أبرز أعمال هيئة البيئة لإقليم شمال وشرق سوريا 2023 وخططها لعام 2024

الحسكة/ محمد حمود ـ

---

بعد استحداثها مع بداية النصف الثاني من العام الحالي 2023، أعمال بيئية مُنجزة لهيئة البيئة في إقليم شمال وشرق سوريا، بين حماية النظم الأيكولوجية بتكثيف الغطاء النباتي وزيادة المساحات الخضراء للحفاظ على التوازن البيئي، إلى جانب خطط واستراتيجيات ستتخذها في الأيام القادمة.

يُعدُّ إقليم شمال وشرق سوريا منطقة ذات تنوع حيوي وبيئي نظراً لتنوع مناخها والتضاريس والتكوينات الجيولوجية الموجودة فيها، حيث تشكل جزءاً من حوض الفرات الممتد من تركيا شمالاً وحتى العراق في الجنوب الشرقي، ويتميز مناخها عموماً بصيف حار وشتاء بارد – رطب وعادةً ما يصل معدل الأمطار إلى ما يقارب الـ 250 ملم / سنوياً؛ وذلك قبل أعوام قليلة فائتة.

يتميز الغطاء النباتي البري في الجزيرة السوريّة بحاجته للتكيّف لتحمّل الجفاف وارتفاع الحرارة ومقاومة كثرة التبخر وشدة الرياح، وتحمل الاحتكاك الشديد بحبيبات الرمل مثل: النباتات الحولية والمعمرة وغيرهما، باستثناء بعض الأنواع المنتشرة بالقرب من مصادر المياه حيث تكون دائمة الخضرة وبالتالي دائمة المطالب المائية على مدار السنة.

التنوع البيئي

كما تعتبر مناطق إقليم شمال وشرق سوريا غنية بتنوعها البيئي، حيث يتميز غطاؤها النباتي بتنوعه؛ فيشمل الصحاري والسهول والجبال، وتعتبر الزراعة من أهم النشاطات الاقتصادية فيها، وتشمل زراعة الحبوب والفواكه والخضروات والقطن، حيث توجد محاصيل موسمية مثل القمح والشعير والفول السوداني والذرة، علاوةً على ذلك فهي تتصل بالصحراء السوريّة جنوب دير الزور.

أما بالنسبة للثروة الحيوانية؛ فتشتهر هذه المناطق بكثرة المراعي واهتمام العديد من السكان في الأرياف بتربية المواشي، وباعتبار تلك المناطق ذات بيئة جافة وقاسية؛ نلاحظ وجود العديد من الحيوانات المُتكيّفة مع الظروف الصعبة، مثل القوارض والحشرات، إضافةً لبعض أنواع الطيور والحيوانات البرية والأسماك النهرية.

بات وضع التنوع الحيوي في إقليم شمال وشرق سوريا، في السنوات الأخيرة، حرجاً؛ بسبب الحرب المستمرة منذ ما يزيد على عقد من الزمن؛ ناهيك عن التغير المناخي الذي أثّر على العالم أجمع؛ وبالتالي فإن نصيب المنطقة لم يكن أقل من غيرها.

التغيّر الحيوي وآثاره

يتجلى التغيّر الحيوي في الجزيرة السورية عبر الكثير من مظاهر التدهور واندثار بعض النظم البيئية؛ حيث أثرت الحرب على البنية التحتية والزراعية؛ مما أدى إلى تلوث المياه والتربة والهواء، وانعكاس ذلك على الحيوانات والنباتات والأحياء المائية.

علاوةً على ذلك فإن ازدياد معدلات التصحر بسبب الرعي الجائر والتعديات البشرية، وتناقص الأمطار بشكلٍ ملحوظ في السنوات الأخيرة، كلها عوامل أثرت على الإنتاج الزراعي وخاصةً القمح الذي انخفض إلى ربع الكمية الاعتيادية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، فيما كان يصل سابقاً إلى مليوني طن.

ظهر تراجع التنوع الحيوي أيضاً عبر تضرر الغابات الصناعية والطبيعية في مداخل مدن الحسكة والرقة ودير الزور؛ وذلك نتيجة الاحتطاب الجائر من قبل السكان في سنين الحرب بغية البيع أو التدفئة، أو بسبب الحرائق كما حدث عام 2019. كل تلك الأسباب أدت لاختفاء العديد من الغابات وتضرر الغطاء النباتي ككل، وسط إحصاءات تشير إلى أن ما يتم تدميره قد يحتاج إلى عشرات الأعوام لتدارك جزء منه.

تضرر الغطاء النباتي وتراجع التنوع الحيوي، أثر على الحيوانات التي كانت تعيش في المناطق الغابية، والتي تعد بيئة مثالية للعديد منها؛ مثل الذئاب والثعالب والغربان والصقور، التي انقرض بعض منها ويهدد الانقراض بعضها الآخر.

استحداث هيئة البيئة… لحماية البيئة والتنوع البيولوجي

من هنا؛ قامت الإدارة الذاتية الديمقراطية بتبنّي خطط بيئية شاملة، وتشجيع الاستثمارات البيئية المستدامة، وحث المزارعين على استخدام تقنيات زراعية مستدامة، والحفاظ على التنوع الزراعي، دون إهمال المياه، والتشديد على منع الصيد الجائر.

في السياق؛ صادق المجلس التشريعي في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم الجزيرة على استحداث هيئة البيئة في إقليم الجزيرة بعد فصلها عن هيئة الإدارة المحلية، وذلك مع بداية النصف الثاني من العام الحالي 2023. يستند عمل هيئة البيئة في إقليم شمال وشرق سوريا على فكر الأمة الديمقراطية المبنية على أساس التنوع والغنى الاجتماعي السياسي والأخلاقي، وأحد أبرز ركائزها حماية البيئة والتنوع البيولوجي.

مخططات الهيئة في الأوقات القادمة

أما عن مخططاتها وبرامجها؛ فتمثلت منذ التأسيس بالسعي إلى عقد كونفرانس لحماية البيئة في إقليم شمال وشرق سوريا على المستوى العالمي في المرحلة المقبلة، يتناول عدة أطروحات؛ أبرزها: “كيف يمكن حماية البيئة، وما ردود فعل الطبيعة، وما تأثيرات البيئة على الأنظمة والمجتمع وذلك لما تشهده من نهب واستيلاء، وما أهمية النظافة وحماية النفس من الأمراض وبناء بيئة صحية سليمة”.

في الصدد؛ أولت هيئة البيئة في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، أهمية لنشر ثقافة التشجير والحفاظ على النظافة ضمن المجتمع، وبناء الغابات، ومن برامجها أيضاً بناء أكاديمية فكرية بيئية، وإدراج مادة البيئة في المناهج الدراسية، وإعادة النظر في المواد التي تضر بالبيئة مثل البلاستيك وغيرها من المواد، وتأسيس لجان بيئية وتفعيلها ضمن المجالس بمساعدة أفراد المجتمع والمنظمات والأحزاب والشخصيات المهتمة بالبيئة، حسب الهيئة.

كما انطلقت العديد من الأعمال الهادفة إلى حماية البيئة، وحُدّدت العديد من الأماكن الطبيعيّة محميّاتٍ طبيعيّة، وجرى بناء أماكن ترفيهيّة ومتنزّهات.

وتوجد العديد من المتنزّهات في إقليم الجزيرة؛ منها سويديك وحياكة وعين ديوار في ديرك، ومزكفت ومعشوق في تربه سبيه، إذ تُعدّ هذه الأماكن عبارةً عن متنزّهات ومساحاتٍ خضراء يقصدها الناس للخروج في نزهة أو رحلة، إلّا أنّها أُهملت في عهد حكومة دمشق.

وبحسب العقد الاجتماعي للإدارة الذاتيّة التي تعمل على العديد من المشاريع منذ عام 2014، منها مشاريع سدّي مزكفت ومعشوق في تربه سبيه، والتي جرى زراعة العديد من الأشجار في محيطهما.

وتقرّر منع صيد الأسماك من السدّين ولا يزال العمل على حماية المساحات الخضراء المحيطة بهما مستمرّاً، وحدّدت مديرية البيئة في إقليم الجزيرة، سدّ معشوق الواقع في ناحية تربه سبيه متنزّهاً ومحميّة طبيعيّة.

كما أعلنت مديرية البيئة عام 2015، أنّها حدّدت سد مزكفت الواقع شرق ناحية تربه سبي محميّة طبيعيّة، وعلى هذا الأساس تمّت زراعة نحو سبعة آلاف شجرة في محيطه، فيما جرى زراعة نحو 700 شجرة في محيط سد معشوق. وبالإضافة إلى ذلك، جرى استزراع الأسماك في السدّين ومُنع الصيد الجائر فيهما.

هيئة البيئة في شمال وشرق سوريا تسعى كذلك للحد من التلوث البيئي من خلال عدة مشاريع وبرامج توعوية وتعريف جميع المواطنين بأهمية المحافظة على البيئة.

أهم أعمال هيئة البيئة لعام 2024

وأهم أعمال هيئة البيئة لعام 2024، وفق المعنيين، هي صيانة هذه المحميات وإعادة زراعة الأشجار فيها وإحداث محميات جديدة للنهوض بالجانب البيئي والمحافظة على التوازن البيئي في إقليم شمال وشرق سوريا.

كما ستركز الهيئة على نشر ثقافة الوعي البيئي بين أفراد المجتمع والحماية من الكوارث الطبيعية كالاحتباس الحراري وتلوث الهواء والتربة، ودور البيئة في الحفاظ على سلامة الأفراد والمجتمع من الأوبئة والأمراض.

وفي سبيل تحقيق أهدافها؛ قامت هيئة البيئة بالتوجّه إلى المؤسسات المدنية والدوائر في الإدارة الذاتية وتعريفها على الأيكولوجية البيئية وإخضاعها للضوابط التي تتماشى مع البيئة وتحافظ عليها في كافة المشاريع التي تعمل عليها.

كما أن هناك قانون يفرض عقوبات على التجاوزات التي تضر بالبيئة سواءً كان تلوثاً زراعياً أو صناعياً أو تجارياً أو إشعاعياً؛ إذ يفرض على كافة المعامل والمصانع والمنشآت الصناعية اختيار المكان المناسب لتنفيذ هذه المشاريع بعيداً عن أماكن الازدحام السكاني وبعيداً عن الأنهار والغطاء النباتي والخضوع لكافة الشروط البيئية التي تفرضها هيئة البيئة.

إنجازات هيئة البيئة في عام 2023

أما عن الإنجازات، ككل، على الصعيد البيئي منذ مطلع عام 2023؛ سواء عبر مديريات البيئة في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، أو بعد ولادة جسم الهيئة، فتمثلت بالآتي:

إنشاء غابة اصطناعية في منطقة ديرك (سد سفان)، حيث تم زراعة ٣٠٠٠ شجرة مثمرة وحراجية وتأمين تجهيزات السقاية من محركات جر مياه وخراطيم سقاية.

تحويل أكبر مكب للنفايات في نافكر إلى غابة اصطناعية، حيث تم زراعة 3000 شجرة متنوعة، كما تم تزويد الغابة بآبار للسقاية وكافة المستلزمات اللازمة.

القيام بتشجير (هيمو- حزام- عنترية) في قامشلو بهدف زيادة المساحات الخضراء، وتحسين درجات الحرارة ومنع انجراف التربة.

إنتاج الكومبوست (السماد العضوي) المحلي وللاستفادة من بقايا الطعام الناتجة من مشروع صفر نفايات الذي يستهدف عدد من الكومينات في مدينة الحسكة، حيث تم إعطاء تدريبات نظرية وعملية للمديرية والبلدية.

تطوير المشاتل 

تطوير المشتل البيئي في التوينة بمقاطعة الحسكة، مع مراعاة الشروط البيئية من خلال الاعتماد على الطاقة المتجددة في تشغيل المعدات اللازمة للإنتاج.

ـ القيام بثلاث توسعات لمشروع الغابة الاصطناعية في سد مزكفت.

تطوير المشتل البيئي في (ديرك)، حيث تم تنفيذ كافة بنود المشروع، والذي يهدف إلى تأمين مستلزمات الإنتاج وتلبية احتياجات البلدة من الأشجار مستقبلاً.

إنشاء وتطوير المشاتل البيئية في (تل حميس – تل معروف – كركي لكي – جل آغا) حيث تم تأمين مستلزمات الإنتاج لتلبية احتياجات البلدة من الأشجار مستقبلاً ضمن مشاريع تطوير المشاتل في إقليم الجزيرة.

زراعة الأشجار في العديد من الأماكن (كراجات، دوارات، منصفات) في مناطق قامشلو والحسكة وتل براك وجل آغا وعامودا وكركي لكي وتل كوجر وديرك وتربه سبي بهدف زيادة المساحات الخضراء.

دعم بلدية تل تمر لإنشاء مشتل خاص بها لتحقيق اكتفائها الذاتي من الأشجار، من خلال منحها بعض المستلزمات وتدريب عملي ضمن المشتل البيئي على أساسيات إنشاء مشتل.

حملات توعويّة بيئية

القيام بالعديد من حملات التوعية البيئية ضمن مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، تضمنت توزيع بروشورات توعية بيئية بشأن تطبيق الشروط البيئية ضمن المدن والبلدات والقرى، والحد من التلوث.

القيام بجولات مكثفة ودورية على المعامل والمنشآت الصناعية في إقليم شمال وشرق سوريا؛ لتقييم الوضع البيئي ضمن هذه المعامل ومدى الأضرار التي تسببها على البيئة، وتوعية وإلزام أصحاب المعامل بضرورة الالتزام بالشروط البيئية عبر موافقات بيئية مؤقتة تمنح لأصحاب المعامل.

القيام بحملة ضمن عشرات المدارس في مدن قامشلو والحسكة وذلك تحت شعار: “نحمي بيئتنا نبني مستقبلنا”، حيث تم إعطاء دروس تهدف إلى التربية البيئية للطلاب على حب البيئة والمحافظة عليها واتباع السلوكيات الصديقة للبيئة وتجنب السلوكيات الضارة للبيئة.

الحفاظ على الثروة السمكية

إصدار التعاميم المتضمنة الحد من عمليات صيد الأسماك في المسطحات المائية والأنهار حفاظا على الثروة السمكية وإعطائها فرصة للتكاثر خلال موسم التكاثر، حيث تم منع الصيد من بداية شهر آذار إلى 1 حزيران من عام 2023.

إنجاز مشروع منتزه نوروز السياحي المقابل لبلدة هيمو في قامشلو، عبر تقديم وزراعة أشجار متنوعة مع لوازمها من سنادات وغيرها، وحفر بئر سطحي لزوم سقاية الأشجار في الموقع، وتقديم مقاعد.

تشكيل لجنة لدراسة رسوم التراخيص البيئية، ومناقشة دليل الاشتراطات البيئية الذي يتضمّن كافّة المنشآت الصناعية والزراعية والمواد الكيماوية بشكل عام؛ ليكون مرجع للموافقات البيئية ويلتزم فيه أصحاب المنشآت، كذلك تم توحيد نماذج لمنح الموافقات البيئية.

بالمجمل؛ تهدف هيئة البيئة إلى توفير بيئة نظيفة وصحية للمجتمع، من خلال تنظيم ومراقبة النشاطات الصناعية والزراعية والتجارية التي تؤدي إلى تلوث الهواء والمياه والتربة وإعادة تأهيل المحميات وإحداث محميات جديدة.

ولعل الأعمال التي قامت بها هيئة البيئة تركزت حول تكثيف الغطاء النباتي وزيادة المساحات الخضراء في إقليم شمال وشرق سوريا وهناك خطط واستراتيجيات ستتخذها في الأيام القادمة، وستركز على المحميات التي تعرضت أشجارها ومواردها الطبيعية للدمار بنسبة 80% نتيجة الحروب.