سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الأمة الديمقراطية كفيلة بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي

يمثّل التصعيد المستمر بين حركة حماس وإسرائيل، ضربة كبيرة لمسار الاتفاقات الإبراهيمية، نظراً لإخفاق مشروع التطبيع، وتطبيق عملي بين الشعوب والثقافات؛ ما أدخل مسار هذه الاتفاقات في حالة جمود، وأظهر ضعف موقف الدول، التي أبرمت اتفاقات مع إسرائيل، فما الحل الأفضل لهذا الصراع؟
ومنذ إبرام هذه الاتفاقات، بدءاً من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، ثم لحقت بها الإمارات، دول عربية عديدة، وصولاً إلى النقاش حول انضمام السعودية إلى هذا المسار عبر الحديث عن صفقة ضخمة؛ بقي التشكيك في نجاح هذه الاتفاقات قائماً، وجاء التصعيد الأخير في غزة ليشكّل ضربة قوية لها.
في ظل هيمنة بعض الفصائل المتشددة في الأراضي الفلسطينية، وخاصة في غزة عبر حماس والجهاد الإسلامي وغيرها، وتبعية هذه الفصائل للإسلام السياسي، والإخوان المسلمين، وحكم اليمين المتطرف في إسرائيل، في المقابل كان الهجوم الأخير لحماس وتوثيق ارتكاب عدة الانتهاكات بحق الإسرائيليين، ساهم في تكريس الكراهية، والحقد بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وعلى مستوى العالم أيضاً.
وتسبّب التصعيد الأخير بانهيار أي جهود لتحويل التطبيع الرسمي بين الحكومات العربية، التي أبرمت اتفاقات مع إسرائيل إلى تطبيع بين شعوب البلدان العربية، وإسرائيل، والديانات الإسلامية واليهودية، وبالتالي فقد التطبيع أهميته وجوهره، الذي هدف للوصول إليه، ونتيجة لبقاء التطبيع في الإطار الرسمي وسط بقاء الكراهية بين الشعوب والأديان، فإن هذا التطبيع سيبقى مهدداً واحتمالية انهياره قائمة في أي مرحلة.
بعد الحرب في غزة وتأثيرات ذلك على الاتفاقات الإبراهيمية، فمن المتوقع إلى حد كبير أن تتجمد أي مخططات لإقامة تعاون اقتصادي وتجاري بين الدول العربية، وإسرائيل بما فيها الدول، التي أبرمت اتفاقات مع إسرائيل؛ ومن المتوقع أن يؤثر هذا التصعيد على الممر التجاري الجديد من الهند إلى الشرق الأوسط وأوروبا، حيث يجب أن يمر
من ميناء حيفا، وبالتالي فإن أهم نتائج هذه الاتفاقيات، والتطبيع تواجه تحدي التجميد على الأقل في المرحلة الحالية.
خلق إسرائيل بالمنطقة هيمنة للقوى الإقليمية
القائد عبد الله أوجلان، وفي مانيفستو الحضارة الديمقراطية “المجلد الخامس” أكد أن أحد مصادر أزمة الشرق الأوسط، هو تشييد الدول القومية العربية وإسرائيل، بشكل متزامن، مشيراً إلى أن إنكلترا استخدمت الشيوخ العرب كبش فداء، عندما باشرت بالهجمات العسكرية على الإمبراطورية العثمانية، بدءاً من مطلع القرن التاسع عشر، كما باشرت دعم الدولتية القومية العربية، مستفيدة من مساندة الشيوخ الذين يمثّلون قمة الهرم لعلماء الدين المسلمين، وأن المرحلة بدأت بالتمردات، استمرت مع أنظمة الانتداب بعد الحرب العالمية الأولى، لتنتهي إلى قيام الدول القومية مع الحرب العالمية الثانية، حيث تمت تصفية الإمبراطورية العثمانية في تلك الأثناء، ليتكون فراغ كبير في المنطقة.
ويؤكد القائد عبد الله أوجلان، أن “الإعلان عن إسرائيل، لم يكن حدثاً اعتيادياً، فقد ولدت إسرائيل قوة مهيمنة، ونواة لهيمنة الحداثة الرأسمالية، التي ملأت فراغ السلطة الناجم عن تحويل الإمبراطورية العثمانية، والملكية الإيرانية إلى دول قومية صغرى تابعة، بعدما كانتا آخر قوتين مهيمنتين في المنطقة.”
ويعدُّ القائد عبد الله أوجلان، أن “تشييد إسرائيل قوة مهيمنة أمر بالغ الأهمية، فهذا مفاده أنه سيتم الاعتراف بشرعية الدول القومية الأخرى في المنطقة، في حال اعترفت هي بوجود إسرائيل قوة مهيمنة، وأنه في حال عدم اعترافها بها، فسيجري إجبارها وإغراقها بالحروب إلى أن تعترف بها، ونظراً لأن الجمهورية التركية كانت أول من اعترفت بإسرائيل، فقد اعترفت بها دول قومية شرعية، وأدرجت بالنظام القائم بناءً على ذلك”.
الاعتراف بهيمنة إسرائيل ينهى الصراع
ويشير القائد آبو، إلى أن “الحروب والاشتباكات بين العرب وإسرائيل في إطار القضية الفلسطينية، لها علاقة وثيقة بالوجود المهيمن لإسرائيل في المنطقة، وسوف تبقى هذه الاشتباكات والمؤامرات والاغتيالات والحروب متأججة إلى حين الاعتراف بهيمنة وسيادة إسرائيل”.
وينبّه القائد عبد الله أوجلان، إلى أن “أعقد وأولى القضايا، التي تعاني منها المجتمعات العربية، تنبع قبل كل شيء من تقسيم العرب إلى اثنتين وعشرين دويلة قومية”، مشيراً، إلى أن “هذه الدول لا تستطيع الذهاب في دورها أبعد من كونها تنظيماً عميلاً جماعياً للحداثة الرأسمالية، وبأن وجودها بحد ذاته يعد الإشكالية الرئيسة على الإطلاق للشعوب العربية، بالتالي، فالقضية العربية مرتبطةٌ ببناء وتأسيس الحداثة الرأسمالية في المنطقة، ولا إشكالية جدية إلا في هذا الإطار، أي ارتباط بإسرائيل بوصفها قوةً مهيمنةً في المنطقة ارتباط بالحداثة الرأسمالية، وأن علينا ألا نتغافل عن أن القوى، التي بنت إسرائيل، هي نفسها، التي أقامت الدول القومية العربية الاثنتين والعشرين”.
وبوضح القائد آبو، إن “المقاربات الإسلامية القوموية، التي يراد إحلالها محل الحداثة الرأسمالية، هي محض رياء؛ سواء الإسلام الراديكالي منها، أم الإسلام المعتدل، أم إسلام الشيعة، فهذه النزعة الإسلامية أداة أيديولوجية خاصة بالرأسمالية، ولا علاقة لها بالحضارة الإسلامية، بل هي نسخة مشتقة من القوموية المتصاعدة في كنف هيمنة الحداثة الرأسمالية، التي بدأت منذ مطلع القرن التاسع عشر، وإذا لم يتخطَ تبعيته للحداثة الرأسمالية، فلن ينتهي الصراع العربي – الإسرائيلي، أو الفلسطيني – الإسرائيلي، والصراع يشبه إلى حد ما صراع الفأر والقط، فما يتجلى في النتيجة هو هدر طاقة الحياة لدى الشعوب العربية”.
العصرانية الديمقراطية حل القضايا
ويؤكد القائد عبد الله أوجلان، إن “أقوى وأصح خيار للشعوب العربية، هو براديغما العصرانية الملائمة للحقائق والوقائع التاريخية والاجتماعية لشعوب الشرق الأوسط، والعصرانية البديلة من أجل الشعوب، هي العصرانية الديمقراطية، التي لطالما كافحت ضد الحداثة الرأسمالية، والتي تتألف من الأمة الديمقراطية، ومن مجموع الحركات الاشتراكية والأيكولوجية، والفامينية والثقافية.”
وفي الختام، يطالب القائد أبو إسرائيل القيام بدورها، وتضع تجاوز الحداثة الرأسمالية نصب عينيها، إن كانت تريد الخلاص من حالة الانعزال للنظام، الذي أوجدته، حيث تعدُّ العصرانية الديمقراطية خياراً يشكل طريق الحل المستدام والوطيد ضمن الشرق الأوسط، ليس من أجل القضية اليهودية، وحسب، بل ومن أجل قضية دولة إسرائيل المحاطة بالدول القوموية، والدينية المتشددة، التي خلقتها هي بأيديها”.
وكالة هاوار