سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

اختتام المؤتمر النسوي اللبناني على أمل تغيير واقع المرأة نحو الأفضل

اختُتم المؤتمر النسوي اللبناني الذي حمل عنوان “من التحدي يأتي التغيير”، فعالياته السبت في السابع من شهر آب، بعد يوم مكثف من المحاضرات والمواضيع المتنوعة التي سلطت الضوء على الإجحاف بحق المرأة والفتاة.
تناولت الجلسة الأولى من المؤتمر النسوي اللبناني الذي انعقد تحت عنوان “من التحدي يأتي التغيير”، قانون الأحوال الشخصية التي حاضر فيها الأستاذة عتيبة مرعبي والأستاذة عايدة نصر الله والدكتورة دولي الخباز والقاضي جان قزي.
وأشارت الدكتورة عتيبة مرعبي إلى الإجحاف في قوانين الأحوال الشخصية، وتطرقت خلال مداخلتها إلى الزواج والطلاق في مختلف الأديان السماوية.
رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية الأستاذة عايدة نصر الله، أشارت إلى أن الدراسات أثبتت أن أكثر ما تعانيه المرأة من إجحاف وتمييز هو في قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة وعلاقتها بزوجها وأولادها.
“علينا تنزيه اللغة من التخلّف
 وفي حديث لوكالة أنباء المرأة قالت رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية الأستاذة عايدة نصر الله: “أنا مؤمنة بأن هناك لحظة تاريخية محددة غيّرت المجتمعات البشرية القديمة لصالح الرجال، هذه اللحظة مرتبطة بالواقع الاقتصادي حيث كانت المرأة تتبوأ مراكز مهمة في الاقتصاد والعائلة أو القبيلة، وكان لديها هذا النفوذ والأهمية وكان الأولاد يُنسبون للوالدة لا للوالد، كما أنها كانت من تقوم بالتوريث لأولادها”.
وتابعت: “في هذه اللحظة التاريخية التي بدأت مع الزراعة ولاحقاً مع الصناعة وبدأ الرجل يمتلك وسائل الإنتاج في الوقت الذي كانت فيه المرأة مجبرة أثناء الحمل والولادة أن ترتبط بأطفالها بدلاً من العمل خارج المنزل، من هنا انقلبت الأدوار أي أن المسألة اقتصادية أكثر منها أي شيء آخر، لأن الاقتصاد هو الذي يحدد مكانة الشخص”.
وفيما يتعلق بأهمية اللغة وتأنيثها، تقول: “اللغات حين وُضِعت في مرحلة لاحقة أي عندما تم تدوين اللغات كان المجتمع البشري أصبح لصالح الرجال، لذلك من وضع اللغة هم الرجال، وبالتالي الذكورية موجودة بهذه اللغات لأن الرجل وضعها”، وطرحت أمثال ككلمة “نائب” للمرأة أو المدير.
وأضافت: “الأسوأ من ذلك أن جمع الأشياء والحيوانات يتم جمعها على أساس التأنيث، مثلاً نقول البقرات تلهو والمرأة تلهو، البقرات التي والمرأة التي..  بينما “الذي” هي للأشخاص المهمين أي الرجال والذين لا يختلفون عن المرأة إلا من حيث الجيولوجيا، بينما من حيث القدرات والإمكانات يثبت يوماً بعد يوم أن النساء لا يقلّن عن الرجال بقدرات وإمكانات على كل المستويات”.
وتلفت إلى أن العديد من الكلمات تحمل أكثر من معنى ويتم تحديدها وفقاً لسياق النص الذي وردت فيه، وتشدد على وجوب أن ننزه ونطهّر اللغة العربية من كل هذا الافتراء والتخلف.
“خلص تنقذ المرأة من المعاناة والظلم”
المهندسة المعمارية دولي خباز تحدثت في مداخلتها عن حملة “خلص” التي أطلقتها، فتقول: “نشأت الحملة من تجمع لعدة نساء تعرضن للعنف والظلم في المحاكم الدينية من كافة الطوائف والأديان، وهن اليوم عائلة، نستقبل كل امرأة تواجه مشاكل ونشرح لها كيفية التصرف وكيف تحصل على حقوقها ونقف إلى جانبها ثم تصبح جزءاً من هذه الحملة وتستقبل معنا المزيد من النساء”.
وتضيف “تضم الحملة نساءً إما تعرضن للعنف والظلم أو هن مؤمنات بالقضية وحملة “خلص”، وتعمل الحملة على التوعية الفنية والثقافية والدينية، وعملنا على أغنية بعنوان “خلص” ونعمل حالياً على إنتاج فيلم وأغنية ثانية، ونقوم بمساعدة النساء بطريقة سرية إذ لا يوجد لهن ملفات”.
وتتحدث عن تجربتها: “أنا مهندسة ولم أكن يوماً ناشطة اجتماعية ولكن الظلم الذي تعرضت له في المحكمة الدينية، هو الذي أوصلني إلى هنا، فاجأتني القوانين اللبنانية بعدم مساندة المرأة وكل تضحياتها تذهب سدىً وكان هدفي ألا تعيش نساء أخريات التجربة نفسها”.
وزادت: “نقوم بتوعية المرأة لكيفية حماية نفسها إن كانت عزباء، متزوجة أو مطلقة، وكيفية ترميم نفسها لأن المرأة تكون مهدّمة نفسياً بعد الطلاق. أسست حملة “خلص” وكانت عبارة عن تجمع صغير وأصبحت الحملة تضم عدداً كبيراً من النساء”، ونوهت: “نحن نركز على الجانب الروحي، كما أننا نتحدث لغة المرأة المعنفة والمظلومة التي لا تجد من يتحدث لغتها”.
كما وضحت قائلةً: “نحن وصلنا إلى مرحلة سنفرض فيها قوانين لا ننفذ قوانين، وبدأت المرأة تستعيد ثقتها بنفسها وبحقوقها، على المرأة أن تعرف موقعها وأهميتها وهذا ما نسعى إليه بأن تدركه المرأة في الحملة”.
للاعتراف بالإبادة النسائية”
وفي الجلسة التي تناولت العنف وقانون تجريم العنف الأسري، روت ماري فرحات تجربتها مع العنف الأسري، ولفتت إلى أنها تعرضت للعنف اللفظي والجسدي والمعنوي، لكنها لم تستسلم على الرغم من أنه تم حرمانها من أولادها الصِبيَة وتم تحريضهم عليها بينما أخذت بناتها، ثم عادت إلى الجامعة لاستكمال دراستها وبالفعل افتتحت مركزها التربوي الخاص بها.
من ناحيتها تحدثت رئيسة رابطة جين بشرى علي في الجلسة وتناولت كيفية تغير دور المرأة من آلهة إلى مادة وسلعة وشيء، ليست ذاتاً فاعلة بل مفعول بها دائماً.
وسلطت الضوء على حرية المرأة، وسألت: “هل النائبات في المجلس النيابي هن نساء حقيقيات أصيلات بوعيهن في البرلمان أم أنهن جنس امرأة فقط؟”، وأكدت على ضرورة أن نُعيد كنساء النظر فيما تعلمناه.
ولفتت إلى أنه تاريخياً الواقع الاقتصادي والاجتماعي كان ملتفاً حول المرأة، ثم تم إقصاؤها لاحقاً من قبل النظام الأبوي والذكوري والبطريركي من الاقتصاد وأصبحت عاملة مجانية في البيت ومن دون أجر.
مشيرةً إلى أن الناشطات والحقوقيات اللواتي تعرضن في السنوات الأخيرة للعنف والقتل لأنهن رائدات في مجالهن وبلدانهن، وقالت: “نحن أمام إبادة النساء، لا زلنا نجهد لكي تعترف المنظمات الدولية بالإبادة النسائية، إذ أنه في صلب كل إبادة جماعية هناك إبادة نسائية، ومثال على ذلك مجزرة شنكال وهي مثال حي على ذلك، هناك إبادة نسائية لجيل بأكمله، ما يؤدي إلى ولادة جيل مُغترب عن نفسه، فلندوّن تاريخ حرية المرأة بوعينا ومصالحنا”.
وفي مداخلة للمحامية منال ماجد ومسؤولة اللجنة القانونية بالتجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، تطرقت إلى قانون العنف الأسري والتعديلات التي أدخلت إليه، ولفتت إلى الإحصاءات الصادرة عن قوى الأمن الداخلي والتي تشير إلى أن حالات العنف الأسري زادت في لبنان إلى 104% في ظل انتشار وباء كورونا والوضع الاقتصادي الصعب.
وأضافت: “هناك تفنن بأساليب العنف والضرب، كما أن العنف لا يقتصر على العنف الجسدي”، وأشارت إلى الخدمات القانونية التي يقدمها التجمع النسائي الديمقراطي، وشددت على أهمية أن تلجأ المرأة مباشرةً بعد تعرضها للعنف إلى الطبيب الشرعي أي خلال 24 ساعة.
“التسرّب المدرسي”
في الجلسة الثالثة، تحدثت مديرة مدرسة دوحة المقاصد في صيدا هناء جمعة، عن دور المدرسة والقادة التربويين في بناء الجيل أو الفتاة، وشددت على ضرورة تعليم الفتيات بالمحبة، “نعلّم بناتنا وحقها بالتعليم هو مدخل لباقي الحقوق”.
ودعت إلى التشبيك ما بين المدارس في محاولة للوصول إلى العدالة التربوية، بالإضافة إلى تمكين الفتاة بالمهارات الحياتية والاجتماعية لكي تكون قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، وشددت على توعية الأهل وضرورة ألا يحرموا أولادهم من التدريس ولاسيما الفتيات.
من ناحيتها، تناولت رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لمى الطويل، موضوع التسرب المدرسي ولا سيما في المدراس الرسمية وخاصةً في المناطق النائية، ووضع الفتيات القاصرات اللواتي يذهبنَ إلى التزويج، وشددت على أهمية أن يتم التركيز على هذه المناطق، وأوضحت: “مثلاً لا يوجد إنترنت في منطقة القرعون وبالتالي التلاميذ في هذه المناطق لم يتابعوا دراستهم منذ عامين”.
“المرأة في الإعلام ومراكز صنع القرار”
في الجلسة الأخيرة تم التطرق إلى صورة المرأة في الإعلام وكيفية تعاطي وسائل الإعلام مع قضايا المرأة، بالإضافة إلى تسليع المرأة في الإعلانات، وتحدثت الدكتورة خالدات حسين عن واقع المرأة الفلسطينية في مراكز صنع القرار.
وفي الختام أجمعت المشارِكات على تفعيل جلسات التوعية للنساء والفئات الأكثر عرضة للتمييز، وتحصينهن بالمعرفة بحقهن في المساواة وتكافؤ الفرص والتصدي لكل أشكال العنف والإجراءات التمييزية، بالإضافة إلى ضرورة وجود دليل يُعنى بالمهارات الحياتية اللازمة، وموضوع الجندرة والمساواة بين الجنسين.
وكذلك وضع برامج وخطط داعمة لموضوع الجندرة، وإدراجها ضمن برامج التربية والتعليم الخاصة بالمدارس، وأن يكون هناك انفتاح على المدارس داخل وخارج لبنان، في سبيل تبادل الخبرات والتشبيك بين المدارس للوصول إلى عدالة تربوية.
بالإضافة إلى وضع خطط عمل استراتيجية وممنهجة لتشكيل قوة ضغط على الجهات المعنية بهدف الالتزام باتفاقية سيداو، وبتطبيق كافة بنودها دون أي تحفظات، وتعزيز الشراكة بين كل الأطراف المعنية فيما يخص موضوع الجندرة، لتبادل الخبرات والتعلم من التجارب.
وتخصيص حلقات دورية للأهل، ومتابعتهم لحثهم على تأمين تربية سليمة للفتيات ترتكز على المساواة الفعلية والعدالة الاجتماعية.
مساعدة السيدات المعنفات قانونياً عبر إطلاق خط ساخن لإعطاء استشارات قانونية، أو عبر إنشاء مراكز إيواء، ومكافحة الذهنية الذكورية بكل أشكالها وأدواتها في المؤسسات الرسمية وفي المجتمع والأسرة.
صياغة الخطاب النسوي الفكري والمعرفي لكي تتمكن المرأة من تغيير واقعها نحو الأفضل بما يتناغم مع ماهيتها وهويتها ووجودها، وتأسيس المنظومة أو النسق النسائي المعرفي القادر على ترميم ما تصدع وبناء ما تهدم برؤية نسائية مستقلة وأصيلة.
وأكدن على الخروج من الفضاء الأنثوي الوهمي المتمثل بكون المرأة سلعة أو جسداً للَّذة، لأن تصبح ذاتاً فاعلة قادرة على الوثوق بإمكانياتها، وبالتالي تحويل الاستحالة إلى إمكانية، وامتلاك المرأة حقها في كتابة تاريخها بدلاً من أن يكتبه الرجل، وذلك لكي تبني حاضرها وتستشرف مستقبلها بذاتية علمية أكاديمية تنسجم مع الطبيعة والكون.
إنشاء مرصد عربي للتربية الشعبية مهمته تنظيم جهاز إداري للمشاركة في وضع مشاريع القوانين، تشكيل قوة ضغط لإقرار قانون موحّد ملزم للأحوال الشخصية، ودعم حملة جنسيتي حق لي ولأسرتي لإقرار قانون حق المرأة اللبنانية إعطاء الجنسية لأولادها.
الضغط لإقرار مرسوم لتطبيق قانون إلزامية التعليم على جميع المراحل، تمكين الفتاة بالمهارات الحياتية والمعيشية الاجتماعية لكي تكون قادرة على اتخاذ القرارات المستقلة وترسم مسار حياتها، وأوضحن أنه ينبغي على المرأة أن تُشكل خطابها الفكري والمعرفي لتتمكن من تغيير واقعها نحو الأفضل.
وشددن على أن المرأة يجب أن تعي ماهيتها وهويتها، وأن تعمل على إثبات ذاتها ووجودها ككائن فتتمكن بالممارسة العملية والتطبيقية من الانتقال بالوعي بذاتها إلى الوعي في ذاتها وصولاً إلى الوعي لأجل ذاتها، وأن تخرج من حدود دائرتها المغلقة الضيقة إلى عالم أرحب، حيث تحقق كامل إنسانيتها واكتمال ذاتها ككائن قادر على الخلق والإبداع.