سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أسئلةٌ مُلحّة خيرٌ من ألفِ جواب

سليمان محمود (باحث في المركز السوري للدراسات والحوار)_

علّمتني السياسةُ ألاّ آخذَ بظواهر الأمور، مهما كانت مشتعلةً إعلامياً، وأنّ الحقيقةَ قد لا أجدها في وسائل الإعلام، ولا في التصريحات السياسية النارية، بل أراها على أرض الواقع،
علّمتني الفلسفةُ أيضاً ألاّ أركّز على ما يقوله الساسةُ، بل على ما يفعلونه على الأرض، ولو نظرنا إلى بعض المتصارعين قد نجدهم حلفاً واحداً، يتقاسمون المنافعَ بالمسطرة والقلم.
أنا أصدّقُ الأحداثَ على الأرض فقط؛ فأمريكا أراها مع قوات سوريا الديمقراطية في محاربة داعش فقط، وهي كذلك مع تركيا في عدم تمكين الكرد من القيام بأيّ محاولة للعيش بأمان على المدى الطويل. قال تيودور كاراسيك (وهو محلّلٌ سياسي أمريكي للشؤون الأمنية) منذ يومين، إنّ توقيتَ عملية اغتيال زعيم داعش، وشكر الرئيس الأمريكي جو بايدن لقوات سوريا الديمقراطية، له دلالاتٌ عميقة!
أتساءلُ: أيّ دلالاتٍ، وبالتزامن مع الإنزال، كانت تركيا تقصفُ مدننا، دون أن نسمع حتى تغريدةَ إدانة! ورغمَ الكلام المعسَّل كله، الذي تشدّقَ به بايدن، حول قسد، ودورها الرئيس في محاربة الإرهاب، إلا أنه في الوقت نفسه، كانت تركيا (حليفته) في الناتو تقصفُ حوالي ثلاثين قريةً وبلدة في مناطقنا، فمن نصدّقُ؟
بايدن أشاد بجهود قوات سوريا الديمقراطية في مكافحة الإرهاب، وبالتزامن مع هذا الخطاب، الذي أكّد فيه على أنّ قسد شاركت في عملية القضاء على زعيم داعش (الذي كان يعيش بأمان قربَ قاعدة عسكرية تركية)، فإنّ الجيشَ التركي، وبرفقة آلاف الدواعش باسم الجيش الوطني يقوم باستهداف المدنَ والبلدات السورية!
121 شهيداً، وقال بايدن لنا “شكراً”، وماذا عن الأمهات اللاتي تحترق قلوبهنّ!
ربما الإشاداتُ وحدها ما عادت تكفي، حيث بات لزاماً على واشنطن التحرّك لحماية الناس في مناطق الإدارة الذاتية، ربما من الأسئلة الملحّة الموجّهة إلى قسدَ هذه الأيام: أيّ حليفٍ هذا، الذي يجعلك تعيشُ تحت رحمة المسيّرات التركية، التي تقتلُ المدنيين العُزّل، وقوات الحماية هنا وهناك دون أيّ رادع! وأيّ حليفٍ هذا الذي يفتحُ المجالَ الجويّ لعدوّك؛ كي يقتلَ خيرةَ مقاتليك، وينسف البنية التحتيّة لمنطقةٍ تتحمّلُ أنتَ مسؤوليةَ إدارة شؤونها! أيّ حليفٍ هذا، الذي يدّعي أنه يساندنا عسكرياً اليومَ، ولا يبدي موقفاً لضمان أي مستقبلٍ سياسيّ لك في الغد! أما حان الوقتُ لإعادة النظر في الأمر؟!
ربما الشيء الأكيد في رأيي هو القولُ بصراحة: إنّ الضربةَ الأمريكية الأخيرة، والتي استخدمها بايدن لرفع أسهمه الداخلية، ساهمت بصورة غير مباشرة في التغطية على الهجمات التركية المكثّفة على مناطقَ في سوريا والعراق، وإقليم كردستان، التغطيةُ الإعلامية للخبر من واشنطن كانت أكبر بكثير من قضية التركيز على انتهاكات تركيا للحدود خلال اليومين الماضيين، وهذا بدوره يزيد الشكوك حول الاستفادة المشبوهة لتركيا من التنسيق، وتبادل المعلومات مع واشنطن.
من الأسئلة الملحّة أيضاً: لماذا تمرّ هذه الضربات، والانتهاكات، والاغتيالات بصمت الصخب المرتبط بمقتل إرهابي على حدود تركيا وفي مناطقها (المحرّرة)!
الأمر يدعو حتماً إلى المراجعة من قبل القائمين على الشؤون، كما أنّ ترتيبَ الأحداث، وعرضها ضرورةٌ لفهم الحقائق.