افتعال الأزمات.. والتدخّلات

دجوار أحمد آغا_

غالباً ما تقوم الحكومات والسلطات القمعية والاستبدادية، وتلك التي تدّعي الديمقراطية، إلى خلق وافتعال أزمات، أي صنع شيء من لا شيء، من أجل إيجاد المبرر للتدخل في الشؤون الداخلية للبلد المعني أو الشعب المحكوم، والمغلوب على أمره.

المفكر والفيلسوف الأمريكي الكبير نعوم تشومسكي ذكر عشر استراتيجيات تعتمد عليها الحكومات والدول للتدخل، من ضمنها استراتيجية (خلق المشكلة، ثم توفير الحل لها). أي بمعنى آخر، تقوم السلطات بنفسها بافتعال أزمات بحيث ينتشر العنف في البلاد، ولا تتدخل السلطات لوقفه؛ ما يدفع الشعب إلى مطالبتها بالتدخل. الأمر الذي تعدُّه السلطات تفويضاً من الشعب، فتقوم بفرض حظر التجوال؛ أو فرض حالة الطوارئ وما شابه ذلك.

سياسة متّبعة

هذا الأمر منتشر وبكثرة في مختلف دول العالم، كون الدولة تقوم بفرض سلطتها على الشعب مقابل توفير بعض الأمور الأساسية له. وهذا الأمر تمارسه الدول الكبرى أيضاً وتسعى إلى تصدير الأزمات الداخلية التي تقع فيها إلى الخارج. وعندما لا ينجح الأمر؛ تقوم بافتعال أزمات داخلية تبسط من خلالها سطوتها وبتفويض من الشعب نفسه كما ذكرنا سابقاً.

سياسة كانت حاضرة دوماً وما تزال وسيلة مهمة بيد السلطات، التي تستخدمها وقت تشاء لإشغال الشعب عن القضايا الجوهرية والأساسية، والتي في الغالب تكون قد أصبحت قضية رأي عام. لذا فهي تُبقي الشعب منغمساً في المشكلة أو الأزمة، التي تفتعلها السلطات بذاتها وتُسلّط الأضواء عليها وبقوة، فيما تقوم بتعتيم إعلامي وتجاهل تام للقضايا الرئيسية التي تهم الشعب.

افتعال الأزمة

في معظم المجتمعات الشرقية، عندما تجري مناسبة معينة يكون الهدف منها شيئاً آخر، فمثلاً الكثير من الأعراس، التي تقوم في المنطقة لا يكون الهدف منها هو العرس نفسه، بقدر ما يكون تغطية لمصالح مشتركة أو كما يقال “زواج مصلحة”. أيضاً عندما يتم إقامة موالد وولائم غذاء، يكون الهدف منها نشر فكر معين وليس إطعام الفقراء والمساكين. أما حقيقة الأمر؛ فإن ما يجري يكون مرسوماً ومخططاً له بشكل جيد، ويشبه إلى حد بعيد عملية ختان الصبية، التي تجري في البلاد الإسلامية حيث تقام احتفالات وزينة، وطبل، ومزمار، والكل يفرح ويرقص بمن فهم الطفل، الذي سوف يتم إجراء عملية الختان له، دون أن يكون على علم بما يجري من حوله، وما يخطط له. في نهاية المطاف وأثناء إجراء عملية الختان يعلم حجم المؤامرة، لكن دون جدوى. وهذا ما يجري لنا في الواقع، مع فرق بسيط هو أنه في الحالة الأولى الضحية طفل أو عدة أطفال، والمزمّرون والمطبّلون هم الأكثرية، بينما في حالتنا فالشعوب هم الضحية، أي أن الأكثرية هي الضحية، بينما من يتحّكم بالأمر هم الأقلية، التي تحكم وفي يديها السلطات.

كيفية صناعتها وأدواتها

هي حقيقة إذاً؛ صناعة الأزمات وقت ما يشاء صُنَّاعها، هي سياسة متّبعة لدى معظم الحكومات الدكتاتورية والسلطات الاستبدادية. فعندما تشعر بوجود خطر ما يهدد سلطتها خاصة من جانب الشعب، تقوم بالتخطيط المسبق لخلق أزمة بصورة مفتعلة، وتدفعها للواجهة بحيث تشلّ تفكير الطرف المستهدف، الذي هو الشعب وتجعله يعيش في دوامة ويخضع لتأثيرات هذه الأزمة. الأمر الذي يساعد السلطات على تمرير مشاريعها، التي خططت لها بشكل يظهر، وكأنه مطلب شعبي.

بالتأكيد فإن السلطات تقوم بافتعال الأزمات بشكل غير مباشر عبر أدواتها وعملائها، بحيث تأتي فيما بعد لكي تتدخل بطلب من الشعب وتقوم بحل الأزمة. ولذاك فهي تحتاج إلى بعض الإجراءات، التي تقوم بها لكي تُبعد الشبهات عنها. منها مثلاً:

– الدفع بأكبر عدد ممكن من الشخصيات المحلية وربما الأجنبية إلى لعب أدوارها ضمن نطاق الأزمة، وفق الدور المرسوم لها.

– مصاحبة الأزمة المفتعلة بالكثير من الصخب والضجيج، والتهويل الإعلامي بحث تشّد الأنظار إليها بشكل كبير.

– من الممكن أن تقوم السلطات بالتضحية ببعض الرؤوس الصغيرة المشاركة في افتعال الأزمة؛ بغية إضفاء طابع حقيقي، وجعلها أكثر مصداقية لدى الشعب.

أسباب افتعال الأزمات

أهم الأسباب التي تدفع السلطات الحاكمة إلى افتعال الأزمات يمكننا إيجازها بالآتي:

– ربما من أهم وأكثر الأسباب، التي تدفع السلطات إلى افتعال أزمات مزيفة هو وجود أزمات حقيقية تعاني منها تلك السلطات في تعاطيها مع شعوبها، نتيجة سياساتها الخاطئة، والقائمة على حماية مصالحها الشخصية بعيداً عن المصالح العامة للشعب، بحيث لا تستطيع أن تجد لها الحل المناسب؛ فتقوم بافتعال أزمة ما للتمويه وإخفاء الأزمة الحقيقة، وتوجيه الأنظار إلى الأزمة المفتعلة بعيداً عن الحقيقية التي تعاني منها.

– السبب الثاني في الغالب يكون من أجل السيطرة على مناطق جديدة، ومواقع لا يمكن بالحالة العادية الدخول إليها. فتقوم بحجة وجود خطر على أمنها القومي على سبيل المثال، واستباقاً للأمور بالتقدم واحتلال مناطق ليست لها تحت هذه الحجة وكضربة استباقية. (التدخلات التركية، واحتلالها لمناطق في سوريا، العراق) نموذجاً.

– السبب الثالث يكون في العموم اقتصادياً بحيث تعاني السلطات من نقص كبير في السيولة المالية، والعجز في الميزان الاقتصادي، وتدهور في سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبي؛ ما يدفعها إلى خلق أزمة أخرى؛ لكي تستطيع أن تستولي على أرصدة البنوك والمصارف والودائع، التي وضعها المواطنون فيها لتحسين وضعها. وهو ما يجري حالياً في لبنان على سبيل المثال. فالبلد ما زال يمر بأزمة سياسية مفتعلة من جانب السلطات الحاكمة، بحيث لا يكون الرئيس ولا البرلمان قادرين على الاتفاق على مرشح رئاسي في ظل الانهيار الاقتصادي، الذي يعاني منه البلد.

– بالإضافة إلى ما تم ذكره هناك سبب آخر يدفع البعض إلى افتعال الأزمات، وهو عملية حبك مؤامرة ما ونسج خيوطها، فمثل هذه العمليات تحتاج إلى أجواء هادئة وتكون بعيدة عن الأعين، لذا غالباً ما تقوم السلطات التي تخطط لمؤامرة ما، بافتعال أزمة وتوجيه الأنظار إليها لكي تقوم بالعمل بهدوء على صناعة مؤامرتها لتكون ناجحة.

– آخر الأسباب التي سوف نتحدث عنها هي عندما تحتاج السلطات الحاكمة إلى تعطيل الدستور أو إلى تأجيل أو تأخير الاستحقاقات الانتخابية. تقوم السلطات بافتعال أزمات، قد تكون أحياناً حقيقية، أو مفتعلة ضمن البلد أو حتى خارجه مع دولة أخرى، تمهيداً لإعلان حالة الطوارئ والاستنفار؛ ما يؤدي بالتالي إلى تأجيل أو الغاء الانتخابات، أو حتى تعليق الدستور، والعمل به في ظل الظروف التي تحيط بالأزمة المفتعلة. هناك الكثير من الأمثلة على ذلك ربما أبرزها حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس التركي أردوغان، وقرّب الانتخابات لعلمه أن المعارضة، ليست مهيئة بعد لخوضها.