تمكنت الفنانة التشكيلية اللبنانية ثريا حلاّل من التحليق في فضاء إبداعاتها، وهي تنسج من ركام الموت خيطاً لذاكرة جديدة عنوانها الجمال، في تحدٍّ صريح للحرب، وما خلفت، وتخلف من كوارث، ودمار، وويلات، أدواتها الحديد والبلاستيك، وأيضاً ما نجم عن انفجار مرفأ بيروت الكارثي من مخلفات، فضلاً عن ركام الحروب، التي مرّ بها لبنان منذ العام 2006.
لم تكتفِ ثريا حلاّل بمواجهة الحروب فحسب، بل عمدت إلى تبني رسائل بيئية، واجتماعية، وإنسانية قدمتها على شكل أعمال فنية جسدتها بمشاعرها، وأحاسيسها على شكل مجسمات، ولوحات تصدرت معارض عدة داخل لبنان وخارجها، ولعل أكثر رسالة قدمتها الفنانة اللبنانية تمثلت في قدرتها على تحويل النفايات والمواد المهملة إلى إبداعات، وفن راقٍ توائم فيه بين الفن والاستدامة، لتحيي ذاكرة للغد مضيئة بقيم الحب، والخير والجمال.
ثلاثة معارض فردية
منذ معرضها الأول “ولادة جديدة” الذي أقامته في مرحلة شكلت نقطة انعطاف في حياتها، وباستخدام البلاستيك والقماش وغيرها من المواد المهملة، قامت الفنانة التشكيلية ثريا حلّال بخط مسار متميز، وغير تقليدي في هذا المجال، ليتبعه معرضها الثاني “فن، بيئة، إنسان”، الذي قدمت فيه قطعاً فنية مختلفة بمواد تساهم بالتلوث البيئي مثل أكياس وزجاجات البلاستيك والمعادن وغيرها، جمعت فيه الفن مع البيئة والإنسان، ومؤخراً معرضها الثالث “منرفض نحن نموت” الذي أقيم في معرض إكزود في منطقة الأشرفية في الضاحية الشرقية من العاصمة بيروت في الخامس والعشرين من آذار الفائت، واستمر إلى أمس السبت الثاني من نيسان.
تمتلك ثريا حلال إلى جانب معارضها الثلاث الفردية، معارض مشتركة عدة في لبنان وخارجها، وهي حالياً تدرس الماجستير في الفنون الجميلة، وعضو في جمعية الفنانين للرسم، والنحت في لبنان و”ملتقى الألوان الفني”، بالإضافة إلى عدد كبير من ورش العمل، والتدريب للأطفال والشباب، ومن ضمنهم ذوو الهمم في المدارس والجمعيات، والمجموعات المختلفة، وفيها جميعاً حاولت ثريا حلال تحويل الركام المادي والمعنوي، والنفايات إلى تحف فنية بهدف التعبير عن الفن والحياة والاستدامة، وعبر تقنيات جديدة غير مألوفة، وأفكار غير مسبوقة.
“منرفض نحن نموت”
في هذا السياق، قالت ثريا حلال: “الفن فيما يتعلق بي ليس رسالة حياة فحسب، بل هو أسلوب حياة، فعلى طريقتي، وعبر نشاطاتي المختلفة، والمعارض التي شاركت فيها، أوجه رسالة أعبر فيها عن مشاعر سلبية لإحداث فكر إيجابي، كما أحاول التعامل مع مواد غير مرغوب بها ونرميها، أو حتى مواد خطرة لتحويلها إلى عمل تعبيري تغييري معاصر، خصوصاً في معرضي الأخير، فبهذه الوجوه التي ليس لها وجود في الحقيقة، وبشعة، بل ومرعبة ورائحتها كريهة، أعبر عن عمق الواقع المتأزم في هذه البلاد، والأزمات المتتابعة التي عانى منها المجتمع اللبناني فضلاً عن الألم والدمار والخراب، وما أشعر به من أحاسيس سلبية، لذا أحولها إلى أعمال فنية صادمة في الحقيقة، لكن قد تساهم في إحداث تغيير إيجابي”.
الفن في نواحي الحياة كلها
وأوضحت: “في نواحي الحياة كلها، ثمة فن إبداعي ما، ليس في الفن التشكيلي بأنواعه فحسب، بل في المنزل، ومن أجل الحفاظ على البيئة، وهو ما يترجم إيجابياً على المستويات كافة، فإن كنت تقود سيارتك بطريقة أخلاقية فذلك فن وذوق، وإن لم ترم النفايات من نافذة السيارة فهو رقي وتحضر، وإن كانت ربة المنزل تقوم بواجبها من ترتيب، ومن تصميم منزلها ورعايته والاعتناء بأسرتها، فذلك يمثل أسلوبها الفني الخاص، وعلينا المتابعة في هذه المجالات، والانتقال بها جميعاً إلى مرحلة أكثر إبداعاً، لتتحول إلى نمط إيجابي في الحياة، ولتنعكس على المجتمع كله”.
وأشارت إلى أنه: “في كل معرض خاص بي فكرة جديدة، وتقنيات مختلفة بشكل كامل عما سبقها، وأحاول أن أقوم بجمع مواد للوحاتي ومجسماتي على فترة قد تمتد لعدة سنوات لكل معرض، فهناك مواد في هذا المعرض من حرب تموز في عام 2006، وأحاول عبر دمج الحس الفني بوجهين مختلفين، بحيث أجمع المواد التي تضر بالبيئة، وهي المواد التي جمعتها من البقايا من بلاستيك، ومعادن وزجاج وغيرها، والوجه الثاني، تحويل هذه المواد إلى مادة فنية تحتفظ بالمعنى الجمالي لأهداف تخدم البيئة والانسان”.
موت الأحاسيس
وأضافت: “ما أحاول التعبير عنه في هذا المعرض أنه بعد كل ما عشناه في هذا البلد، فقد مات بداخلنا الكثير من المشاعر والأحاسيس، وأثرت سلبياً على أعصابنا، ولم نعد نستطيع التحمل، ولكننا نرفض الموت، لذا، علينا بدءاً من الآن محاولة التغيير، فلا يوجد بلد ومواطنون في العالم تحملوا ما تحمله اللبناني، وليس على صعيد الحرب فحسب، فقد سرقونا، سرقوا أموالنا، ولا زالوا، ولوثوا البيئة والمياه، فبلد المياه أصبحت مياهه ملوثة، ولا يمكن شربها، لا أعرف كيف نفكر كلبنانيين، وكيف يمكننا تدمير كل ما هو جميل، وإيذاء أنفسنا أيضاً، وليس هذا الأمر على صعيد لبنان فحسب، بل على صعيد العالم، فمشكلة البلاستيك، الذي استخدمه في لوحاتي ومجسماتي، هو تعبير عن التلوث البلاستيكي على شواطئ الكرة الأرضية كلها، يكفي أن هناك قارة بأكملها من البلاستيك في المحيط الهادئ، وهذا الأمر آلمني للغاية، لذا أحاول التعبير عنه بالفن”.
دور المرأة هام
وعن معرضها القادم، قالت: “هو مفاجأة أحتفظ بها إلى حينه، وكعادتي في معارضي كلها فمحور معرضي القادم فكرة جديدة للتعبير عن مشكلة، وبرسالة أود توجيهها، وتعبر عني وعن مشاعري، ولماذا لا زلنا مكاننا دون تقدم؟”
ووجهت ثريا حلال رسالة للمرأة، قالت فيها: “أمنيتي أن تحكم النساء بعد هذه الانتخابات، فقد يمكننا عندها أن نحدث التغيير المطلوب في المجتمع، فالمرأة هي الأم والمربية وربة المنزل، فهي تنظف، وتربي، وتحدث التغيير حولها، وهي الملمة بحاجات منزلها ومجتمعها، وعلى الرغم من التشويش على عملها وإنجازاتها بأن النساء لا يتفقن فيما بينهن، فإن هذا يحدث عندما تصل بعض النساء إلى مراكز بالواسطة، وليس بكفاءتهن، فالمرأة المثقفة والواثقة بنفسها وبعملها لا تهتم، فأنا أعلم الناس تقنيات عملي، لأحدث التغيير، وإيماناً وثقة بنفسي وما يمكنني إنجازه، وآمل أن تتمكن النساء من الوصول إلى مراكز القرار”.
وأوضحت ثريا حلال عن طريق ورشة عمل حول تقنية صنع هذه المجسمات، والتي شارك فيها عدد من الفنانين والمهتمين بالفن.