أعياد الميلاد.. بين روح السلام وأخوة الشعوب

جل آغا/ أمل محمد –

يستقبل مسيحيو العالم عيد الميلاد المجيد، باحتفالات عمّت شرقه وغربه، بعد تحضيرات استمرت لأيام في شراء الهدايا، وتجهيز أطباق الميلاد، التي تتنوع، وتختلف حسب تقاليد الشعوب، وثقافتهم.

وبعد عامين من جائحة «كورونا»، التي شلت عصب الحياة، وحرمت تجمع الأهل، والأحبة في المناسبات العامة، تأتي الأعياد اليوم خجولة، لأسباب اقتصادية كئيبة طرأت على العالم، وعلى أوروبا تحديداً، بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا وتداعياته السلبية، ورغم الأزمات، والظروف الصعبة، يحاول الأهالي سرقة لحظة فرح من عيدٍ أو مناسبةٍ، ورسم ابتسامة على وجوه أطفالهم، وأحبائهم.

فتتميز مناطق شمال وشرق سوريا بالتنوع الديني، والقومي، هذه الشعوب تتشارك وتتعايش على مدار سنوات عديدة كجسد واحد، التعاون والتسامح هو السمة، التي تتصف بها شعوب المنطقة، ونتيجة التاريخ المشترك لهذه الشعوب المتأصلة فإن التشارك في الأفراح والأتراح عادة شائعة، تجد المسلم يشارك أخاه المسيحي في أعياده والكردي يهنئ العربي في مناسباته، والذي بدوره يكون أول الداعمين له في الأزمات، هذه اللوحة، والتي تُعبر عن مدى عمق العلاقة بين الشعوب بمختلف أديانهم وأعراقهم أعطت درساً قيماً في روح التعايش.

الأعياد والتنوع بين الشعوب

بالتزامن مع أعياد الميلاد في العالم، ومع الاقتراب من دخول العام الجديد، يحتفل المسيحيون في عموم المنطقة بهذه الأعياد، عيد الفصح على بعد أيام قليلة، والاحتفالات تجوب الشوارع، التي تتزين استعداداً لهذه المناسبة، قيامة المسيح، أو عيد الفصح أو عيد الميلاد المجيد؛ كلها أسماء لأعياد دينية وقومية لدى الشعب المسيحي، وتشتهر مناطق سوريا بشكل عام بوجود التنوع الديني والقومي؛ لتنوع الشعوب فيها من كرد، وعرب، وسريان، وأرمن، وإيزيدية.

وبهذا الصدد التقت صحيفتنا “روناهي” المواطن “عبد الأحد شمعون” من الشعب السرياني في قرية “زخيرة” التابعة لناحية جل آغا، والذي حدثنا عن أعياد الميلاد: “نحتفل في هذه الأيام بأعياد الميلاد، وهي طقوس نقدم عليها استعداداً لها، والذي يبدأ بالصوم الكبير، بالإضافة لشراء الحلوى وتصنيعها، مع تزيين شجرة الميلاد والمغارة، فأجواء الأعياد في مناطقنا جميلة جداً”.

وأضاف الشمعون: “في قريتنا يسكن العرب، والكرد، والمسيحية منذ اليوم الأول لنشأة القرية، نتشارك في المناسبات السعيدة، ونتساند في الأوقات الصعبة، لا فرق بين كنيسة، أو مسجد نحن أخوة في بلادنا، في أعياد المسلمين نقوم بزيارتهم، وتبادل التهاني، وفي أي حدث ديني يخصهم، وهم أيضاً يكونون أول المبادرين بالتهنئة، فيما يخص مناسباتنا، على هذا الأساس تربينا”.

سمفونية السلام

ولفت عبد الأحد شمعون، إلى أن صوت أجراس الكنيسة، حينما تجتمع مع الآذان، تخلق أجمل سمفونية للسلام: “في يوم عيد رأس السنة، تكتظ الشوارع بالناس، الذين يحتفلون بقدوم العيد، الشوارع والأبنية منارة، وأشجار العيد مضاءة، المسلمون والمسيحية مجتمعون في لوحة أقل ما يمكن وصفها بالرائعة”.

لكن نتيجة الأزمة الأخيرة، التي حلت بالبلاد هجرت قرية “زخيرة” عوائل مسيحية، ممن كانوا يسكنونها، ولم يتبقَ سوى عائلتين فقط، وعن هذا قال شمعون: “كانت نسبة بيوت المسيحية في القرية جيدة، ولكن نتيجة الوضع والأزمات هجرها البعض للاستقرار في المدن، والبعض الآخر إلى خارج البلاد، لم يتبقَ سوى منزلين فقط، ولكن هذا الأمر لم يغير من واقع وأسلوب حياتنا أبداً، فلا زلنا نعيش، ونتشارك، ولم نشعر بالغربة”.

وأنهى “عبد الأحد شمعون” حديثه قائلاً: “إن احتفال الأديان مع بعضها، يعبر عن الانفتاح بين الأفراد، والتنوع في نسيج المجتمعات، ويعدّ رفضاً تاماً للعنصرية، والكراهية”.