفه منع هذه الدول من السير في طريق التقدم الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، رغم إن هذا العصر هو عصر العلم والمعرفة، والإرهاب رغم الاهتداء بالفكر الديالكتيكي، والعقل والمنطق، فالإنسان بات محتاراً، يحسب ألف حساب من الإرهاب، والعنف، والحرب في كل مكان – بالقنابل الموقوتة، وأزيز الرصاص، وعمليات التفخيخ للبيوت، وفي المصانع، والمتاجر، وآلات الدمار، والقتل بالجملة من قبل الإرهابيين، وصانعيه في المعمورة من أجل المادة والبترودولار.
فالديكتاتورية، والخناق السياسي، وتغييب الديمقراطية، والحريات العامة، والصحافة الحرة والاعتداء على حقوق الإنسان في كل بقعة على الكرة الأرضية، تعطي مبررات لظهور الإرهاب، والعنف الوحشي.
الحرب العالمية الأولى، والثانية، راح ضحيتهما ملايين البشر الأبرياء، “التدمير والفناء” هو نمط من الأنماط الإرهابي الدولي للإنسانية وللبشرية، وبعد انتهاء الحرب، هل انتهت أنشودة الإرهاب المصطنع وطبول الحرب؟ هل توقف زرع الصواريخ المدمرة، والقنابل الذرية والنووية؟ هل توقف الاضطهاد الاجتماعي، والظلم القومي والطبقي؟
إن مخطط الإرهاب الدموي المتوحش، لا يزال يعشعش في أركان الأرض، فكم من قاتل إرهابي أصبح بطلاً، وتربع على قطع الرؤوس، وتلذذ برؤية الجثث والإبادة الجماعية، وزرع الموت، ونشر الرعب، والإرهاب، وخاصة للشعوب المضطهدة، والمحتلة أراضيها كالشعب الكردي، الذي يعيش على أرضه.
إن الإرهاب ليس شأناً داخلياً فقط، بل هناك إرهابيون ينتسبون إلى الدولة، وأصبحت ظاهرة دولية، فهجوم دولة على دولة، واحتلال أراضيها بالقوة العسكرية، وبالسلاح الفتاك، أكبر وأكثر خطورة، وأشد ضراوة إرهابية، ويسمى “إرهاب دولة”، لذلك، لابد من أن نفرق بين كفاح الشعوب من أجل الانعتاق القومي، والتحرر الاجتماعي، ومحاربة العنصرية، والطائفية، وبين حروب استعمارية إجرامية غير عادلة لقهر الشعوب، ومنعها من التطور والتقدم.
وفي العصر الراهن، والكفاح للاستحواذ على عقول الناس، يكتسب معنى خاصاً، الذي تحل فيه مسألة الطرق الأكثر تقدمية للارتقاء التاريخي للبشرية، لأن الإرهاب المفروض على البشرية، يهدد وجود العالم أجمع، فحل المعادلة، لا يمكن إلا عن طريق المجتمع الدولي، ومحبي السلام العالمي، لتجنب البشرية من الإبادة، ومن الكارثة المدمرة إذا سادت.
الإرهاب أداة للسياسة الاستعمارية، ونهج مشؤوم، اكتسب طابعاً خطراً من صانعي الإرهاب، فالأسلحة النووية أكثر قدرة على التدمير الشامل، وسياسة الإرهاب من صنع الاحتكارات العملاقة، وأيديولوجيتها على الصعيد الدولي، يكمن خطرها على الشعوب أجمع بالقضاء على الحرية، والديمقراطية، والتقدم الاجتماعي للشعوب، والرأسمالية ذات الطابع الإمبريالي، تستخدم القوة للضغط الاقتصادي، والسياسي للابتزاز، وبالعمليات السرية، والعلنية، تستأجر المرتزقة، وتجندهم، وتسلحهم ضمن العصابات العديدة، والمنظمات الإرهابية، ذات الطابع الإجرامي لإرهاب المدنيين، والأطفال، والنساء، وحرق المنازل، وتدميرها، واحتكار المواد الغذائية، والسلع الاستهلاكية من أجل ما يسمى قانون الربح.
لقد ارتقى الإرهاب إلى مصاف سياسة بعض الدول، تحت حجج واهية، بالكذب زوراً وبهتاناً، وإذكاء روح الشوفينية، والتعصب القومي، والهوس بدون رادع أخلاقي، ولكن علينا أن ندرك جيداً، وفق جدلية الواقع المادي والفكري، أن الإنسان إما أن يكون ديمقراطياً، أو إرهابياً ديكتاتورياً، ولا يمكن أن يجمع بين نقطتين متعاديتين، فإما أن يعبد المادة، والركض من أجل الربح، أو يعبد الإله من أجل الحق، وفي القرآن جاء “لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون”، بمعنى أن الإنسانية قبل كل شيء، فما دام الاضطهاد الطبقي، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان موجوداً، وما دام القوي يأكل الضعيف، وما دام الجهل، والفقر، والاستبداد، وشعب يضطهد شعباً آخر، ويمنع عنه الحرية، ما دام التناحر، والتعارض بين المصالح الاقتصادية، وسحق الجماهير الشعبية، واضطهاد المثقفين، وتباع العدالة، والحقوق مهدورة، بالتأكيد سيولد الحرب، والإرهاب، والعنف، والديكتاتورية، لأن جميعها جذورها اقتصادية، والتوفيقية فاسدة للثقافة الإنسانية، وللحرية والتقدم.
ولا ننسى الحروب النفسية والحملات الدعائية الكاذبة، التي تسم المناخ الدولي في السياسة والعلاقات الاقتصادية الدولية، نهجاً مشؤوماً للبغضاء لقبول الحرب، على إنها حل طبيعي مقبول، ففي هذا العصر، ارتقى الإرهاب إلى الاستراتيجية السياسية موجهاً ضد كل ما هو إنساني تقدمي، من جانب أعداء السلام والحرية، وهو أكثر خطورة، وقد يؤدي إلى كارثة إنسانية، أو تدمير الجنس البشري، لم يسلم أحد منها، والسؤال المطروح هنا، ما العمل؟ وما الحل العلمي لهذا النهج المشؤوم؟ لترفرف راية الإنسانية المعذبة، رغم تنوع الظروف الواقعية.
إن دم شهداء الكرد، وشهداء الشعوب، التي لا تغيب عنها الشمس، لن تذهب هدراً فالمستقبل لإنسانيتهم، وسيسجل التاريخ داعمي، وصانعي الإرهاب، والمنظمات الإرهابية في مزبلة البشرية، مثلما سجلت الفاشية والنازية.
أما بعد، ألم تقرأ الشهداء إن درب الحرية أحمر.