سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

افتقاد العدالة في إنغيان

عبدالرحمن ربوع_

مرّت سنة ثقيلة، كئيبة، منذ أن فقدنا أمينة كارا ومير برْوَر وعبد الرحمن كيزل في لحظة غادرة، والخشية أن تطول السنين قبل أن تنال يد العدالة من الجاني ومن يقف وراءه، كما طالت في قضية ساكينة جانسيز وليلى شايلمز وفيدان دوغان، القضية مفتوحة منذ أكثر من عشر سنين ولم تتحقق العدالة للشهداء حتى اليوم بالكشف عن حيثيات القضية التي قتل جانيها في السجن قبل إتمام محاكمته، مع ترجيحات بتكرار نفس السيناريو ثانية.
لم تكن صدمة عادية تلك التي فجعتنا بالشهداء الثلاث لجريمة وصِفت بالعنصرية المقيتة في قلب باريس، في مثل هذا اليوم العام الماضي. يوم تسللت أيدي الغدر وطالت أرواحًا بريئة في مركز أحمد كايا الثقافي الكردي الكائن في شارع إنغيان في حي سانت دينيز في المنطقة العاشرة لباريس.
ورغم كل تصريحات المواساة والدعم من كل المسؤولين الفرنسيين؛ بما فيهم الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير الداخلية جيرالد دارمانان، وكذلك المستشار الألماني أولاف شولتس، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن؛ إلا أن ذلك لم يبرّد نار الحسرة والأسف في قلوب ذوي الشهداء، وقلوب كل متعاطف معهم، ومع ما يمثلونه من هوية إنسانية وقضية وطنية، لا تخص الكرد وحدهم بقدر ما تخص كل إنسان حر داعم ومؤيد لقضايا حرية الإنسان وحقه في حياة كريمة في وطنه على أرضه مع أهله وشعبه.
فكما أن لكل إنسان الحق في الحياة؛ من حقه أيضاً تنفيذ القصاص العادل على من يعتدي على هذا الحق ويسلبه إياه، ومن حق أهله ومحبيه معرفة الحقيقة، حقيقة الجاني، الجاني الحقيقي، والدافع، وملابسات الواقعة..
وإنّ ما يحزّ في النفس أن السلطات القضائية والشرطية الفرنسية تتجاهل أو تتعامى عن شركاء الجاني ومحرضيه رغم كل الإشارات والدلائل الواضحة التي تقول بمنتهى الصراحة أن الجريمة محض سياسية مقصودة، تم التدبير لها بمعرفة جهاز أمني مخابراتي. وليست مجرد جريمة عنصرية عشوائية ارتكبها مهووس يميني متطرف انطوائي مكتئب.
لأنه من غير المعقول بحسب أجيت بولات، المتحدث باسم المركز الديمقراطي الكردي في فرنسا أن “يستيقظ شخص ما فجأة، ويقول إنه يكره الكرد. ويأتي إلى المركز الثقافي الكردي حاملاً مسدساً، ثم يطارد أحد ضحاياه إلى مطعم كردي، ثم يركض مسافة 150 متراً في شارع مليء بالمحلات التجارية من جميع الأصول العرقية ليدخل محل حلاقة كردي ويهدد من فيه”….. “كيف يمكن أن تكون هذه جريمة عنصرية بسيطة؟”. هذا فضلاً عن تاريخ مليء بالجرائم ارتكبتها الدولة التركية مثل فضيحة سوسورلوك (1996) التي أثبتت تورط كبار مسؤولي الدولة على مدى سنين طويلة بالتعاون مع زعماء المافيا وعتاة الإجرام وعصابات الهروين في إدارة حرب قذرة مع المناضلين الكرد داخل تركيا وخارجها.
ورغم مرور عشرات السنين على التواجد الإيجابي والنشط للجالية الكردية في فرنسا، لم تُسجل حالات اعتداء عنصري ضدهم فضلاً عن جريمة بهذا الحجم وهذه الخطورة. فيما لا تُخفي الحكومة التركية، ولا يتورع المسؤولون الأتراك، بما فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، عن التهديد والوعيد لكل ناشط كردي سواء داخل تركيا أو خارجها. مع استعمال التهمة المعبأة والجاهزة “عضوية” حزب العمال الكردستاني أو “تعاطف” معه!
وهو أمر عانينا ونعاني منه في سوريا، خصوصًا خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتكبت الآلة العسكرية والمخابراتية التركية عشرات الجرائم التي طالت مئات السوريين الأبرياء بتهمة سخيفة هي الانتماء لأحزاب متعاطفة أو متضامنة مع حزب العمال الكردستاني!
إن تذكّرنا لهذه الأحداث لا يهدف لمجرد التذكّر لأشخاص يستحقون تخليد ذكراهم؛ بل يهدف بالأساس إلى تسليط الضوء على الجوانب التي لم يتم حلها بعد لهذه الجرائم، والمطالبة بالعدالة للشهداء وبالوضوح بشأن الظروف والملابسات المحيطة بها، ومحاسبة المسؤولين الحقيقيين عنها مهما كانوا.