روناهي / قامشلو ـ
بالرغم من الحصار، والتهديدات، والهجمات المستمرة للاحتلال التركي، وتدني المستوى الاقتصادي، الذي يعصف بالمنطقة، غير أن عمل المرأة أثمر نتائج جيدة خلال عام 2022، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي لمناطق شمال وشرق سوريا، وكان سندا للمرأة في متطلبات الحياة المستمرة، وفي دورها الريادي.
مع بزوغ فجر ثورة روج آفا، أصبح للمرأة في شمال وشرق سوريا، دور بارز في الحياة السياسية، والاجتماعية، والعسكرية، والاقتصادية، وتمكنت من تحقيق النجاح على الأصعدة كافة.
ومع بدء عجلة اقتصاد المرأة، استرجعت بعضاً من حقوقها في عملها ضمن المجتمع، وذلك من خلال افتتاح المشاريع الخاصة بها، وبشكل خاص الزراعية، حيث عملت في الأراضي التابعة لها، كما افتتحت الجمعيات التعاونية الخاصة بالمرأة، سواءً فردية أو جماعية، فأثرت هذه المشاركة بشكل واضح على تطور الاقتصاد في المنطقة.
وتكليلاً لهذه الحركة الاقتصادية النسوية، وتزامناً معها، أُسِّس اقتصاد المرأة دعماً للمشاريع التي تحتاج إلى تمويل ويد عاملة، وتمكين المرأة اقتصادياً، فالتمكين الاقتصادي للمرأة دفعها للنجاح، والتطور، وتحقيق اكتفاء ذاتي، ومنحها صلاحيات في صنع القرارات الاقتصادية، والمساهمة في تحقيق المساواة بين الجنسين، والنهوض باقتصاد المجتمعات، والتنمية المستدامة.
تحقيق اكتفاء ذاتي
وعمل المرأة الاقتصادي لم يقتصر فقط على المشاريع الزراعية، فتم افتتاح مشاريع صناعية وتجارية، من أجل خلق بيئة متوازنة في اقتصادها المجتمعي، والهدف من افتتاح هذه المشاريع لم يكن ربحياً، وإنما الهدف منها مساعدة المرأة، والمجتمع بشكل عام، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المنطقة.
وبناء اقتصاد ذي قاعدة قوية، وكان الإيمان بفكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، هو مفتاح نجاح المرأة، فمن خلال اقتصاد المرأة، تم تأمين فرص العمل لمئات النساء، وبمرور فترة زمنية قصيرة توسعت المشاريع والمجموعات النسوية، ففي بداية تأسيس اقتصاد المرأة، كان عدد النساء العاملات قليلاً جداً، والمساحات المزروعة كانت قليلة، وبجهودهنّ بلغت العاملات في المشاريع النسوية المئات، كما اتسعت مساحة الأراضي الزراعية، حيث بلغت كمية مساحة الأراضي لاقتصاد مؤتمر ستار ٤٥ ألف دونم، و25 جمعية تعاونية زراعية، وتم تأسيس تسع جمعيات لصناعة التنانير، وفرنين للخبز، ستة أفران لخبز الفطائر، ومشغلين للخياطة، وخمسة محلات لبيع الملابس، وثلاثة مشاريع لتربية الثروة الحيوانية خاصة بالأغنام، وجمعيتين لتربية الثروة الحيوانية خاصة بتربية الدواجن، أما عدد أشجار الزيتون في إقليم الفرات، والمناطق المحررة فتبلغ ٧٧٧٠ شجرة زيتون.
تنتشر مشاريع اقتصاد المرأة في الأقاليم، والمناطق والنواحي التابعة لشمال وشرق سوريا، ففي إقليم الجزيرة وإقليم الفرات، أُسست مشاريع ثابتة، تستمر عدة أعوام، والهدف الأساسي منها تمكين المرأة اقتصادياً.
ففي هذا العام عمل اقتصاد المرأة على إنجاز الكثير من الأعمال، وكان أهمها حفر آبار ارتوازية في الكثير من المناطق، منها حفر بئرين في الحسكة، وبئر في الدرباسية، وبئر في تربه سبيه، وكان الهدف منها ري الأراضي الزراعية التابعة لاقتصاد المرأة؛ بسب قلة الهطولات المطرية.
ومن الأعمال لهذا العام أيضاً، تم تسوية أرض زراعية في الشهباء، وزرعت فيها الخضروات عن طريق الجمعيات التعاونية النسوية.
اقتصاد المرأة في إقليم الجزيرة
وفيما يتعلق بمشاريع اقتصاد المرأة في إقليم الجزيرة ففي ناحية ديرك مطعم سيمالكا، الذي يقوم بإعداد الطعام وبيعه، ومشروع جيان، الذي يقوم بزراعة الخضروات بجميع أصنافها وفي جميع الفصول (الشتوية، والربيعية، والخريفية، والصيفية)، ويوجد لهذا المشروع بئران يقومان بري المزروعات، ومن المقرر ضمن الخطط المستقبلية حفر بئر آخر، وتوسيع مشروع جيان.
ومخيم روج، الذي يتواجد في ناحية ديرك، لم يخل من مشاريع اقتصاد المرأة أيضاً، حيث تتواجد داخل المخيم محلات لبيع الألبسة، وهي تابعة لاقتصاد المرأة أيضاً. أما في كركي لكي فهناك محلات “لافين”، التي يتم فيها بيع الزي الكردي، بالإضافة إلى ماركيت نودم.
في بلدة تربه سبيه فرن الحلوة لصناعة الخبز، وثلاث جمعيات نسوية لصنع التنور، ومشروع زراعة الخضروات والقمح، ومشروع دم سال، وهو عبارة عن بيوت بلاستيكية تزرع بداخلها الخضروات المتنوعة، وفيه أيضا تتم تربية المواشي، والتي يصل عددها إلى قرابة 1000 رأس، بالإضافة إلى وجود الأشجار المثمرة.
وفي قرية دكر تم تخصيص مساحة أرض لزراعة الخضروات، ويعمل فيها سبع نساء. أما في قامشلو فهناك محل من ورش موبيليا ستار، ومحلات لافين.
وأيضاً في ناحية عامودا هناك جمعيات تعاونية للثروة الحيوانية في القرى المجاورة للناحية، ومعمل لارا للحلويات، وأراضٍ زراعية تابعة لاقتصاد المرأة، إضافةً لأعمالهم القديمة في ناحية عامودا، تم تأسيس مجموعة زراعية هذا العام، حيث تعمل فيه عائلتان من مهجري عفرين.
وفي الحسكة معمل الكونسروة التابع لمشروع دم سال، وهي مجموعة نسوية، حيث يعمل بها قرابة 15 امرأة، ويقمن بصنع المونة (مربيات، محمرة، ودبس البندورة، ملوخية، مكدوس وغيرها).
كما يوجد في مدينة الحسكة مشغل “لافين” الذي يقوم بخياطة الألبسة، وتوزيع تلك الألبسة على المحلات الأربعة التابعة لاقتصاد المرأة، التي تتواجد في كركي لكي، والدرباسية، وقامشلو، والحسكة، ويوجد عدد من الدكاكين الصغيرة، لبيع المواد الغذائية داخل المدينة.
أما مشاريع اقتصاد المرأة في النواحي المرتبطة بمدينة الحسكة، فهناك أراضٍ زراعية ومشاريع لصنع التنور في كل من الشدادي، وتل تمر.
وفي الدرباسية هناك محل “لافين” لبيع الألبسة، وفرن الهلال الذهبي، ومساحة من الأراضي الزراعية، ومشروعان لزراعة الخضروات.
إلى جانب مشاريع اقتصاد المرأة الفعالة، هناك مشاريع خارجة عن العمل، وهي سوق المرأة في ديرك وعامودا، وورش الخياطة في رميلان، وقد توقف هذه المشاريع عن العمل؛ بسبب صعوبات كثيرة، ويسعى اقتصاد المرأة لإعادة افتتاحها من جديد.
اقتصاد المرأة في إقليمي عفرين والفرات
في منطقة الشهباء يتواجد معمل للمياه المعدنية، ومحل لبيع مستلزمات الأطفال، كما هناك أراضٍ زراعية لزراعة الخضروات (البطاطا، والخيار، والثوم، وغيرها من الخضروات)، بالإضافة إلى وجود محل لصناعة الفطائر وبيعها.
أما في كوباني هناك مشروع الثروة الحيوانية وأراضٍ زراعية، وأشجار الفستق. فبلغ عدد أشجار الزيتون في إقليم الفرات قرابة سبعة آلاف شجرة، فبعد القطف يؤخذ الإنتاج من الزيتون إلى المعاصر، وإنتاج زيت الزيتون هذا العام وصل إلى 100 وعاء” تنكة” زيت، بالإضافة الى ذلك هناك مشروع بيت المونة “زاد الخير” في الطبقة، ومعمل لصناعة أكياس النايلون وأفران لصناعة الخبز.
وفي مدينة الرقة توجد قرابة أربعة أفران، وجميعها تحت اسم أفران “عافية، وعوافي” تقدم الخبز والفطائر بأنواعها.
صعوبات هذا العام…
هناك صعوبات وعراقيل جمة وقفت أمام عمل اقتصاد المرأة، منها قلة الهطولات المطرية في الأعوام القليلة المنصرمة، وأدت إلى تضرر المشاريع الزراعية، والثروة الحيوانية، بالإضافة إلى الحصار الخانق المفروض على شمال وشرق سوريا، وارتفاع سعر الدولار وبالتالي تدني المستوى الاقتصادي للمنطقة، ولكن رغم العراقيل، لم يتوقف العمل بل استمر وتوسع بشكل أكبر.
الخطط والمشاريع المستقبلية
يسعى اقتصاد المرأة إلى توسيع المشاريع الزراعية، وحفر آبار ارتوازية، وزيادة عدد المشاريع والمجموعات التعاونية للثروة الحيوانية، كما يخطط لزراعة الأشجار، وزيادة عدد مشاريع البيوت البلاستيكية، واستخدام الطاقة البديلة (الشمسية) في أعمال ومشاريع اقتصاد المرأة، وأيضاً تطوير أساليب الري الحديثة.
كما يسعى اقتصاد المرأة لافتتاح معمل الطحينية، ومعمل للمياه المعدنية في منبج، وتطوير مشروع استخراج مصل العقارب (دواء)، بالإضافة إلى تطوير مشاريع المرأة داخل المخيمات، بهدف تأمين فرص عمل لأكبر عدد ممكن من النساء العاطلات عن العمل، حيث سيتم إنشاء المشاريع والتعاونيات في أغلب المناطق بشمال وشرق سوريا.
بالرغم من الهجمات والحصار المفروض على المنطقة، استمر اقتصاد المرأة بالتوسع، وذلك بجهود النسوة، اللواتي لم تؤثر التهديدات والهجمات الاحتلالية على عملهن، وسيزدهر في المستقبل.
وانخرطت النساء في الشؤون الاقتصادية بمبادرة من مؤتمر ستار، الذي أُسّس عام 2003، هذا المؤتمر، الذي يأخذ مكانه تلقائياً ضمن النظام في شمال وشرق سوريا، له دور يلعبه في سياساته لضمان إدارة الشؤون الاقتصادية العامة بطريقة ديمقراطية، وفي إطار حرية المرأة، كما أسس اللجنة الاقتصادية للمرأة في عام 2015، وبالتالي نظم النظام الاقتصادي المستقل للمرأة، ويستمر بعمله حتى الآن دون انقطاع.
وفي كل عامين ينعقد كونفراس اقتصاد مؤتمر ستار لشمال وشرق سوريا، وانعقد هذا العام الكونفرانس الثالث، وذلك بتاريخ السادس من شهر تشرين الثاني المنصرم لعام 2022، وبحضور (350) عضوة، وممثلية عن اقتصاد المرأة والاقتصاد العام، إلى جانب مخاطبات من اللجان، والأحزاب والمؤسسات الأخرى، وكانت من أبرز مخرجات الكونفرانس الثالث لاقتصاد مؤتمر ستار لشمال وشرق سوريا، تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنطقة عبر اقتصادها الإنتاجي، والهادف لتحقيق اقتصاد حرب الشعب الثورية.
