إلياس الرحباني… أمير اللحن وملك الوتر

إعداد/ عبد الرحمن محمد-

لا يذكر الغناء والموسيقى في الوطن العربي إلا وترقص في الذاكرة أسماء كواكب في سماء الموسيقى والفن، وتحضرنا عائلة الرحباني بكل عنفوانها بأسمائها اللامعة وأعمالها الموسيقية التي أضحت مدرسة عربية وعالمية في هذا الفن العريق، وقد أثرى الرحابنةُ الموسيقى العربية بعشرات، بل ومئات الأعمال الراقية.

إلياس الرحباني هو الأخ الثالث والشقيق الأصغر للأخوين عاصي ومنصور، وُلد في بلدة أنطلياس في محافظة جبل لبنان عام 1938م، وتكفل برعايته أخواه عاصي ومنصور وهو في الخامسة بعد رحيل والدهم حنا الرحباني، وأشرفا على تربيته وتعليمه، فدرس الموسيقى في الأكاديمية اللبنانية (1945 – 1958) والمعهد الوطني للموسيقى (1955 – 1956)، كما تلقى ولعشرة أعوام دروساً خاصة في الموسيقا من قبل أساتذة فرنسيين.

تعرض إلياس الرحباني لإصابة في يده اليمنى حالت دون سفره إلى روسيا لإكمال دراسته وهو في التاسعة عشرة من عمره 1957 مما ترك أثراً موجعاً في نفسه، فقرر الاهتمام بالتأليف الموسيقي، وكانت انطلاقته العملية مع إذاعة بي بي سي عام 1958م، حيث أبرم معها عقداً بتلحين /40 أغنية ووضع موسيقا لـ13 برنامجاً/ مقابل أجر بحوالي 4000 ليرة لبنانية.

بدأت بعد ذلك إنجازات الفنان والموسيقي الشاب تتوالى وبدأ نجمه يعلو ففي عام 1962 بدأ بالتعاون مع المغنّين المعروفين، بأغنية «ما أحلاها» للمغني نصري شمس الدين، وعمل في إذاعة لبنان كمستشار للموسيقا ومخرج إذاعي حتى عام 1972 وخلال تلك الفترة تزوج من نينا خليل ورزق منها بولديه غسان وجاد، ثم سافر إلى فرنسا عام 1976م.

 نال الرحباني الصغير العديد من الجوائز العربية والعالمية، منها: جائزة مسابقة شبابية في الموسيقى الكلاسيكية 1964، جائزة عن مقطوعة La Guerre Est Finie (الحرب انتهت) في مهرجان أثينا عام 1970، شهادة السينما في المهرجان الدولي للفيلم الإعلاني في البندقية عام 1977، الجائزة الثانية في مهرجان لندن الدولي للإعلان عام 1995، الجائزة الأولى في روستوك بألمانيا عن أغنية Mory، وجوائز في البرازيل واليونان وبلغاريا. وعام 2000 كرّمته جامعة بارينغتون في واشنطن بدكتوراه فخرية، وكذلك جامعة أستورياس في إسبانيا.

يعد الرحباني من ألمع الموسيقيين في القرن العشرين عربياً وعالمياً فقد قدم المئات من الأعمال الموسيقية الرائعة والهامة، ففي رصيده الفني ما يربو على 2500 لحن لأغنية على مدى حوالي ستين عاماً، وتنوعت تلك الألحان لأغنيات طربية ورومنسية وثورية وشعبية، كما أنه لحن لعظماء في الغناء العربي، ومنهم فيروز وصباح ووديع الصافي وملحم بركات وفنانين كبار آخرين، بالإضافة إلى ألحانه المميزة لأغنيات أجنبية، إضافة لموسيقا تصويرية لما يقارب 25 فيلماً، ولا يفوتنا أنه قدّم نشيد الفرنكفونية كتحية لـ52 بلداً شارك في القمة الفرنكفونية التي عقدت في لبنان في عام 2001م. وله كتاب وحيد في الشعر بعنوان “نافذة العمر” صدر عام 1962م.

إلياس الرحباني آخر العنقود في عائلة الرحباني التي ارتقت بالموسيقى العربية إلى مصاف العالمية، رحل عن عالمٍ أحبه وعشقه، وعن أحبته وجماهير عشاق ومتذوقي الموسيقا الراقية وترك بالغ الحزن وعميق الألم في نفوس الكثيرين، وقد ضجت المواقع والصفحات الفنية على شبكات التواصيل بآلاف التغريدات وبرقيات العزاء والمواساة للشعب اللبناني والرحابنة بالمصاب الجلل ومنها تغريدة وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عباس مرتضى “غادرنا اليوم ثالث الرحابنة.. الموسيقار العبقري إلياس الرحباني، وبخسارته الفادحة تفتقد الأغنية اللبنانية الحديثة والمسرح الغنائي أحد أهم أعمدته التي رفعها إلى مصاف العالمية، محققاً شهرةً بناها بتحليقه خارج السرب بشخصية فنية منفصلة وسمت مشواره الفني ذا البصمة المختلفة التي مزجت بين اللحن الشرقي والغربي”.

ونعت نقابة الفنانين المحترفين في لبنان الراحل، فقالت: “مع فيض الأسى في القلوب، والحزن في العيون، تنعى نقابة الفنانين المحترفين في لبنان المبدع الكبير، فقيد لبنان، وسيد ساحات الإبداع في الوطن العربي والعالم”.

رحل إلياس الرحباني إلى عالم الخلود الأبدي بعد اسبوعين من إصابته بفيروس كورونا وإدخاله المشفى وذلك يوم الاثنين 4/12/2021م. لتبقى أعماله أثره العطِر تروي للأجيال القادمة حكاية عاشق للحن ومبدع جاور النجوم بتميزه ورقي أعماله.