قامشلو/ رشا علي –
المعاينة كيفية، الكل يعمل على هواه، هذا هو الحال في مدينة قامشلو، وربما العديد من مناطق شمال وشرق سوريا، المرضى والأطباء يشتكون… ولا يتضرر غير الذي يفكر بكيفية تأمين المال، الذي يُعالج به، وتناوله لأدوية بغير وصفة طبية، ليست بحل، بل؛ إنها مجازفة، فإما تصيب، أو تخيب.
تزامناً مع فقدان الليرة السورية قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، ارتفعت الأسعار كثيراً، وكانت للمعاينات الطبية حصة منها، حيث شهدت ارتفاعاً كبيراً، مقارنةً بأسعارها قبل الأزمة، التي عصفت بسوريا، ولا يختلف هذا الأمر في مناطق شمال وشرق سوريا، فعدم القدرة على دفع التعرفة الطبية من أجل إجراء المعاينة، عند الطبيب المختص، يدفع نسبة كبيرة من المرضى، للجوء إلى الصيدليات للحصول على وصفة دوائية دون أي معاينة، أو تشخيص، والتي قد تؤثر سلباً على حالتهم المرضية، وتزيد من وعكتهم الصحية.
ارتفاع واختلاف معاينات الأطباء
صحيفتنا “روناهي” بحثت هذا الموضوع، فالتقت العديد من المرضى، ومن له علاقة بهذا الأمر من أطباء، وصيادلة، وجهات معنية، ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية، فبدأنا بالمواطنين، لنوضح الواقع المعاش، ومعاناتهم، لندون شكواهم، فنرفعها للجهات المختصة.
التقينا العديد من المواطنين، الذين يقصدون المعالجة في الصيدليات، في أكثر الأحيان بعد ارتفاع أجرة التعرفة الطبية، واختلافها من طبيب إلى آخر، المواطنة شكرية الأحمد، من سكان مدينة قامشلو، أشارت في حديثها إلى ارتفاع معاينات الأطباء، ومخالفتها للتعرفة الصادرة من هيئة الصحة في الإدارة الذاتية، لذلك تضطر للذهاب إلى الصيدلية، لجلب وصفة دوائية، في حال تعرضت لوعكة صحية، فقالت: “لا نعلم من أين نبدأ، إن ارتفاع أجور المعاينات، وشراء الأدوية، وإجراء التحاليل الطبية مشكلة، يعاني منها معظم الأهالي، لذلك أفضل المعالجة في الصيدلية، وعدم الذهاب إلى الطبيب”.
ولفتت شكرية، في حديثها إلى الآثار السلبية، التي عانت منها نتيجة استعمالها لوصفة دوائية من الصيدلية، وبدون استشارة الطبيب: “قبل عدة أشهر كنت أعاني من التهابات في الحنجرة، فقصدت الصيدلية لشراء الدواء من أجل المعالجة، ولكن بعد تناولي للدواء ظهرت أعراض التحسس الجلدي لدي، فهناك مخاطر كبيرة لاستعمال الأدوية من دون إشراف الطبيب، وبشكل خاص على الأطفال، ولكن هناك نسبة كبيرة من المواطنين، لا يستطيعون مراجعة الأطباء من أجل العلاج، بسبب التعرفة الطبية المرتفعة”.
ثلث المواطنين يلجؤون إلى الصيدلية
أما المواطن عباس شيرو، فيشتكي من اختلاف المعاينة من طبيب إلى آخر، والانتظار لساعات طويلة في العيادات الطبية، من أجل المعاينة: “ارتفاع أجور المعاينات واختلافها من طبيب إلى آخر، حالة اضطر المواطنون التعايش معها، ولكن الأزمة التي تحصل داخل العيادات الطبية، والانتظار لساعات طويلة من أجل المعاينة، سبب كافٍ من أجل شراء الدواء، من دون استشارة الطبيب، فثلث المواطنين يذهبون إلى الصيدليات، ويشترون الأدوية لمعالجة أنفسهم، وأطفالهم”.
الغلاء والوضع الاقتصادي السيء، الذي أنهك كاهل معظم العوائل، سبب رئيسي إلى عزوفهم عن المعاينة، لدى الطبيب، وهذا ما بينه شيرو: “إن مراجعة الطبيب لمرة واحدة، يكلف أكثر من خمسين ألف ليرة، نحن نعمل بأجرة يومية لا تزيد عن عشرة آلاف ليرة، نتمنى أن تتوحد المعاينات لجميع الأطباء، وتنخفض لتناسب دخل المواطن من أجل الحفاظ على سلامة المرضى، وعدم لجوئهم إلى شراء وصفة بدون استشارة طبية، كما نتمنى افتتاح عدد أكبر من المشافي الشعبية، والمراكز الطبية التابعة للإدارة؛ ليستفيد منها الشعب”.
إقبال المواطنين لشراء وصفة من الصيدلية
وفي السياق نفسه، التقينا مع الصيدلاني، رياض موصلي، فأشار في حديثه إلى وجود الكثير من الأدوية، التي لا يتم صرفها إلا بوجود وصفة طبية من قبل الطبيب المختص، كأدوية السرطانات، والعصبية، وقال: “هناك أدوية شائعة الاستعمال وخفيفة، ويسمح للصيدلاني وصفها للمرضى، مثل شراب السعال، وحبوب السيتامول والالتهابات، والمضادات الحيوية لالتهابات الأطفال، والكبار، ومراهم الجروح والحروق، والإسعافات الأولية، وأدويتها”.
وعن إقبال المواطنين شراء وصفات دوائية من الصيدلية، دون مراجعة الأطباء، أردف الموصلي: “أجور المعاينة مرتفعة، ولا يستطيع المواطن تأمينها، فيضطر للجوء إلى الصيدلية؛ لتوفير أجور المعاينة، فعندما يأتي أحد الأشخاص إلى الصيدلية للحصول على وصفة دوائية، أقوم بمعاينته، وفحصه، وبسؤاله عن الأعراض التي يحس بها، وإذا كان يعاني من أمراض ضغط الدم، والسكري، أو أمراض أخرى، ومن ثم أقوم بوصف الأدوية الشائعة مثل المسكنات، وخافض الحرارة، ومضاد الاحتقان ودواء السعال، ومضادات الالتهاب”.
وعن مخاطر الأدوية شائعة الاستعمال، قال موصلي: “هناك إبر روسفليكس، يجب ألا توصف إلا من قبل الطبيب المختص، لأنها قد تؤدي إلى حدوث التحسس، ومخاطر أخرى، إلا أن الأدوية الأخرى، لا يوجد لها مخاطر كبيرة، ونحن عندما نجد: أن حالة المريض حرجة، أو موضع شك، نطلب منه التوجه إلى الطبيب”.
مخاطر استعمال أدوية عشوائية
وحول خطورة استعمال وصفات دوائية عشوائية، دون استشارة طبية، تحدثت لصحيفتنا الطبيبة مريم أحمد، أخصائية أطفال، فذكرت: أنه في الفترة التي تحدث فيها تغيرات في درجة حرارة الجو، ووجود جائحة كورونا، ينتج عنها ظهور الكثير من الأمراض، مضيفة: “نعلم أن ارتفاع أجور المعاينات أثقل كاهل المواطنين؛ لذلك يلجؤون إلى الصيدليات، لتلقي الدواء دون استشارة الطبيب، فنرى أن الكثير من المواطنين، يتوجهون إلى الصيدليات لشراء الأدوية لأطفالهم، بمجرد ارتفاع حرارة الجسم، يلجؤون إلى إعطاء أطفالهم أدوية الالتهابات، وهو خطأ كبير، فمثلاً إعطاء الأطفال شراب سيفيكس، وأزيترو وغيرها في أوقات لا يجب أن يأخذها، تقلل مناعة الأطفال”.
وعن خطورة الأدوية الشائعة، التي يستخدمها المواطنون، وتوصف بدون استشارة طبية كدواء الالتهابات قالت: “استخدام بعض أنواع من أدوية الالتهابات، يسبب إسهالاً حاداً، وأن الاستخدام العشوائي لأدوية الأطفال، يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية، فإذا كان الطفل يعاني من الزكام، وتناول أدوية غير مناسبة، قد يتحول إلى مرض آخر، والأطفال المصابون بمرض الربو، أو وجود ثقب في القلب، لا يجب استعمالهم للدواء دون الاستشارة الطبية”.
وظيفة عيادات الشعب
لقد اُفتتحت عيادات الشعب في قامشلو من قبل حركة المجتمع الديمقراطي، وذلك لمساعدة المواطنين، وتخفيف العبء المادي عليهم، حيث تقدم خدمات طبية بمشاركة أطباء قامشلو، وفيها اختصاصات مختلفة، كما أنها مجهزة بأحدث الأجهزة الطبية والمخبرية، وهذه العيادات تراعي الوضع الاقتصادي، الذي يمر فيها أبناء المنطقة، وبعض المرضى يلجؤون إليها، كونها تناسب دخلهم، ولوجود خدمة طبية جيدة.
المواطنة تاضي محمود، هي من سكان مدينة قامشلو، تقصد عيادات الشعب في قامشلو منذ افتتاحها، تتفق مع المواطنين الآخرين، بأن معاينات الأطباء مرتفعة، ناهيك عن الأزمة الخانقة داخل العيادات، فتجد أن عيادات الشعب هي الحل، الذي يتناسب مع دخلهم المادي، وكذلك لوجود الخدمة الطبية الجيدة، وتوضح أكثر: “منذ افتتاح عيادات الشعب، وأنا أقبل عليها من أجل المعاينة، وتلقي العلاج، إن تعرفة المعاينة الطبية ثلاثة آلاف ليرة فقط، والحصول على الدواء من الصيدليات دون مراجعة الأطباء خطأ كبير، قد يؤدي إلى الموت أحياناً، فأتمنى من المواطنين مراجعة عيادات الشعب، عند المرض؛ لأن أسعارها جيدة، بالإضافة إلى وجود خيرة الأطباء فيها لخدمة الشعب”.
وحول دور عيادات الشعب، التقت صحيفتنا “روناهي” مع روضة إسماعيل، الإدارية في عيادات الشعب بقامشلو، متحدثة لنا عن توفر الاختصاصات الطبية كافة، في عيادات الشعب من “الأطفال، النسائية، السنية، الكلية، العصبية، العظمية، الهضمية، الأشعة، الإسعاف، الصيدلية، المخبر، وتخصيص يوم للقلبية”، مع إجراء عمليات بسيطة في قسم الإسعافات، وبينت روضة: “يعود الفضل لأطباء قامشلو، والحسومات تكون بنسبة ثمانين بالمئة، أما أجرة المعاينة فهي ثلاثة آلاف ليرة فقط، لجميع أقسام، والمخبر يحسم نسبة خمس وعشرين بالمئة من أجور التحاليل الطبية، والأشعة يحسم بنسبة خمسين بالمئة، والصيدلية تحسم نسبة عشرة بالمئة، وهذه الحسومات كلها هي مساعدة للشعب، إضافة إلى صرف الوصفات الطبية، التي تم وصفها من قبل أطباء خارج العيادة، هذا عدا وجود ملف الفقراء، حيث يتم دراسة حالته، وتقديم الخدمات الطبية له بالمجان”.
وعن دوام العيادة كشفت روضة: “نستقبل المرضى من الساعة الثامنة صباحاً، وحتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، وهناك تعاون وثيق بين الطبيب، والمواطن، وباب العيادة مفتوح أمام الجميع”.
إلغاء التعامل المادي المباشر بين المريض والطبيب
ولمعرفة المزيد حول التعرفة الطبية لأطباء إقليم الجزيرة التقينا مع الرئيس المشترك لاتحاد أطباء إقليم الجزيرة، وعضو حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM الدكتور أحمد يوسف، حيث أوضح في حديثه: أن أجار المعاينة، يتم تحديدها من قبل هيئة الصحة، وزاد: “نحن كاتحاد الأطباء، نسعى لخلق التوازن بين دخل الطبيب، ووضع المريض المادي، بناء عليه ساهمنا مع TEV-DEM لإنشاء عيادات الشعب، التي تعمل بأجور رمزية، كما قمنا بتوقيع عقود تخفيض الأجور الصحية، للمعلمين، ولقوى الأمن الداخلي مع عوائلهم، وعوائل الشهداء مع عائلاتهم”.
وعبر يوسف عن وجهة نظره: “برأي الشخصي كحل يجب حماية هيبة، واعتبارية الطبيب من جهة، وحماية حق المريض في حصوله على المعالجة من جهة أخرى، وذلك من خلال إلغاء التعامل المادي المباشر بين المريض، والطبيب، ولتحقيق ذلك يجب توظيف الأطباء كافة لدى الإدارة الذاتية، بأجور جيده تليق بالطبيب على غرار أطباء مشفى القلب، والعين، والهلال الأحمر الكردي، ودفع أجور رمزية من قبل المريض لتغطية التكاليف، والمصاريف في المستوصفات، ومشافي الإدارة، ومنع فتح العيادات في الفترة الصباحية، كون الأطباء يكونون في المشافي، والمستوصفات، ولكن هكذا مشروع يتوقف نجاحه على الميزانية الصحية من قبل الإدارة الذاتية”.
وعن الاختلاف في أسعار المعاينات، وعدم الالتزام بالتعرفة الطبية، أوضح يوسف حسب معرفته: “يوجد العديد من الأسباب لاختلاف المعاينات، فمثلاً أجار عيادات الشعب الشهرية ألف دولار، ورواتب الموظفين ألف دولار تقريباً، وهناك مصاريف أخرى كالكهرباء، وغيرها تصل إلى مائة دولار أحياناً، أما الأطباء في العيادات الخاصة، فيعانون من ارتفاع أجار العيادة، والذي يبلغ مائة دولار بالإضافة إلى التكاليف الأخرى، مثل رواتب السكرتارية، ورسوم اشتراك الكهرباء وغيرها، ومع ذلك فإن أسعار المعاينات مقارنة بالوضع الراهن جيدة نوعاً ما، أي أن تسعيرة المعاينة لا تتعدى أربع دولارات بينما كانت قبل 2011 تعادل عشر دولارات”.
دور هيئة الصحة
وعن دور هيئة الصحة في تحديد التعرفة الطبية، وآليات تطبيقها، والقرارات الجديدة بخصوص تحديد التعرفة، تحدثت بيريفان درويش نائبة هيئة الصحة في مدينة قامشلو: “في الوقت الحاضر، تتم المناقشة على تحديد التعرفة الطبية على مستوى هيئة الصحة لشمال وشرق سوريا، وإلى الآن لم يتم إصدار قرار رسمي بخصوص ذلك، ولا نعلم ما آلية تحديد التعرفة، هل ستكون حسب الاختصاصات، أم مقابل الدولار الأمريكي، نتمنى مساعدة الشعب، وتخفيف العبء عنهم، لأن المعالجة لا تتم فقط بالمعاينة فهناك أدوية، وتحاليل وغيرهما”.
وبعض الحلول، التي لامستها الجهات المعنية، بمشاريعهم لتخفيف العبء المادي عن المواطنين، خطوة جيدة، ولكن هذا الأمر ليس بحل جذري، وكما تناولناه في تقريرنا يتطلب المزيد من الجهود، والمشاريع لخلق بيئة صحية دون تعرض المرضى، لإيذاء أكثر مما يعانونه.
