مع ترتيل أجراس الكنائس للميلاد دولة الاحتلال التركي تكثف هجماتها

قامشلو/ دعاء يوسف ـ

تدق أجراس الكنائس في إقليم شمال وشرق سوريا احتفالاً بعيد الميلاد بالتزامن مع أصوات القذائف والهجمات المتكررة للاحتلال التركي على المنطقة، إذ يستقبل المسيحيون من الطائفة السريانية عامهم الجديد بأماني لإحلال السلام، وإنهاء ذيول الحرب والاحتلال في المنطقة.  

عيد الميلاد المجيد يُعدُّ ثاني أهم الأعياد المسيحية بعد عيد القيامة، ويمثل تذكار ميلاد يسوع المسيح وذلك بدءاً من ليلة 24 ونهار 25 كانون الأول في التقويمين الريغوري واليولياني، غير أنه وبنتيجة اختلاف التقويمين ثلاثة عشر يوماً يقع العيد لدى الكنائس، التي تتبع التقويم اليولياني عشية السادس من كانون الثاني، ونهار السابع من كانون الثاني، ورغم إن الكتاب المقدس لا يذكر تاريخ أو موعد ميلاد يسوع؛ فإن آباء الكنيسة قد حددوا ومنذ مجمع نيقية عام 325 الموعد بهذا التاريخ.

كما يترافق عيد الميلاد باحتفالات دينية وصلوات خاصة للمناسبة واجتماعات عائلية واحتفالات اجتماعية أبرزها وضع شجرة الميلاد، وتبادل الهدايا واستقبال بابا نويل وتناول عشاء الميلاد، علماً أن أعداداً كبيرة من غير المسيحيين تحتفل بالعيد أيضاً، وهي عطلة رسمية في أغلب دول العالم، كما يوجد لهذه المناسبة أغانٍ، وموسيقا، وأفلام ومسرحيات عديدة تتناولها، بأبعادها المختلفة.

زينة الميلاد

يترافق عيد الميلاد مع تزيين المنازل والكنائس والشوارع الرئيسية والساحات والأماكن العامة في المناطق، التي تحتفل بالعيد، بزينة خاصة به، وعادة يكون اللونان الأخضر والأحمر هما اللونين التقليديين للإشارة إلى عيد الميلاد، وتزين أيضاً باللونين الذهبي أو الفضي؛ حيث يرمز اللون الأخضر للحياة الأبدية، ويكون باستخدامه للأشجار دائمة الخضرة، التي لا تفقد أوراقها، في حين يرمز الأحمر لليسوع نفسه.

كما تشمل زينة الميلاد “شجرة العيد” وهي رمز لقدوم يسوع إلى الأرض من ناحية، وهو حسب التقليد يجب أن تكون من نوع شجرة اللبلاب بحيث ترمز ثمارها الحمراء إلى دم يسوع وإبرها إلى تاج الشوك، الذي ارتداه خلال محاكمته وصلبه وفق العهد الجديد.

ويلحق بالشجرة عادة، مغارة الميلاد، وهي أقدم من الشجرة تاريخيًا، إذ كان تصوير مشاهد ولادة يسوع منتشرًا في روما خلال القرن العاشر، ففي عام 1223 شيدت مغارة حيّة، أي وضع رجلاً وامرأة لتمثيل مريم ويوسف وطفلاً لتمثيل يسوع مع بقرة وحمار المستمدين من نبوءة أشعياء حول المسيح، وانتشرت في مختلف أنحاء العالم، وهي تمثل حدث الميلاد.

إلى جانب الشجرة والمغارة، فإنّ الأجراس والسلاسل الذهبية والكرات الحمراء وندف الثلج، وأكاليل أغصان دائمة الخضرة، والشموع اللولبية والملائكة وحلوى القصب والجوارب الحمراء، والنجوم -رمز لنجم بيت لحم -تعدُّ داخلة في إطار زينة الميلاد التقليدية، ذلك يشمل أيضًا وجوه لبابا نويل وغزلانه، حيث درجت التقاليد الشعبية على اعتباره قادمًا على متن عربة يجرها الغزلان؛ أما أكاليل الأغصان دائمة الخضرة فتوضع عادة على أبواب المنازل أو النوافذ لإظهار أن المسيحيين يؤمنون بأن يسوع هو نور العالم.

كما لا يوجد تاريخ محدد لوضع زينة الميلاد، غير أنه قد درجت العادة بدء التزيين مع الأول من كانون الأول، وفيما يخص شجرة الميلاد يرتبط تقليديًا بليلة العيد أي عشية 24 كانون الأول، غير أن أعدادًا أقل من المحتفلين لا تزال تلتزم به، وترفع زينة الميلاد في الخامس من يناير عشية عيد الميلاد.

صلوات الكنائس

تبدأ صلوات البرامون، والتي تستمر للتاسعة صباحاً، وتضم تسبيحة نصف الليل (الخاصة بالبرامون)، وتتضمن سبع إبصاليات ـ ترتيلات وتمجيدات ترتل على آلة وترية ـ كانت مرتبه أصلا على ثيؤطوكيات الأسبوع، أما الآن فتقال بالترتيب الآتي:

على الهوس الأول، شيري ني ماريا، الهوس الثاني، الهوس الثالث المجمع، الهوس الرابع والثئوطوكية، وطبعًا تقال الإبصالية قبل الهوس.

ثم يقام قداس البرامون: إذا اكتفوا بصلاة المزامير في القداس حتى الساعة التاسعة، فينبغي أن تكمل قبل تسبيحة عشية العيد يوجد مرد إبركسيس، مرد إنجيل، إسبسمس واحد (أدام).

وقد حدثتنا عضوة الاتحاد النسائي السريانية “صباح شابو” عن احتفالات العيد ضمن الكنيسة، وصلوات العيد التي تبدأ منذ بداية كانون الأول، بقولها: “نقوم بإشعال الشموع كل أحد على مدار أربعة أسابيع، ففي كل أسبوع نشعل شمعة حتى تأتي شمعة ميلاد المسيح، والتي ترمز لشمعة الحياة والمحبة والعدالة والتسامح، وهي شمعة عشية الميلاد”.

وفي عشية عيد الميلاد المجيد تقال إبصالية اليوم السابق للعيد وهي واحدة من الإبصاليات السبعة الخاصة بالعيد نفسه، ثم تقال ثيئوطوكية اليوم، ويكمل كالمعتاد مع مراعاة قراءة الطرح والميمر الخاص بالعيد بعد الثيئوطوكية.

عشاء الشكر

يعدُّ عيد الميلاد المجيد أحد أهم الأعياد في الكنيسة، حيث يمتنع الأقباط خلاله عن اللحوم ومنتجات الألبان، كما يتميز صوم الميلاد بعدد من الطقوس الخاصة مثل سهرات كيهك والطقس المبهج في التسابيح.

تبدأ كنيسة السريان الأرثوذكس أول كانون الأول، صوم الميلاد المجيد، حيث اختصرت مدة الصوم وجعلت مدته 25 يومًا، بدءًا من الأول من شهر كانون الأول حتى مساء يوم الرابع والعشرين من شهر كانون الأول.

ويعدُّ “صوم الميلاد” من الدرجة الثانية، خلال فترة صوم الميلاد تسمح الكنيسة بتناول السمك، على خلاف الصوم الكبير الذي ينتهي بعيد القيامة، تمنع فيه الكنيسة تناول الأسماك تمامًا، لأنه يعد صومًا من أصوام الدرجة الأولى، وقد سمحت الكنيسة بأكل السمك في بعض الأصوام للتخفيف عن الإقباط بسبب كثرة أيام الصوم، واحتياج البعض للبروتين الحيواني.

وفي ختام أيام الصوم وليلة الرابع عشر من كانون الثاني تحتفل العوائل المسيحية بمؤدبة طعام لإنهاء الصيام، فيما بينت صباح: “نقوم بإعداد العديد من المأكولات الغنية باللحوم بعد انتهاء مدة الصيام، ويدعى عشاء الشكر لرب العالمين الذي أرسل السيد المسيح، وفي صباح يوم الميلاد، نرتدي ثياباً جيدة ونذهب للصلاة في الكنائس لنستقبل ولادة السيد المسيح”.

أصوات القذائف تخترق احتفالات عيد الميلاد

هذا ويحتفل إقليم شمال وشرق سوريا بعيد الميلاد على أصوات قذائف وطائرات الاحتلال التركي التي استهدفت العديد من المناطق، فمنذ يومين كثفت طائرات الاحتلال من هجماتها على المنطقة، وبينت صباح: “أن مناطقنا تعاني من ويلات الحرب والاحتلال منذ زمن، إلا أننا مازلنا نعلق الزينة في منازلنا وشوارعنا، ونرفع من صلواتنا لعام جديد يملؤه الحب والسلام”.

ولهذا العيد قدسية كبيرة لدى المسيحيين إذ يعدّ ثاني أهم الأعياد المسيحية بعد عيد القيامة، والاحتلال التركي بهجماته يحاول محو هذه القدسية التي جمعت الطائفة المسيحية: “أن النجوم الساطعة التي تعلق أعلى شجرة الميلاد تدل على ولادة نور جديد وحياة جديدة، وأن الاحتلال التركي يحاول هدم هذه الحياة السلمية بكل الوسائل”.

وتمنت عضوة الاتحاد النسائي السرياني “صباح شابو” في ختام حديثها أن يكون العام القادم عاماً يشهد على إعادة الحقوق لأصحابها، ويعم السلام والتعايش المشترك بين الشعوب جميعها: “ولنتخلص في عامنا الجديد من آلام الاحتلال وهجمات الإبادة على المنطقة”.